العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ

صعود نجم رامسفيلد في الحرب الوقائية أنصار باول يشتكون من «اغتصاب» البنتاغون صلاحيات وزارة الخارجية الأميركية

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

يشعر الكثير من نخبة الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الأميركية بالحنق بشأن ما يعتبرونه اختطافا لصنع السياسة الخارجية للولايات المتحدة من جانب وزارة الدفاع (البنتاغون) وجهودا لتقويض مكانة وزير الخارجية كولن باول.

ونقلت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عن أحد مخضرمي وزارة الخارجية قوله: «إنني أستيقظ في الصباح وأحدث نفسي بأن هناك انقلابا عسكريا، وعندها أرى أن ذلك هو المعقول». وأضاف أن العامين الأولين من حكومة بوش شهدا «تحولا بنيويا» في سلطة صنع القرار في السياسة الخارجية من وزارة الخارجية الى وزارة الدفاع (البنتاغون). وهو تحول جعل البنتاغون تصبح القوة المهيمنة على قضايا رئيسية مثل العراق وكوريا الشمالية وافغانستان. وقال هذا المسئول الغاضب، الذي رفض الكشف عن هويته: لماذا لا ترتفع الدهشة في كل أنحاء الولايات المتحدة عندما تحدث وزير الدفاع عن سورية. وأضاف «هل باستطاعتكم أن تتصوروا وزير الدفاع بعد الحرب العالمية الثانية يبلغ العالم بكيفية عزمه على إدارة أوروبا؟ فوزير الخارجية (الأميركي) آنذاك جورج مارشال هو الذي ألقى ذلك الخطاب المتعلق بالتطورات المستقبلية في العام 1947.

ولكن المسئولين الرئيسيين من المحافظين الجدد وداخل البنتاغون يقولون ان مثل هذه التعليقات تظهر فشل وزارة الخارجية الأميركية في القدرة على مدى التحول العميق الذي طرأ على السياسات العالمية ومصالح السياسة الخارجية الأميركية وخصوصا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ايلول 2001.

وتدعو استراتيجية الأمن القومي للرئيس بوش الى انتهاج سياسة خارجية هجومية وقوية، لمنع الارهابيين والدول المارقة من حيازة اسلحة الدمار الشامل ولمجابهة مثل هذه التهديدات بالقوة العسكرية إذا دعت الضرورة قبل أن يصلوا إلى الشواطئ الأميركية. وقال مسئول كبير في البنتاغون «إن أي شخص يعتقد أن باستطاعتك أن تفصل بصورة مريحة السياسة الخارجية والدبلوماسية عن الأمن القومي وخوض الحروب إنما يعتبر بعيدا عن حقائق الشئون العالمية وسياسات القوة والحروب الحديثة».

ويجادل المحافظون الجدد أن البنتاغون في حال صعود لأنها تجسد وجهة نظر الرئيس بوش تجاه العالم. وقالوا إن وزارة الخارجية لم تنجح في مهمتها الرئيسية في توضيح سياسات الولايات المتحدة. وأكد مسئول كبير في البنتاغون إنهم يتعاونون مع وزارة الخارجية ولكن الانتصارات العسكرية السريعة في أفغانستان والعراق رفعت من مكانتها. وقال المسئول نفسه: «عندما يكون هناك سجل بالنجاح، فإن ذلك يعني عبئا ثقيلا ثقيلا من العمل».

وعلى رغم أن باول ورامسفيلد يظهران في العلن بمظهر من بينهما علاقات ودية، وإن كان يجري الجدل بقوة بشأن خلافاتهما في المجالس الخاصة على مستوى العمل اليومي فإن البيروقراطيين من ذوي المراكز المتوسطة في الخارجية الأميركية يشعرون بالحذر الشديد من الحمى الأيديولوجية لقيادة البنتاغون المدنية وكيف أنهم يتركون وزارة الخارجية في مبعد عن أي قرارات مهمة ويبعدون جانبا الديلوماسيين في عمل الأمور أو يتجاهلون المهمات التي لا يريدون إنجازها. مشيرين في هذا المجال على سبيل المثال الى تعيين لويس بول بريمر ليكون الحاكم المدني للعراق المحتل، ولكن بالنسبة الى الصراع الأيديولوجي الكبير لا يوجد في الأفق ما يشير إلى حل وسط.

فمسئولو وزارة الخارجية الأميركية يشعرون بقلق عميق بشأن ما يصفونه بتعنت بالبيت الأبيض أو موقف اللامبالاة الذي يتخذه تجاه الرأي العام العالمي والذين يخشون أن يكون قد تم تصفيته في أقل من عامين عقودا من الجهود الدبلوماسية لبناء مواقف نوايا طيبة تجاه الولايات المتحدة. مشيرين في هذا المجال إلى التعديل الذي طرأ على موقف إيران التي شملها بوش في «محور الشر» إذ خلال العدوان الأميركي على أفغانستان اقنع الدبلوماسيون الأميركيون طهران بعدم اعتراض طائرات عسكرية نفاثة تحلق في الأجواء الإيرانية، ما اعتبر نجاحا مفاجئا للسياسة الخارجية الأميركية، ولكن خلال ساعات فقط من خطاب بوش عن حال الاتحاد في يناير/كانون الثاني من العام الماضي الذي ربط فيه بين إيران وكوريا الشمالية والعراق فيما أسماه «محور الشر» ألغت طهران حقوق تحليق الطائرات الأميركية. وقال دبلوماسي مخضرم كبير «لقد احتاج الأمر إلى وقت قصير جدا لإغضاب الكثير من الدول». فيما قال مسئول آخر «إن حسن النية عنصر في الأمن القومي، بل ربما يكون أعمق العناصر للأمن القومي».

