تحت رعاية صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، عقد اللقاء المفتوح مع طلاب وطالبات جامعات البحرين بهدف توضيح الرؤية لخلق جيل المستقبل، وأثناء حديثها أشارت الشيخة سبيكة إلى أن التغيير نحو الأفضل لن يحدث ما لم «نشدد على كوننا أمة واعية»، وهذا يتطلب «جاهزيتنا بالعلم والعمل»، واكتساب المهارات المتخصصة للإسهام الفعلي «اعتمادا على الإنسان البحريني». وأشارت إلى أن النخب البحرينية قادت مسيرة التنمية في الماضي، والطلاب الذين مارسوا نشاطا ديمقراطيا في انتخابات مجلس الطلبة اثبتوا أهليتهم لممارسة حقوقهم في التعبير عن الرأي والتغيير الايجابي. البحرين أمانة لا يمكن التفريط بها، وهي تحتضن جميع أبنائها المخلصين، العاملين لبحرين المستقبل القائمة على أساس التعايش السلمي والبناء الحضاري.
بهذه الكلمات فتح الحوار مع الطلاب والطالبات باختيار سؤالين من أقسام جامعية عشرة، أحدهما شفهي والآخر مكتوب. أحد الطلاب وقف شاكرا قرينة الملك وطرح همومه المرتبطة بالشأن المحلي والجامعي مشيرا إلى أن البلد «لا تعيش حالا دستورية متفقا عليها، وهذا لا يؤسس استقرارا وتحقيقا لمستقبل الأجيال»، وأشار إلى مسألة تقنين الأحوال الشخصية وطالب بـ «اشراك علماء الدين» ثم طالب بـ «دور حقيقي للطلاب وضمان استقلالية تمثيل الطلبة».
رئيسة الجامعة الشيخة مريم بنت حسن آل خليفة أشارت إلى أن التصدي لهذه القضايا «يجب ألا يعتمد على تلقي معلومات من الآخرين» وان هذا التلقي « يخل في قدرة الطالب على إصدار الحكم الصائب». وطالبت بـ «اعتماد منهجية التفكير قبل اصدر القرار»، ولذلك فـ «إن السؤال لم يطرح باسلوب علمي منهجي»، لان الطالب «تحدث وكأنه متأكد ان المشكلة الدستورية ليست مستقرة»، وهذا الطرح - في رأي رئيسة الجامعة -غير علمي لـ «أنه ترديد لما يسمع». وأرجعت رئيسة الجامعة ايضا موضوع الأحوال الشخصية إلى ان الموقف ربما يرجع إلى «ترديد ما يسمع وليس البحث الجاد»، مؤكدة «أن الانموذج الذي أرسله قضاة المحكمة الجعفرية والسنية قائم على الشريعة الإسلامية وليس مخالفا لها». أما بالنسبة إلى اعطاء الطلبة قناة شرعية، اشارت رئيسة الجامعة إلى ان مجلس الطلبة قناة منتخبة وتكفي وعلى الطلاب الاستفادة مما هو موجود قبل المطالبة بالاكثر.
أما قرينة الملك فقد أرجعت حديث عدد من الطلاب إلى حال الشباب المشكك في الأمور، قائلة «ان البحرين تعيش حركة اصلاحية حقيقية بريادة الملك»، ومؤكدة قربه من رموز القوى السياسية في البلاد.
التصفيق للطالب بعد كل جملة يقولها، وكذلك التصفيق لرئيسة الجامعة بعد كل جملة تقولها ربما هو ظاهرة مستوردة من الحال العربية «التصفيقية» التي تضيع الوقت في المظاهر الاحتفالية بدلا من الدخول في صلب الموضوع.
التعرف على هموم الشباب يتطلب الصدر الواسع ممن يتصدى لاصلاح الأمور في مختلف الجوانب. والاشارات التي يسمعها المسئولون أثناء اللقاءات المفتوحة مهمة لأنها تعبر الكثير من الحواجز وتتخطى الرسميات التي تحجب الآذان والأعين، وتصقلها بطريقة تعجب المسئول، ولذلك فانها بادرة شجاعة من قرينة الملك ان تعقد لقاء مفتوحا وتستمع إلى الطلاب وهمومهم من كل جانب.
غير أن تشعب الحديث شرقا وغربا أثناء الحوار المفتوح، وعلى رغم انه متوقع، يشير إلى أن هناك من يعتقد ان صوته لم يتم الاستماع إليه بصورة كافية، ولذلك فإنه يستفيد من أية فرصة للتعبير عما يختلج في نفسه. فالاسئلة التي افتتح بها اللقاء بعيدة عن الهم الطلابي، وترتبط بالهم الوطني العام على رغم أن شعار اللقاء كان «رؤية واقعية لغد أفضل».
