العدد 256 - الإثنين 19 مايو 2003م الموافق 17 ربيع الاول 1424هـ

العقل الأمني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أكثر من تطور حصل على الساحة الفلسطينية في اليومين الأخيرين. وشملت التطورات جوانب مختلفة منها الأمني، ومنها السياسي، والدبلوماسي.

أمنيا وقعت سلسلة عمليات عسكرية أبرزها كانت في القدس وغزة دفعت رئيس الحكومة الإسرائيلي آرييل شارون إلى إعلان وسط الضفة الغربية منطقة محظورة عسكريا الأمر الذي يشير إلى احتمال قيام جيش الاحتلال بحملة مداهمات وتصفية في بعض المدن والقرى.

سياسيا اتهمت الحكومة الإسرائيلية رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بالوقوف وراء تلك الموجة من العمليات العسكرية الأمر الذي نفاه عرفات مركزا على مسئولية الاحتلال عن كل أعمال العنف التي تقع في فلسطين.

وسياسيا أيضا اتهمت حكومة شارون رئيس الوزراء محمود عباس (أبومازن) بالضعف وعدم القدرة على ضبط الوضع الأمني مطالبة إياه بالقيام بما وعدت نفسها به وهو شن حملة اعتقالات ضد الهيئات والفصائل الفلسطينية وبالتالي جر الساحة السياسية إلى مواجهات داخلية تعطل إمكانات مواصلة الانتفاضة ضد الاحتلال.

دبلوماسيا أجّل شارون زيارته المتوقعة لواشنطن بذريعة انشغال الحكومة الإسرائيلية بقضايا أمنية تشبه انشغال الرئيس الأميركي بحملاته المضادة لشبكات «الارهاب» في العالم.

دبلوماسيا أيضا تبدو المواقف الإسرائيلية من «خريطة الطريق» هي الأسباب الحقيقية الدافعة إلى تأجيل زيارة شارون إذ ان تل أبيب تميل إلى رفض خطة الطريق في وقت تجد نفسها في موقع القوي بعد ضرب العراق وإخراجه بالقوة من معادلة الصراع. فشارون يرى ان الظروف الآن مناسبة للمزيد من التطرف والتصلب في وقت يستعد بوش لخوض جولة ثانية للانتخابات الرئاسية. وشارون بهذا المعنى يجد نفسه أقوى من بوش في معادلة «الشرق الأوسط» الإقليمية... فلماذا يقدم «تنازلات» في مرحلة يستطيع خلالها توظيف الفوز العسكري الأميركي في العراق واستثماره سياسيا لتحسين شروط التفاوض وفرض الاستسلام على مختلف الدول العربية وتحديدا في فلسطين وسورية ولبنان.

مماطلة شارون لها صلة بخطة «خريطة الطريق» وليس بالانفجارات الأمنية التي حصلت في اليومين الأخيرين، وشارون يريد من وراء التهرب من مواجهة الاستحقاقات القول إن دولته ليست معتدية بل هي في خندق واحد مع الولايات المتحدة في معركة مواجهة ما تسميه واشنطن «الشبكة العالمية لتنظيم القاعدة».

ما يسمى بتنظيم «القاعدة» هو الكذبة الثانية بعد أكاذيب شارون. فالرئيس الأميركي الذي يوهم العالم بأنه يخوض حربه العالمية الخاصة منذ 11 سبتمبر / أيلول 2001 ضد القاعدة. أعلن أيضا منذ أكثر من يومين انه نجح في قتل وتصفية نصف التنظيم في أقل من سنتين وبقي عليه استكمال مشروعه العالمي للقضاء على النصف الآخر.

والنصف الآخر مجهول حتى الآن إلا ان بوش وزمرته والمجموعة الحاكمة في البنتاغون والبيت الأبيض يؤكدون جميعهم ان ذلك التنظيم موجود في كل مكان وينتشر عمليا في أكثر من 40 إلى 60 دولة عربية ومسلمة. وبهذا المعنى فإن خطة بوش هي مواصلة الضغط على معظم العالمين العربي والإسلامي بذريعة ملاحقة «الارهاب» وتطويق احتمالات تعرض الولايات المتحدة ومصالحها في العالم لهجمات كما حصل من قريب أو بعيد في الرياض والدار البيضاء.

بوش يشبه شارون في عقليته المريضة بالأمن وهواجس القلق والخوف من أشباح تهدد أقوى دولة في العالم في وقت تشير المعلومات إلى أن «إسرائيل» هي أقوى دولة في «الشرق الأوسط» وتهدد أمن المنطقة مثلها مثل الولايات المتحدة في العالم.

هذه العقلية المصابة بمرض المخاوف من مجهول لا علاج سياسيا لها. لأن القوي عادة يرهب الضعيف، ويخيفه وليس العكس.

و«إسرائيل» في المنطقة مثل أميركا في العالم هي الدولة الوحيدة التي ترهب وتخيف نظرا إلى ما تملكه من «أسلحة دمار شامل» تهدد به دول المنطقة حين تضطر إلى ذلك.

العقل الأمني لا ينتج سياسة بل يؤجج الأوضاع ويقلب الاستقرار إلى اضطراب يسوده التوتر والانفعال، وهذا ما بدأ يظهر في أكثر من مكان في آسيا الجنوبية بعد احتلال أفغانستان ومناطق مختلفة من «الشرق الأوسط» والخليج والمغرب بعد احتلال العراق.

الأمن لا يعالج الاضطراب الأمني بل يزيد من سرعة التقلبات ويعرّض الاستقرار في المنطقة لخطر الانقلاب وإدخال دول العالم العربي عنوة في معركة لا نهاية لها... بينما الأمور تحتاج إلى معالجات سياسية بدءا من إجبار تل أبيب على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والالتزام باتفاقات وتعهدات وقعتها سابقا مع السلطة الفلسطينية.

هناك أكثر من تطور حصل على الساحة الفلسطينية في اليومين الأخيرين إلا ان معالجة شارون لها تشبه معالجات بوش. وهي اللجوء إلى الأمن بينما المشكلة في أساسها تتطلب اللجوء إلى الحلول السياسية. فالعقلية الأمنية هي مرض نفسي، وحين يضرب المرض النفسي دولة كبرى فإن السياسة تتراجع والعضلات الأمنية تتزايد.

وهذا ما نشهده من فلسطين إلى المحيط والخليج

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 256 - الإثنين 19 مايو 2003م الموافق 17 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً