العدد 254 - السبت 17 مايو 2003م الموافق 15 ربيع الاول 1424هـ

الخريطة الدائرية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل وصلت الضغوط الأميركية على حكومة ارييل شارون إلى حائط مسدود؟ تلميحات بعض المسئولين التي تشير إلى احتمال فشل «خريطة الطريق» تؤكد أن تلك الضغوط لم تؤت ثمارها نظرا إلى اضطرار الإدارة الأميركية إلى مسايرة أهواء شارون وإصراره على تعديل خريطة الطريق وفق التصور الإسرائيلي.

التعديل يعني نهاية طريق الخريطة لأن من شروط «اللجنة الرباعية» موافقة الأطراف المعنية على الخريطة كما هي والتعديل يعني دخول «اللجنة» مع الأطراف في مفاوضات جديدة قد تمتد إلى فترة زمنية طويلة تفقد المبادرة خلالها زخمها السياسي وتتحول الخريطة إلى مجرد مشروع ورقة قابلة للتفاوض والتعديل وربما تجاوزها إلى خريطة جديدة.

حتى الآن ترفض الجهات الأميركية تعيين الطرف المسئول عن إفشال خطة «خريطة الطريق». وحين لا تحدد واشنطن الطرف المسئول عن إحباط الخطة فمعنى ذلك ان «إسرائيل» هي تلك الجهة وعدم تعيينها بالاسم يدل على مدى انحياز الإدارة الأميركية إلى تلبية مصالح «إسرائيل» وإغفالها حقوق الأطراف الأخرى المفترض ان تكون معنية ومشاركة في أي حل يريد البيت الأبيض فرضه على منطقة «الشرق الأوسط».

مسألة إخفاء الجهة المسئولة عن إفشال الخطط والاقتراحات والقرارات الدولية ليست جديدة. فالكل يعلم وتحديدا الولايات المتحدة ان «إسرائيل» كانت دائما هي الجهة المتمردة والرافضة بينما الإعلام الأميركي كان يتجه دائما إلى تحميل العرب والفصائل الفلسطينية تلك المسئولية لتغطية صورة «إسرائيل» وإبقاء رؤية الناس في دائرة الظل بينما تكون الأضواء مسلطة على مشاهد أخرى للإشارة إلى وجود قوى خفية و«خطيرة» تشكل تهديدا للمصالح الأميركية وأمن «إسرائيل».

تكررت هذه المسائل سابقا ويعاد تكرارها الآن. ففي الوقت الذي يرفض فيه شارون «خطة الطريق» يسكت الإعلام الأميركي عن الأمر ولا يحدد بالاسم الجهة المسئولة عن احتمال فشل الخريطة... بينما تتجه الأضواء إلى مشاهد أخرى في الرياض والدار البيضاء للقول ان هناك شبكة عالمية من الإرهابيين لا أول ولا آخر لها تخطط لعمليات تفجير في مختلف المناطق ومن أقصى المحيط إلى أقصى الخليج لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

هذا الانحياز الإعلامي للسياسة الإسرائيلية ليس بعيدا عن الانحياز السياسي للإعلام الإسرائيلي. فـ «إسرائيل» ترفض والإعلام الأميركي يسكت لتغطية المذنب الحقيقي، والدول العربية والفصائل الفلسطينية توافق والإعلام الأميركي يشير إلى شبكات إرهابية تريد تفجير الوضع الأمني وزعزعة الاستقرار السياسي... تمهيدا للقول ان العالم العربي منطقة متمردة وغير قادرة على التعايش والتكيف مع «العولمة» الجديدة التي تنتشر في مختلف الأمكنة.

حتى الآن الدول العربية لم ترفض خطة «خريطة الطريق» بينما «إسرائيل» رفضتها وطالبت بتعديلها شرطا للقبول بها بينما الإعلام الأميركي المنقاد إلى السياسة الإسرائيلية لا يذكر الملاحظات ولا يحدد بالاسم الأطراف المسئولة عن احتمال الفشل. الإعلام الأميركي لا يذكر في حملاته السياسية سوى تلك الأخبار المثيرة للجدل المرفقة بتصريحات نارية للمسئولين الأميركيين ضد سورية وإيران وأحيانا السعودية.

والسؤال: هل يستطيع الرئيس الأميركي جورج بوش فتح باب الضغوط على «إسرائيل» متسلحا بفوزه العسكري على العراق حين يصل شارون إلى واشنطن؟ الجواب السريع يميل إلى النفي استنادا إلى تجارب سابقة وتحديدا تجربة والد بوش حين انهارت شعبيته بعد حرب الخليج الثانية في العام 1991 بسبب اصطدامه مع «اللوبيات» المؤيدة للدولة العبرية في الكونغرس والإدارة.

الجواب السريع يميل إلى النفي. بينما يرجح أن يميل بوش إلى قبول ملاحظات شارون وموافقة واشنطن على تعديل «خريطة الطريق» لتتوافق مع المزاج الإسرائيلي. وشارون الذي يعرف حدود الضغوط الأميركية والمدى الذي تستطيع الذهاب إليه في وقت يستعد بوش إلى معركة الرئاسة في السنة المقبلة سيعمد إلى الضغط على البيت الأبيض لانتزاع التعديلات وأخذ بعض التنازلات الأميركية ليس فقط على مستوى الساحة الفلسطينية بل في أكثر من مكان في منطقة «الشرق الأوسط». فالضغوط المرجحة لن تكون من بوش على شارون بل من شارون على بوش. وبوش في هذه الفترة بالذات هو في موقع الضعيف والقابل للتراجع والتنازل أمام طلبات شارون ومتطلبات «إسرائيل».

شارون من جهته بدأ يجهز أدوات المجابهة. فهو طرح على حزب العمل تشكيل حكومة ائتلافية لتطويق الخلافات الداخلية وإغلاقها على مشروع واحد هو برنامج الليكود. كذلك استقبل الوفد الفلسطيني برئاسة محمود عباس (أبو مازن) في اجتماع مغلق غاب عنه الجانب الذي يمثل ياسر عرفات تمهيدا للإشارة إلى بوش بأن التنسيق جارٍ من دون عقبات مع الفلسطينيين شرط إبقاء عرفات خارج الصورة. وبسبب تغييب عرفات استقال صائب عريقات من الوزارة احتجاجا على موافقة محمود عباس على الدخول في لعبة شارون وألاعيبه التي تهدف إلى شق الصف الفلسطيني وتجاوز الضغوط التي يفترض ان بوش قد يمارسها عليه للموافقة على «خريطة الطريق» حين يلتقي معه في واشنطن.

نحن إذن أمام خريطة دائرية لطريق حل يبدأ من نقطة ويعود إليها بعد دوران حول القضية الأساس وهي انسحاب «إسرائيل» من الأراضي المحتلة كما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

ليس هناك «خريطة طريق» بل «خريطة دائرية» تبدأ في واشنطن وتنتهي في واشنطن. وشارون الذاهب قريبا إلى العاصمة الأميركية لا يهدف من اجتماعه مع بوش إلى وضع ترتيبات ميدانية لتنفيذ خطة الخريطة بل إلى وضع اللمسات الأخيرة لإنهاء الخريطة الدائرية للطريق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 254 - السبت 17 مايو 2003م الموافق 15 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً