قبل أكثر من شهر، أي بعد انتهاء المرحلة الأولى من العطاءات التي أسفرت عن بقاء ثلاث شركات في المنافسة، تحدثت مع بعض المتابعين لعمل هيئة تنظيم الاتصالات الذين أثنوا على المهنية والشفافية التي تتمتع بها الهيئة في تناولها للعطاءات المقدمة للحصول على الرخصة الثانية لخدمة الهاتف الجوال. إلا أن منح الرخصة لـ «إم تي سي فودافون» طرح أسئلة مشروعة بشأن الضوابط الفعلية لهذا القرار. وقد أثار قرار الهيئة تأجيل إعلان نتائج العطاءات من 16 أبريل/ نيسان 2003 إلى ما بعد قيام الشركة الفائزة بتسجيل نفسها في السجل التجاري بتاريخ 19 أبريل (سجل رقم -150603)، الاسئلة وخصوصا لأن هناك شرطا بأن يكون الفائز شركة بحرينية مسجلة وقت منح الرخصة، ولأن الهيئة كانت دقيقة في جميع مواعيدها السابقة. ومن الطبيعي في بلد تعوّد الناس فيه سماع «فضائح مالية» التي «يُعتقد» أن بعض مسئولي الدولة متورطون فيها أن يكون لهذه الاسئلة صدى في قلوب الناس.
تناولت في الموضوع السابق أسماء المتنافسين الثلاثة في سباق الحصول على ترخيص الهاتف الجوال الثاني الذي قامت هيئة تنظيم الاتصالات بمنحه لشركة «ام تي سي فودافون» (البحرين) المؤسسة حديثا، وهي شركة تابعة لـ «ام تي سي فودافون» الكويتية. هذه الحلقة تناقش الشروط المفروضة على الفائز وأهلية الفائز ومنافسيه للفوز بهذا الترخيص.
شروط الترخيص
بتاريخ 22 أبريل قامت هيئة تنظيم الاتصالات بمنح رخصة تشغيل خدمة الهاتف الجوال لشركة ام تي سي فودافون الكويتية وفقا لشروط أهمها: (1) أن يبدأ العمل التجاري (أي تشغيل الشبكة) قبل 31 ديسمبر/ كانون الأول من هذا العام. (2) ألا تقل تغطية الشبكة عن 95 في المئة من البحرين. (3) أن يبلغ رأس مال الشركة وقت التأسيس 7,259 ملايين دينار يرتفع خلال 3 أشهر إلى 10 ملايين ثم إلى 20 مليونا بنهاية السنة الثانية. (4) أن لا تخفض الشركة من رأسمالها أو توزع أرباحا خلال 3 أعوام. (5) أن ترتفع نسبة البحرنة إلى ما لا يقل عن 75 في المئة خلال 5 سنوات أي بنهاية 2007. (6) أن تدفع الشركة رسوما للرخصة بمعدل 1 في المئة من مبيعاتها السنوية ومبلغ 100 ألف دينار عن العام 2003. ويلاحظ في هذه الشروط عدم إلزام الهيئة للشركة الفائزة بعرض أي من أسهمها للاكتتاب العام لتعم المنفعة قطاعا أكبر من المستثمرين البحرينيين، كما يلاحظ ضآلة الرسوم المفروضة على صاحب الرخصة وهو ما سنتناوله في مقال آخر.
معايير هيئة الاتصالات
تنص المادة 29 فقرة «من قانون الاتصالات على قيام الهيئة قبل البت في طلبات التراخيص الممتازة بالتحقق من مدى توافر الشروط وبوجه خاص توافر الإمكانات والكفاءة والخبرة الكافية لدى طالب الترخيص، انطباق المعايير التي تحددها الهيئة، مراعاة مصالح المشتركين والمستخدمين، وتشجيع المنافسة بين المشغلين المرخص لهم. وبناء على ذلك وضعت هيئة تنظيم الاتصالات سبعة معايير لتحديد الفائز كالآتي: (1) هوية المتقدم بالطلب. (2) قدرته على المنافسة. (3) المنفعة الاقتصادية. (4) قوته المالية. (5) مدى التزامه. (6) خطته التجارية. (7) تغطيته وسرعة البدء بالخدمة، واعتبر مجلس الإدارة أن المعايير الثاني والثالث والرابع هي الأهم، فهل التزمت الهيئة بمعاييرها؟
فيما يلي مقارنة بين «إم تي سي فودافون» الفائزة وبين الشركة الوطنية للاتصالات، وقد قمت باستثناء شركة المنافس الثالث «كلام»، من المقارنة بسبب سهولة ذلك بين إمكانات الشركتين الكويتيتين وتوافر معلومات أكثر عنهما وتشابه ظروف عملهما في سوق واحدة، وسيتم التركيز في المقارنة على المعايير الأساسية الثلاثة التي حددتها الهيئة.
