ان عدم وجود النوايا الأيديولوجية والغيرية في النظام الرأسمالي ليس متعمدا. وعلى الأصح فإن الرأسمالية في حد ذاتها هي نتيجة لعدم تأييد أي أيديولوجية على الاطلاق. لذلك فهناك نقص واضح للدور المحوري للانسان في النظام الرأسمالي.
ولحسن الحظ ونظرا لأن هذا النظام يدار من قبل أفراد لديهم شعور أخلاقي، فإنه قد تم ترويض هذا الوحش المعروف بالرأسمالية الى حد ما بواسطة أنظمة عدالة اقتصادية واجتماعية وسياسية. ويجب علينا من خلال هذه الجهود ان ندرس دور الاسلام في خلق نظام رأسمالي يتماشى مع دستورنا الاسلامي ويستطيع كذلك ان يخاطب ويشارك في النظام الرأسمالي العالمي.
وإذ اننا نعتبر خليفة الله في أرضه فإن على المسلمين المرتبطين بعهد مع الخالق أن يسعوا لخلق حياة كريمة يسودها الانسجام بين الجميع. وبموجب تعاليم الاسلام فإن الثروات الطبيعية التي وهبها الله للانسان مثل النفط هي نعمة يجب استثمار عائداتها باحساس قوي بالمسئولية الاجتماعية وبطريقة تساعد على تخليص البشرية من ذل الفقر والجوع والوصول بها الى حياة مريحة وسعيدة. ان الاسلام يؤكد بوضوح على توزيع الثروة الاقتصادية على المواطنين بشكل عادل. ولتحقيق هذا الغرض يجب على الدول الاسلامية ان تحاول اضفاء الصبغة الاسلامية على الرأسمالية عن طريق خلق سياسات اقتصادية تنسجم مع العقيدة الاسلامية. فعلى سبيل المثال فإن أحد المخاطر الرئيسية للرأسمالية الحديثة والذي يشكل خيبة أمل بالنسبة للمسلمين هو المقصورية التي تتسم بها الرأسمالية إذ يبدو ان الاغنياء يزدادون غنى بينما يزداد الفقراء فقرا. ولكسر هذه الحلقة المفرغة لابد من ادخال إجراءات جديدة للملكية في النظام الاقتصادي.
ويمكن الاقتراب خطوة باتجاه المشاركة في الثروة عن طريق تأمين الثروة الحكومية وتوزيعها من خلال وسائل منظمة لسوق مال اسلامي. أما الخطوات الجديرة بالثناء لتحقيق هذا الهدف فتشمل الصكوك (سندات الخزينة) التي تقدرها مؤسسة نقد البحرين وسوق المال الاسلامي الذي سيتم انشاؤه قريبا.
ولكنا لانزال في بداية الطريق للوصول الى الرأسمالية المتوقعة على الطريقة الاسلامية. لربما يكون من الغرابة ان يدرك الأشخاص المنهمكون في معاملات على طريقة الرأسمالية العلمانية ان توزيع الثروة يمكن ان يكون في الواقع عملية مباشرة مثل الضرائب التي تعتبر عملية مباشرة للتنازل عن الثروة.
دعنا نأخذ العائلة على سبيل المثال والتي تعتبر الركيزة الأساسية للمجتمع الاسلامي. إن الحكومة تستطيع دعم وتشجيع العائلة واعتبارها وحدة اقتصادية فردية تستطيع أن تتلقى بعض الثروات التي يتم توزيعها لمساعدتها على البقاء والعيش. إن العائلات السعيدة تؤدي الى خلق اقتصادات ناجحة. ويمكن توزيع الثروة على شكل تملك أسهم في شركات القطاع العام (وحتى الشركات التي تم خصخصتها) وسندات حكومية ومشروعات حكومية رئيسية تشمل العقارات والسياحة المسئولة والتنمية الصناعية. ويمكن إضفاء صفة الدور المحوري للانسان على الرأسمالية من خلال الارشادات الاسلامية. وقد يتطلب هذا الأمر براعة عند استخدامه في عالم تسيطر فيه الضوابط المالية بدلا من الضوابط الانسانية والاجتماعية او حتى البيئية. ولكن بمجرد تأسيس هذا النظام الرأسمالي على الطريقة الاسلامية سنجد أن الفوائد الناجمة عن ذلك ستكون بمثابة صفقة رابحة
العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