وقد انفجر الصراع بين صقور حكومة بوش داخل البنتاغون وخارجه مع وزارة الخارجية علنا في الشهر الماضي عندما اتهم الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي وعضو مجلس سياسة الدفاع التابع لمكتب رامسفيلد نيويت غينغريش، بأن وزارة الخارجية «غير فعالة وغير متماسكة وفاشلة» بما يقارب الخيانة في دعم مصالح الولايات المتحدة عشية العدوان على العراق. مصورا النزاعات حول السياسة الخارجية الأميركية بأنها تضارب في وجهات النظر الدولية بين رئيس يركز على «الحقائق والقيم والنتائج» وبين وزارة خارجية تركز على التأدب والتوافق بدلا من الاستفادة من قوة الدفع الدبلوماسية التي أوجدها العدوان واحتلال العراق.

وعلى رغم محاولة رامسفيلد النأي بنفسه عن تعليقات غينغريش بقوله إنه كان يتحدث فقط عن نفسه، فإن مساعدي باول اعتبروا تعليقات غينغريش وغيره من المحافظين الجدد «محاولة لقطع عنق» باول الذي رد في شهادة له أمام مجلس الشيوخ بالقول إن من المفترض أن يعمل الدبلوماسيون على صوغ أحلاف وإيجاد حلول دبلوماسية «وهذا ما نفعله ونقوم به على أحسن ما يرام ولن أعتذر لأي كان». واشار مسئول في وزارة الخارجية الأميركية إلى أن الفشل الضخم للدبلوماسية الذي أعلنه غينغريش سببه الرئيس بوش ورامسفيلد.

ويشير الكثيرون في واشنطن إلى أن رفض رامسفيلد للمعارضة الدولية للعدوان على العراق بوصفه ضعفا سياسيا لـ «أوروبا القديمة» وغيرها من التعليقات خربت جهود باول قبل العدوان للحصول على قرار ثان من الأمم المتحدة يخول استخدام القوة العسكرية ضد العراق.

وفي مواجهة مواقف القيادة المدنية «المتطرفة» للبنتاغون قال دبلوماسي أميركي إن الخلاف الأيديولوجي الحالي لا علاقة له بالدفاع عن مصالح الولايات المتحدة ولكن له كل العلاقة مع محاولة كبح وزارة دفاع تندفع كالمجنون، إن هناك هيمنة كبيرة جدا لهذه المؤسسة التي يعتبر دورها الوحيد في النهاية قتل الناس ونسف الأشياء وهم يقومون بذلك جيدا».

ويقول العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي جوزيف بايدن عن رامسفيلد ومساعديه «لقد خرجتم بمكاسب قصيرة المدى ولكن ليست هذه هي الطريقة للتعامل مع العالم».

ويقول معلقون ان رامسفيلد جاء ليجسد موقف البيت الأبيض باستخدام الهجوم كدفاع. وهو دور أعدته له حياته، إذ عمل في فترة شبابه مصارعا ماكرا من الوزن الخفيف ثم طيارا في البحرية الأميركية. وقد سبق أن كتب قبل سنوات عن رأيه في الشئون الخارجية، قوانينه للحياة والتي اشتملت على قوله إن «الضعف استفزازي» ويبدو أن هذا لايزال قانونه.

وفي الوقت الذي عزز فيه العدوان واحتلال العراق رابطة رامسفيلد مع بوش إذ يقول مساعدوهما ان رامسفيلد كان يقدم تقريرين الى الرئيس بوش عن الحرب يوميا كما أن البنتاغون هي التي تشرف على عراق ما بعد الحرب، فإن البعض في واشنطن يتساءلون عما إذا كان باول مخلصا لبوش وعليه أن ينظر في استقالته من سلطاته التي يجرى اغتصابها بموافقة رئاسية من جانب صقور البنتاغون الذين يحرضون على جناحه الأيمن. لكن هؤلاء يشيرون إلى أن مثل هذه الاستقالة عن المبدأ لا تفعل في الغالب شيئا لتغيير النظام السياسي. ونقلت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عن مقربين لباول انه أبلغهم أنه ليس بحاجة إلى الوظيفة ولكن بوش يعرف أنه مخلص وسينفذ قرارات الرئيس. ويقول مسئولون أميركيون كبار أنه على رغم أن بوش محافظ أكثر من باول فانه وقف في مناسبات مختلفة مع الجنرال السابق بشأن قضايا رئيسية

العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً