العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ

واشنطن... دمشق... ومر الواقع الجديد في الشرق الأوسط

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

عمر القصة الخيالية من عمر حكومة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش: فارس ملون اسمه كولين باول يحارب بسيفه تنينا شرسا متعدد الرؤوس، رأس دونالد رامسفيلد ورأس ديك تشيني ورأس بول وولفوفيتز ورأس كونداليزا رايس. لا يستطيع باول القضاء على هذا التنين المتوحش لكنه ينجح أحيانا في إصابته بجرح. الجرح الأخير كان نجاح باول بتعيين بول بريمر مسئولا على إدارة شئون العراق بدلا من الجنرال السابق جاي غارنر. في العالم العربي وفي أوروبا ينظر السياسيون إلى باول على أنه حمامة بين صقور واشنطن.

عندما زار وزير الخارجية الأميركي منطقة الشرق الأوسط، في أول زيارة له منذ نهاية حرب العراق، إذ أجرى مباحثات في سورية ولبنان، وخلال الزيارة جرت مناقشات صاخبة حولها خصوصا في واشنطن. قلل الصقور من أهمية المباحثات التي أجراها باول مع الرئيس السوري بشار الأسد، فيما تسرع أعضاء في الوفد المرافق له بنقل معلومات خطأ. فقد نشرت الصحف الأميركية قبل مغادرته دمشق أن سورية قررت إغلاق مكاتب حماس وحزب الله والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكانت هذه محاولة من أعوان باول الإيحاء بأن مهمة وزير الخارجية الأميركي حققت النجاح المطلوب والذي يرضي «إسرائيل»، المنتفعة من حرب العراق وعملية بناء نظام جديد في منطقة الشرق الأوسط، لا مكان فيه لخصوم الولايات المتحدة والدولة العبرية. لكن حين عاد باول إلى واشنطن سارع إلى تصحيح ما نشر على لسانه وقال إن المسئولين في سورية وعدوه باتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه. وتمت هذه الزيارة بعد أن قامت واشنطن بخطوة تكشف عن أنها تريد استخدام الضغط على سورية كي تتمشى مع نهجها وتصوراتها لنظام جديد في الشرق الأوسط. فحين كان الأميركيون يتهمون دمشق بتهريب كميات من النفط بمعدل 200 ألف برميل يوميا، كانت أول خطوة قام بها الغزاة الأميركيون عند احتلال منابع النفط في العراق التي حرصوا على عدم تعرضها لقنابل طائراتهم الحربية، إغلاق الأنبوب الذي كان يمد سورية بالنفط العراقي.

قائمة اتهامات واشنطن لسورية طويلة تعود إلى دعم الفصائل الفلسطينية المناهضة لعملية السلام وحزب الله وحديثا وبعد غزو العراق والإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، اتهمت واشنطن السوريين بإخفاء أسلحة الدمار الشامل العراقية وإيواء مسئولين عراقيين وعائلاتهم. وكانت هذه الاتهامات مدعاة كي يشن صقور واشنطن حملة شعواء على سورية وتهديدها باستخدام القوة العسكرية، كما راح الصقور يستخدمون الأسلوب نفسه الذي استخدموه في نزاعهم مع العراق في تصعيد الحرب الكلامية وقالوا إن سورية تملك أسلحة للدمار الشامل. غير أن اللغة القاسية لانت في وقت لاحق ونفى الرئيس بوش عزم بلاده توسيع حرب العراق لتشمل سورية أيضا، ثم جاءت زيارة باول للمنطقة تأكيدا لما وصف بالنوايا الحسنة ولكن هل جاء خالي الوفاض كما يخيل للبعض؟

بالتأكيد لا، فقد جاء باول مسلحا بتهديدات وقبل أن يشهر سيفه بوجه الرئيس الأسد، ووفقا لما نقل عن مصادر حضرت الاجتماع في دمشق، قدم وزير الخارجية الأميركي شرحا للتغييرات التي حصلت في المنطقة نتيجة سقوط العراق بأيدي الغزاة الأميركيين وعكس رد فعل هذه الحوادث على مصير سورية، البلد العربي الوحيد الذي يناهض علنا سياسة واشنطن في المنطقة. ضمن ما تحدث عنها باول أن سورية اليوم أصبحت مطوقة بدول حليفة للقوة العظمى الوحيدة في العالم. تركيا في الشمال، عراق جديد في الشرق، الأردن في الجنوب، ثم «إسرائيل» في الجنوب الغربي. عدا أنه في هذه الدول هناك قواعد عسكرية أميركية أو ستنشأ قواعد تابعة للولايات المتحدة أو أن هذه الدول الحليفة توفر العون العسكري اللازم للأميركيين إذا اضطروا يوما لاستخدام القوة العسكرية ضد سورية. لم يكشف باول سرا حين قال إن دور سورية اليوم لم يعد يتعدى الإطار الإقليمي وقيامها بدور القوة الحامية في لبنان. دعا وزير الخارجية الأميركي محدثيه السوريين إلى قبول الأمر الواقع وإلا فإن بلاده لن تتردد في فرض عقوبات عليها إذ يجري داخل مجلس الشيوخ الأميركي الإعداد لمشروع قرار بالخصوص يهدد بفرض عقوبات أميركية على دمشق إذا واصلت سورية دعم الإرهاب على حد تعبير الأميركيين. ومن المرجح أن يجد مثل هذا القرار قبولا عند غالبية أعضاء مجلس الشيوخ لأن وزارة الخارجية الأميركية تتهم سورية كل عام بدعم الإرهاب حين تعلن قائمة بأسماء الدول التي تدعم الإرهاب في الوقت نفسه وعلى عكس موقفها مع إيران، أحد أطراف محور الدول المارقة بنظر إدارة بوش، تجري اتصالات سياسية بين دمشق وواشنطن ضمن علاقة يصفها الرئيس الأسد بأنها قائمة على قاعدة من التناقضات. يعتقد باول وفريق الحمائم في وزارة الخارجية الأميركية أن الرئيس الأسد الذي تولى السلطة في يونيو/حزيران العام 2000 ليس إيديولوجيا إسلاميا بل يحبذ الحداثة وكان قبل ذلك قد تلقى تعاليمه في بريطانيا كما تزوج من فتاة ترعرعت في بريطانيا أيضا، يريد في قرارة نفسه أن تحصل تغييرات في بلده وأنه يحتاج الى بعض الوقت وسيجد في نهاية المطاف، مثلما وجد قبله عبدالله الثاني ملك الأردن، أنه بات لا مفر من أن يصبح حليفا جديدا للولايات المتحدة في المنطقة.

بعد أفغانستان والعراق، إذ قامت الولايات المتحدة بتغيير النظام السياسي في هذين البلدين باستخدام القوة العسكرية وبمعزل عن المجتمع الدولي، قد تكون سورية أول حالة يجري فيها تصحيح المسار السياسي للنظام وفقا لرغبة القوة العظمى، من دون استخدام القوة العسكرية. من شأن هذه الخطوة أن تقوي ما يعرف باسم مبدأ بوش الذي يدعو إلى استخدام القوة العسكرية في الصراع العالمي لمكافحة الإرهاب والدول التي تسانده كحل أخير وليس الأول. كما سيقوى نفوذ باول المعروف بلقب (القوة اللينة) على رغم أن الأميركيين يرون أن غريمه رامسفيلد قدم البرهان مرتين على أن (القوة الخشنة) توفر النجاح ولكن ثمن ذلك تتضح حقيقته لاحقا، فالسلام لم يتحقق في أفغانستان، والعراق يعيش حالة من الفوضى وينتظره مستقبل مجهول المعالم

العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً