تتباين الآراء والتعليقات بشأن ما حدث من مصيبة كبرى جراء تفجيرات الرياض (السعودية) التي قصمت الظهر لانها جاءت في وقت عصيب على الامة... والناس... وهذا المحلل السياسي الاردني سلطان الحطاب يقول : حمى الله الجزيرة... فهذه فتن زخرى وفساد عظيم. وقتل للنفس البشرية بغير حق وتجاوز على الله ورسوله... وهو الفساد بعينه الذي قال فيه تعالى «واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون» (البقرة:11)... ومخالفة لوصايا رسوله حين قال في ملاقاة الخصم «ولا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا امرأة ولا عابدا في صومعة» وبهذه المعاني كانت الشرائع السماوية والدولية وتوافق الحضارات البشرية... فمن اين جاء هؤلاء... وكيف يمكنهم ان يتحدثوا باسم الدين والحرية والخلاص.
ويرى الحطاب: الذين قاموا بتفجيرات الرياض يخدمون هدف عدم استقرار المنطقة وجرفها كلها الى العنف وغياب الأمن والفوضى وهذا ما تكشفه التصريحات المصاحبة للعمل واللاحقة له... والنتيجة التي يريدها هؤلاء هي مزيد من التدخل الاجنبي على الأرض العربية ومزيد من اقامة القواعد الاجنبية ومرابطة الجيوش باسم حماية المصالح ومقاومة الارهاب وبالتالي سحب الحالة العراقية وما آلت اليه من فوضى وتشتت الى مواقع اخرى في العالم العربي وجعل النظام العربي باشكاله القائمة غير قادر على الدفاع عن نفسه وبالتالي الاستعانة الكاملة بالاجنبي والجلوس في حضنه.
وانه قد تكون هذه العمليات كما كان غيرها وقبلها اداة للاجنبي لاحكام سيطرته وفرض شروطه واخذ التغيير الذي يطلبه بالقوة والضغط والتخويف... فالمضروب فيها هو الأمن العربي والمصالح العربية والصورة العربية قبل ان يكون مجموعة من الاميركيين.
ونحن بدورنا نرى انه اذا كان استحقاق التسوية السياسية في قضية الشرق الاوسط والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي يحاصر «اسرائيل» ويجعلها في موقف مفضوح امام العالم باستمرار رفضها لخريطة الطريق وعدم قبولها لها وبالتالي ادارة الظهر والاكتفاء بادارة الازمة فان عمليات الرياض الارهابية تأتي لتخليص «اسرائيل» من المأزق الذي هي فيه وتسليط الاضواء بعيدا عنها واعفائها من المطالبة الملحة بان تستجيب للضغط الدولي اذ ان هناك ارهابا جديدا وناشبا اولى ان يقاوم واولى ان ينظر اليه وهو ارهاب يصيب الاميركيين وغيرهم ويشكل الهدف الذي خرجوا في الأصل لمحاربته ومن الفوائد لاسرائيل في انفجارات الرياض انها تساوي بين ما تواجهه من مقاومة وبين ما حدث في الرياض من ارهاب وتعاود خلط الاوراق وتضع نفسها مجددا في الخندق الاميركي وستعلن مجددا انها تضع ايضا امكاناتها وانها مستعدة لاحقا للقيام بدورها المباشر في مقاومة ذلك وعلى اية ارض بما في ذلك الأرض والعواصم العربية.
من قاموا بالعمل يخدمون فقط غياب الاستقرار وخلط الاوراق فقد جاءوا لانقاذ خصوم القضية العربية وفي اللحظة المناسبة وعلى كل واع ان يفكر في ذلك وان يتبصر ذلك... وهم يستدرجون التدخل الاجنبي ويبررون للولايات المتحدة حربها الظالمة على المنطقة حتى اذا ما افتقدت شرعية لحربها على العراق وجدت شرعية تدخلها في عواصم دول عربية اخرى باسم مكافحة الارهاب وحماية مواطنيها ومصالحها كما يحدث الآن.
الى ذلك يتواصل معنا المحلل السياسي الاردني محمود الريماوي ليرى التفجيرات وقد تركت ظلالها على المسألة العراقية فيقول:
في الوقت الذي يسعى فيه العراقيون إلى تقصير أمد الاحتلال واتباع الأساليب السياسية لتحقيق هذه الغاية، وهو موقف يلتقي عليه سائر القوى العراقية بمختلف تلاوينها... في هذا الوقت، تأتي العملية الإجرامية في الرياض التي استهدفت مجمعات سكنية يقطنها أميركيون وأبناء جنسيات عربية وجنسيات أخرى مختلفة، لكي تكشف قصر النظر والنزوع الدموي والسعي إلى إلحاق المزيد من التشويه بصورة العرب والمسلمين.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فالمستهدفون من الأميركيين مقيمون بصورة شرعية وفق اتفاقات وعهود وغالبيتهم كما تجمع التقارير من المدنيين ومن هم في حكمهم، وإذا كان يسوءنا باعتبارنا عربا ومسلمين، أن يتعرض أبناء جاليتنا في المهجر الأميركي لمضايقات وضغوط، فإن هذا الموقف الصائب لا يستقيم مع استهداف الأميركيين ومن هم في حكم (الضيوف) وبهذه الطريقة الوحشية التي أجمع العالم على إدانتها، اذ من شأنها تعقيد الأوضاع في المنطقة، وكذلك إتاحة المجال لتوجيه مزيد من الضغوط الى المملكة العربية السعودية، التي أطلقت مبادرة السلام العربية، وتوالي دعمها غير المحدود للقضية الفلسطينية، ولإحلال حكم عراقي وطني في أقصر الآجال، يحل محل قوات الاحتلال الأميركي.