ربما ان الاستثناء جاء من «استثناء». فأحد الطلاب الكفيفين طرح مشكلة طلابية تتعلق بعدم اكتراث أساتذة الجامعة بمتطلبات الطالب الكفيف من استخدام وسائله التعليمية في قاعات الدراسة والامتحانات، وعلق بشكل دقيق على المختبرات والامتحانات التي تطلب من الطالب الكفيف «رسم» بيان ما، من دون ملاحظة متطلبات الكفيف.
قرينة الملك سألت فيما اذا كان هناك خلل في العلاقة والتواصل بين التلميذ والاستاذ، وهذا ما أكدته رئيسة الجامعة الشيخة مريم بنت حسن آل خليفة انه «لا يوجد تواصل بين الطلاب والعمداء». وهذا ارجع الحوار الى مساره الصحيح، نوعا ما.
كثير من الطلاب يطالبون بأن يكون لهم «اتحاد طلابي» يستطيع ان ينقل همومهم ويدافع عن مصالحهم ويربط بين إدارة الجامعة والطلاب. «فمجلس الطلبة» مهما كان فهو وسيلة قاصرة عن الوصول الى مستوى الاتحاد الطلابي، فالاتحاد له صفات تمثيلية مستقلة، ويعتمد على قوة الطلاب الذين يلجأون اليه لتمثيلهم بصورة منتظمة ومستمرة مع إدارة الجامعة. أما المجلس فهو أشبه بالهيئة الاستشارية التي لا تمتلك صلاحيات كاملة. ولكي يتحول المجلس إلى اتحاد فان الطلاب ملزمون بالتحرك على أساس «هموم الطلبة أولا»، وليس الهموم السياسية خارج الجامعة. فالاوضاع السياسية لها جمعيات سياسية والطلاب يمكنهم التطارح والاهتمام بالشأن العام ولكن البرنامج الطلابي والحوار الطلابي ينبغي ان يكون طلابيا بالاساس. وهذا يعني ان «الاتحاد الطلابي» عندما يسمح له بالانشاء فان همومه هي هموم الطالب الكفيف وهموم طلاب التخصصات والقبول ومقارنتها بالبرامج العالمية وتحسين الاداء الأكاديمي، وربط ما يدرسه الطالب بمتطلبات السوق لكي لا تشعر فئة منهم بالغبن عند مقارنة الدراسين في هذا المجال أو ذاك.
أحد الطلاب وقف يتحدث عن آلامه كمواطن سيتخرج باحثا عن عمل حاملا شهادته من دون أمل في الحصول على عمل يفي بأبسط متطلباته. وقبل ذلك وقف طالب مطالبا بوضع حد «للواسطة» و«الطائفية» في مجالات التوظيف. وردت قرينة الملك بان الطائفية كانت مختفية من المجتمع البحريني وانها دخيلة علينا بسبب ماجرى في السنوات الأخيرة، داعية بذلك الى اعتماد الشباب على همتهم للتخلص من هذا الداء. أما الواسطة فهي آفة تقف ضدها بكل ما تستطيع.
أما احدى الطالبات فسلمتني ثلاث رسائل تتحدث عن آمالهم التي فقدوها في الحصول على عمل بعد التخرج، احدى الرسائل تقول: «نحن مجموعة من طالبات الجغرافيا / دبلوم تربية، انهينا بكالوريوس جغرافيا تطبيقية، وعلى وشك التخرج من دبلوم التربية، ومن المتوقع انه سيكون عدد المتخرجات فوق السبعين طالبة، وحسبما اشيع فان فرص التوظيف في وزارة التربية والتعليم محدودة جدا في هذا التخصص، فما العمل الآن بعد جهد ست سنوات متواصلة؟».
بعيدا عن التصفيق الذي طالبت رئيسة الجامعة بالتوقف عنه لانه «غير حضاري» فان ضربات قلوب الطلاب والطالبات تزداد ليس خوفا من امتحانات آخر العام، ولكن خوفا من مستقبل مجهول من دون وظيفة، واذا كانت هناك رسالة مهمة يخرج بها اللقاء المفتوح يوم أمس فهي تخصيص الجهود وتكثيفها بالتعاضد مع هيئات رسمية وغير رسمية خارج الجامعة لتوجيه الطلاب ومساعدتهم في الحصول على أعمال كريمة بعد تخرجهم. فلدينا أكثر من عشرين ألف طالب جامعي، وظاهرة «الجامعي العاطل» خطيرة يجب عدم تركها لتتضاعف مع الزمن، ثم تخرج علينا جميعا بآثار غير حميدة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 257 - الثلثاء 20 مايو 2003م الموافق 18 ربيع الاول 1424هـ