مدى وضوح الرؤية الديمقراطية والشفافية يقاس بمستوى الخدمات البلدية. رئيس البلدية بحسب المعايير الديمقراطية الدولية، ينتخب بالاقتراع المباشر، وهو أيضا المحافظ، إلا أنه في البحرين لا يعمل بهذا النظام ما سبب قصورا في الخدمات البلدية، تصاعدت على اثره شكاوى المواطنين من تدني الخدمات والفساد والروتين القاتل والبيروقراطية الخاملة، المسئولة عن تعطيل معاملات ومصالح المواطنين، بلد غني بالنفط كالبحرين لا يمكن مقارنته بسريلانكا البلد الفقير الذي يبلغ مستوى دخل الفرد فيه اقل من ألف دولار، ويعتبر من أكثر البلدان فقرا بحسب تقديرات أطلس البنك الدولي.
في مدينة مثل كولومبو توجد خدمات بلدية متكاملة وبنية تحتية. كل شارع به رصيف ومجار واضاءة، كما يوجد منظفون على مدار الساعة وخدمات بلدية للمنازل. السؤال المطروح هو: أين هذه الخدمات في البحرين؟ هذا التدهور غير المقبول في مستوى الخدمات البلدية وخصوصا في قرى البحرين، مخالف لحقوق المواطن الدستورية. أهم المشكلات التي يتعرض لها المواطنون تكمن في: عدم وجود قوانين وأنظمة تقرها المجالس البلدية لتحديد الرسوم البلدية، ومعاملات الهدم والبناء، ومعاملات رمي المخلفات ومعاملات الزوايا، أو وقف الاستيلاء على أراضي الحدائق العامة، وعدم وجود وسائل ترفيه للأطفال والعوائل، وإهمال الحدائق، واهمال تجميل الشوارع. من هنا نتساءل: أين الرسوم الباهظة التي تجنيها البلديات وما انجازاتها لخدمة المواطنين؟
الأمر الذي يرفضه المواطن فرض رسوم اعتباطية أو وهمية عليه من دون تبرير قانوني، حتى ان بعض المواطنين يشعرون بأن هناك في البلديات من يريد الانتقام منهم لسبب أو لآخر. يجب التأكيد هنا أن المواطن من حقه الحصول على تلك الخدمات التي تقدم مجانا في بعض دول الخليج، ومن أهم حقوق رعاية المملكة للمواطن بالطبع تقديم خدمات بلدية متكاملة من دون أن تثقل كاهله ماديا، وخصوصا ان غلاء المعيشة وتدني الرواتب ومتطلبات المعيشة العصرية، تربك موازنة المواطن الضئيلة وتسبب له اكتئابا نفسيا، بسبب تضاعف الأعباء المالية وتراكم الديون على كاهله.
حق كل مواطن بحريني المشاركة في وضع خطط التنمية، من الحقوق المدنية الأساسية. الديمقراطيات العريقة درجت على حمل شعار: لا تنمية من دون مشاركة شعبية ولا ديمقراطية من دون تنمية. المشاركة الشعبية تأتي عن طريق إشراك المؤسسات الديمقراطية الممثلة للشعب، سواء التشريعية منها أو مؤسسات المجتمع المدني في صنع القرار. وعليه لا يمكن استنزاف موارد البلد من أجل تحقيق مصالح شخصية لعدم وجود آلية للمراقبة والمحاسبة. المشاركة الشعبية في وضع خطط التنمية أساسية لمنع الاستفراد بقرارات تنفذ بموجبها مشروعات تنموية قد تكون فاشلة. بطبيعة الحال، لا بد من وضع معايير النزاهة وتكافؤ الفرص في الحسبان. ومن اجل تفعيل أدوات المراقبة للموارد الادارية، وزيادة شفافية العمل في ادارات المملكة كافة، يصبح من اللازم تشغيل ديوان الرقابة المالية والإدارية، لاتخاذ اجراءات فورية للإصلاح الإداري، والقضاء على الفساد، وحل مشكلة البطالة، وتطبيق أساليب المحاسبة والمكاشفة، لماذا؟ لأن البحرين دولة نامية محدودة الموارد، تسعى الى تنمية قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية والمنافسة في الأسواق العالمية، وتشغيل الأعداد الهائلة.
لابد من الاعتراف بأن إنشاء مجالس بلدية تعتمد التعددية والتقاليد الانتخابية الديمقراطية للجنسين، أهم نجاح حققته الجماهير التي ناضلت من اجل تحقيق هذا الهدف، كما أن الفضل أيضا يرجع إلى جلالة الملك الذي استجاب بكل ثقة للمطالب الشعبية. لكن أي قانون للمجالس البلدية يعتمد المركزية والتبعية لمجلس الوزراء، ولا يأخذ في الاعتبار مقترحات وآراء المواطنين، ولا يسمح بالتنافس لإعطاء المناقصات، وقراراته تصدر عن مجلس مركزي واحد لا غير سيفسح المجال للتلاعب. إن القانون الحالي أي المرسوم بقانون لسنة 2001، لإنشاء مجالس بلدية يعاني من القصور، فهناك صعوبة في فهم بعض مواده وخصوصا فيما يتعلق بالسيطرة على موارد البلديات التي تثير فعلا عدة إشكالات، أهمها:
1- تحديد صلاحيات المجالس البلدية وقراراتها.
2- ربط الصلاحيات والقرارات، بتبعية موافقة وزير البلديات ومجلس الوزراء.