معيار القدرة على المنافسة
لاشك أن كلا من ام تي سي والوطنية لديهما القدرة على المنافسة. فقد نمت مبيعات وأرباح الشركتين بشكل كبير منذ بدء المنافسة بينهما في نهاية 1999. إلا أن تحليل التفاصيل يشير إلى نمو صاروخي للوطنية مقارنة بإم تي سي، فعلى رغم ان ام تي سي مازالت الشركة الأكبر من حيث المبيعات فإن الوطنية كانت أسرع في النمو إذ ارتفعت مبيعاتها العام 2002 مقارنة بـ 2001 حوالي 58 في المئة (من 54 مليون دينار كويتي إلى 85,5 مليون دينار)، بينما لم ترتفع مبيعات ام تي سي إلا بمقدار 10 في المئة للفترة نفسها (من 120,9 مليون دينار كويتي إلى 132,7 مليون دينار)، ومن الطبيعي أن تنمو الشركات الأصغر بنسب أكبر بسبب صغر حجم مبيعاتها، إلا أن الوطنية في سنتها الثالثة استطاعت زيادة مبيعاتها 31,5 مليون دينار كويتي مقابل فقط 11,8 مليون دينار كويتي زيادة في مبيعات ام تي سي. وتفيد التقارير الواردة من الكويت بأن الوطنية مازالت تنمو بسرعة أكبر من ام تي سي حتى في العام 2003 بل إن عدد المشتركين في خدماتها فاق بقليل عدد مشتركي منافستها. ويعتقد أن بقاء ام تي سي باعتبارها شركة محتكرة لفترة طويلة أضعف قدرتها التنافسية ما سهل مهمة منافستها، وان دخول شركة ذات تاريخ احتكاري للسوق البحريني لن يساعد على سرعة تحرير سوق الاتصالات البحرينية، وباعتقادي ان هذا المعيار يسجل لصالح الوطنية.
معيار المنفعة الاقتصادية
إذا كانت المنفعة الاقتصادية تقاس بمصالح المجتمع في البحرين فإن من الواجب البحث في تفاصيل هذه المصالح. فمن ناحية نقل التكنولوجيا ان المتنافسين سيأتون بتكنولوجيا متشابهة، وهي ما هو متوافر لبتلكو بسبب عقد الإدارة بينها وبين شركة كيبل آند وايرلس العالمية. وإذا كانت البحرنة معيارا فإن الشركة الوطنية للاتصالات تعهدت بنسبة بحرنة لا تقل عن 90 في المئة خلال 4 سنوات مقابل 75 في المئة لـ ام تي سي خلال 5 سنوات. وليس هناك سبب واضح لقبول الهيئة بمستوى من البحرنة يقل عن 90 في المئة خلال 4 أو 5 أعوام إذ إنها بلغت 95 في المئة في بتلكو نهاية 2002 بحسب تقرير بتلكو السنوي، كما انها لم تشترط أية نسب للبحرنة في السنوات الأربع الأولى. وإذا كان موضوع توسيع الملكية من خلال اكتتاب عام للمواطنين عاملا فإن أيا من المتنافسين لم يقدم عرضا مكتوبا بهذا الشأن، إلا أن مساهمي الوطنية للاتصالات البحرينيين أبدوا ترحيبا بهذه الفكرة. وكان من الأفضل أن تصرّ الهيئة على ملكية وطنية تزيد كثيرا على 50 في المئة مع عقد إدارة للشركة غير البحرينية كما هو معمول به في بتلكو إذ ان شركات الاتصالات عادة ما تحقق أرباحا كبيرة لمساهميها.
وإذا كانت القيمة المضافة للرأسمال والإدارة البحرينية المشاركة في الشركات المتنافسة معيارا فإن الوطنية للاتصالات قدمت عرضا أفضل بسبب تركيبة رأسمالها ووجود مؤسسات بحرينية عاملة في حقل التكنولوجيا والاتصالات من بين مؤسسيها كما حددت مساهميها البحرينيين ونسبة استثمارهم البالغة 40 في المئة، وقام الطاقم البحريني الإداري، وهو صاحب خبرة في مجال الاتصالات، بدور مهم في التفاوض ووضع الخطة التجارية للشركة، بينما تشكو ام تي سي من غياب مثل هذا الرأسمال المحلي ذي الخبرة، بل ان ام تي سي لم تستطع حتى بعد مرور أربعة أشهر من بدء العطاءات إشراك بحرينيين بأكثر من 17 في المئة من رأسمالها. لذلك فإن من المشكوك أن يتخذ الجانب البحريني دورا قياديا في إدارة ام تي سي فودافون (البحرين). وعلى ذلك فإني أعتقد أن معيار المنفعة الاقتصادية في اختيار الفائز ربما يفسر لصالح الشركة الوطنية للاتصالات.
معيار الوضع المالي
تتمتع ام تي سي بوضع مالي متين يمكنها من الوفاء بالتزاماتها إذ يبلغ رأسمالها واحتياطاتها كما في نهاية العام الماضي 284 مليون دينار كويتي أي ما يعادل أكثر من أربع مرات مثيله في الوطنية (يبلغ 61 مليونا) إذ تراكمت لدى الشركة احتياطات ضخمة طوال سنوات الاحتكار لسوق الاتصالات الجوالة بالكويت. كما أن المطلوبات المترتبة عليها تبلغ 65 مليون دينار كويتي مقابل 161 مليونا على الوطنية إذ راكمت الوطنية ديونا ضخمة بعد شرائها شركة تونيسيا العاملة في مجال الهاتف الجوال بتونس وعليها تسديد مبالغ كبيرة خلال العام المقبل. إلا أن باستطاعة الوطنية بسهولة زيادة رأسمالها في سوق الكويت للأوراق المالية (إذ زادت أسعار أسهمها أكثر من 3 مرات خلال أقل من 3 سنوات) لتلبية احتياجاتها التمويلية. ولا يحتاج العمل لبناء شبكة الاتصالات الجوالة في البحرين لأكثر من 50 مليون دولار (منها ما يقارب 30 مليون دولار كلفة الأصول الثابتة للشبكة) وهذا الاستثمار يمثل فقط 75 في المئة من أرباح الوطنية السنوية. وعلى أي حال فإن أحدا لا يستطيع أن يجادل بأن ام تي سي فودافون تتمتع بوضع مالي أقوي وهي بذلك تسجل نقطة على خصمها في هذا المعيار
العدد 254 - السبت 17 مايو 2003م الموافق 15 ربيع الاول 1424هـ