والأغرب مما تقدم، أن هذا الاستهداف يأتي بعد القرار «التاريخي» للرياض، بإنهاء وجود القسم الأكبر من الوجود العسكري الأميركي على أراضيها، وقد كان من المقرر أن يكون لهذه الخطوة ما بعدها. وهكذا وبدلا من دعوة واشنطن والتفاهم معها على الإنهاء التدريجي لهذا الوجود، فقد ارتأى البعض شن حرب على بقايا الوجود الأميركي، حتى لو كان هذا الوجود ممثلا في مدنيين، ثم النيل من حياة بضع عشرات من العرب ومن جنسيات أخرى في حرب عمياء، وكأن الهدف منها ضمان تأليب الرأي العام هنا وهناك على امتداد العالم ضد العرب والمسلمين، وإلصاق صفة الإرهاب بهم، ما يضعنا في مواجهة لا مبرر لها ولا حدود «لاتساعها» وتشابكها، وبما يلحق أبلغ الضرر بقضايانا الملحة والجوهرية كرؤية نهاية مبكرة للاحتلال الأميركي للعراق، واستعادة الأراضي والحقوق العربية التي سلبها الاحتلال الإسرائيلي، وإرساء علاقات تفاهم وتعاون مثمر مع سائر دول وشعوب العالم . ومع ذلك يقول الريماوي: فإن هذا الإرهاب الاستثنائي، لا يلقى موقفا سياسيا وضميريا وأخلاقيا من طرف الإدارة الأميركية، الأمر الذي يلقي الظلال والأسئلة على مضمون وأهداف الحملة على الإرهاب، ما دام أن أحدا في واشنطن لا يلقي بالا إلى إرهاب رسمي يومي تقترفه حكومة الاحتلال، بحق الآلاف وليس بضع عشرات من المدنيين.
إن الإرهاب يضرب في أماكن شتى من العالم، من الرياض إلى قطاع غزة والضفة الغربية، ومن لا يرد رؤية ذلك، فإنه لا يريد للحملة على الإرهاب أن تنجح وتحقق أهدافها. وهذا الامر انتبه له الكاتب محمد ناجي عمايرة عندما قال:
أدانت جهات كثيرة رسمية وشعبية، الهجمات التي وقعت على مجمع سكني للاجانب في المملكة العربية السعودية. ووصفتها بانها من «اعمال الارهاب». ولا شك في ان ما حدث لا يصنف إلا في هذا الاطار، بل ان الصاقه بـ «تنظيم القاعدة» يجعله كذلك. وصلة القاعدة به لا تعدو ان تكون افتراضية، وان كانت جهات أمنية سعودية واميركية اكدتها بقوة ومن دون أدلة!
ان ادانة ما حدث، وحدها، لا تكفي، فالامر يستدعي معالجة اوسع وخصوصا ان هذا العمل الفظيع استهدف ضحايا مدنيين، في مساكنهم، واثناء الليل، وهؤلاء الضحايا من جنسيات مختلفة فمنهم عرب ومسلمون واجانب آخرون بينهم قليل من الاميركيين والبريطانيين والاستراليين!
ولا نعلم على وجه التحديد، صفة وجود هؤلاء جميعا في الاراضي السعودية، وهم بالتأكيد ليسوا جميعا من العسكريين، ولا هم من الخبراء العسكريين، وان كان منهم من هو كذلك، فهل تسوغ هذه الصفة، وحدها، قتل من قتلوا وجرح من جرحوا، وتدمير المباني التي دمرت؟... وهل هذا «التسويغ» المفترض ديني ام سياسي... ام ماذا؟ وما هو الهدف المرتجى؟
لا أظن ان الاجابة ممكنة على كل ذلك من دون ان تتوافر معطيات كافية عن الموقع، ومن كانوا فيه، وعن الاشخاص الذين شنوا الهجوم الارهابي وغاياتهم واهدافهم. ويقول الاميركيون ان الارهاب واحد، وان حملتهم عليه، ومعهم دول حليفة اخرى، كثيرة، هي حملة مستمرة وطويلة المدى. ولكن تعريفهم لـ (الارهاب) لايزال غامضا وتعاملهم معه ما برح تعاملا انتقائيا، وهم يسكتون عن حدث ما ذات يوم، ليعيدوا اثارته بعد سنوات طويلة، لان مصالحهم - لا قيمهم - هي التي اقتضت ذلك! وفي العراق أبلغ من نموذج!
ويؤكد العمايرة : لقد أدنا تفجيرات (11) سبتمبر/أيلول - في اميركا، بقوة، في هذه الزاوية، وما زلنا ندينها...، نحن ندين هذه الجرائم الجديدة في الرياض بشدة ايضا. لكن على الاميركيين والدول المعنية ان يدينوا مثيلاتها التي تحدث في فلسطين برصاص الاحتلال الاسرائيلي، وفي العراق بالرصاص الاميركي والبريطاني، وفي افغانستان، كذلك... وفي الشيشان، برصاص الجيش الروسي... والا يكتفوا بادانة ما يقع بأيد عربية أو من رعايا دول إسلامية، وضد أهداف أميركية أو إسرائيلية، ان يتجاهلوا ما يحدث لهذا الشعب العربي المسلم في مختلف مواقعه على ايديهم او ايدي حلفائهم، او تابعيهم، اينما كانوا!
ان محصلة ما حدث بكل البؤس الناتج مجرد فسحة لما هو آت في ظل الحرب الاميركية والدعم الشديد لسياسة الادارة العمياء تجاه قضايا المنطقة
العدد 256 - الإثنين 19 مايو 2003م الموافق 17 ربيع الاول 1424هـ