عموما لا يمكن الحكم على هاتين النقطتين قبل أن نرى ما تتوصل إليه لجنة المحاسبة والمراقبة الإدارية والمالية المعينة، وما سيصدر عنها من وثيقة عن الرقابة المالية والادارية، القانون الحالي أفضل بكثير من القانون القطري، وربما هذا أقصى ما يمكن الحصول عليه في الوقت الحالي، إلا أنه لا يقارن بالقانون الفرنسي مثلا، الذي يعتبر أفضل قانون بلديات في العالم. وللتعليق على المرسوم بقانون لسنة 2001 الخاص بالبلديات بعد دراسته بتعمق أسجل الملاحظات الآتية:
يبدو واضحا أن المادة الثانية من المرسوم ألغت المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 1973 ورقم (11) لسنة 1988، الخاص بإنشاء هيئة بلدية مركزية مؤقته لإدارة شئون البلديات، الذي جاء مباشرة بعد تعليق العمل بالدستور. الأمر الذي جعل انشاء الهيئة المؤقتة إلى يومنا هذا غير دستوري وغير شرعي بمعنى أن الاحكام التي صدرت عن تلك الهيئة غير قانونية ويمكن مراجعتها من جديد بحسب القانون ومحاسبة المخالفين. وهذا يتطلب اتخاذ اجراءات شجاعة كمصادرة الثراء من الفساد والممارسات غير القانونية بسبب التلاعب.
المرسوم اطلع على الدستور، أي ان السند القانوني لهذا القانون هو الدستور، لكن قانون البلدية الصادر في سنة 1920 والنظام الأساسي للبلدية الصادر سنة 1951 الذي عين ممثلين عن رأس الرمان على سبيل المثال لا ينتمون حتى الى المنطقة، لم يكن إلا قانونا بريطانيا في الحقبة الاستعمارية على رغم انه في الظاهر مجلس بلدي يضم شخصيات من التجار ليسوا ممثلين عن الشعب. الواقع أن تلك الأنظمة البلدية اتخذت طابعا اصلاحيا وتنظيميا يشهد له الجميع، إلا انها لم تكن ديمقراطية أبدا. من ناحية أخرى لم تقسم تلك القوانين البحرين إلى مناطق بلدية بحسب المادة (1) من القانون الحالي، الذي قسم البحرين إلى 5 مناطق بلدية هي: المنامة، المحرق، المنطقة الشمالية، المنطقة الوسطى، والمنطقة الجنوبية وذلك بحسب نظام المحافظات المطبق حاليا، وهذا يخلق مشكلة في التمثيل السكاني العادل، لإغفاله المناطق ذات الكثافة السكانية.
المادة (2) أكدت استقلالية البلدية المنتخبة وهذا شيء جيد، لكن المادة (3) لم تحدد المرافق العامة التي تتولى البلدية إدارتها.
أما المادة (4) فقد أكدت سلطة كل بلدية وهذا أيضا جيد لأنها تتيح إصدار القرارات لكي ينفذها الجهاز التنفيذي.
المادة (5) من الفصل الثاني لم توضح الدوائر الانتخابية للمنطقة الانتخابية، بل صدر قانون آخر يحددها بحسب المصلحة.
المادة (17) التي تخول الحكومة حق حل المجلس قبل انتهاء ولايته لأسباب تعزى الى المصلحة العامة وبمرسوم، مادة خطيرة فعلا وربما يقصد بها إيجاد خيط رجعة تقرر الحكومة بموجبه توقيف العمل بالنظام.
الفرع الثاني (اختصاصات المجالس البلدية) المادة (18) الفقرة (14) تتحدث عن اشراك جهات مختصة في دراسة وضع المخططات العمرانية الهيكلية العامة ومخططات المناطق التفصيلية، وهذا يعني أن الخيار الأخير هو للحكومة وليس للمجلس، الشيء نفسه ينطبق على الفقرة (19) والفقرة (20) والأمر نفسه ينطبق على (المادة 19) أيضا.
الفصل الرابع (الموارد المالية للبلديات) المادة (34) بشأن الرسوم. تستند إلى قانون آخر لاستيفاء الرسوم من دون أن توضح ذلك القانون، وهذا يعني أنه يمكن استخدام قوانين سابقة تمنح إعفاءات استثنائية انتقائية.
المادة (35) تنص صراحة على أن اللائحة التنفيذية لقانون البلديات لا يمكن تنفيذها إلا بعد موافقة وزير البلديات أو مجلس الوزراء، ولم توضح المادة الصفة التي أعطاها الميثاق أو الدستور لاتخاذ قرارات استثنائية ومنافية لقانون البلديات بحسب المصلحة العامة. المؤكد هو أن المعيار العالمي للمجالس البلدية يلغي تماما أي وزارة للبلديات كما هو حاصل في المنطقة العربية والعالم الثالث. صلاحية رئيس المجلس واسعة جدا، فهو المحافظ، ووزير الأشغال ووزير الكهرباء لمنطقته، وينتخب بالاقتراع المباشر وليس بتعيينه من قبل المجلس البلدي كما هو حاصل في بعض دول الخليج.
إذا المجالس البلدية المنتخبة إذا ما أتيحت لها الفرصة للعمل، ستضع قوانين ولوائح وأنظمة جديدة تحدد رسوم الخدمات التي تقدم إلى البلدية، والخدمات البلدية التي تقدم الى المواطنين، ونحن بهذا الصدد نطالب وزير البلديات بالبدء فورا بالعمل على وضع قوانين تشريعية مقبولة من الشعب، وإجراء تحقيق شامل في قضايا الفساد والرشوة والاستيلاء على اراضي البلدية من دون وجه حق. على ذلك الأساس سيكون للبلديات شأن كبير في تطوير مختلف الخدمات التي يحصل عليها المواطن والمقيم على حد سواء، والارتقاء بمستوى جميع قطاعات التنموية، وبناء البنية التحتية للمملكة
العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