لقد صُدم الشارع البحريني لموقف رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني عندما أورد شرطين لتشكيل لجنة التحقيق في التجنيس. واقعا الشرطان مجحفان بحق هذا الملف إذ هما بمثابة المشيمة التي التفت على اللجنة وهي بداية التشكل. فلنا أن نقول فيها: إنها ولدت ميتة، فلا داعي إلى إلقاء الورد والزهور والرياحين عليها، لأن الشرطين مجحفان ويثيران الضحك على هذه الشفافية، وإلا فما معنى أن يُشترط على اللجنة أن يكون اختصاصها مقتصرا على قرارات الحكومة المتعلقة بالتجنيس والتي صدرت بعد تاريخ انعقاد المجلسين في أول فصل تشريعي... لماذا هذا القيد؟ إنه قيد يثير الشك والريبة، بل ويعزز ذلك التوجس الذي تعيشه كل القوى السياسية، وإلا لماذا يفرض على اللجنة عدم التحقيق في التجنيس الذي تم ما قبل انعقاد المجلس؟ فهل هنالك ثمة خوف من كشف حقائق؟
أساس الأزمة «اليقين» بالتجنيس وليس «الشك» فيما بعد الانعقاد، ولكن المصيبة الكبرى ومربط الفرس فيما قبل انعقاد المجلس!! هذا أولا. وثانيا إذا كانت الإدارة العامة لشئون الجنسية والجوازات تعيش اطمئنانا تاما بسلامة وقانونية التجنيس، وما قامت به طيلة هذه السنين، وانه لا يوجد مجنسون وبالآلاف نفذوا من النافذة أو تحت الطاولة، فلماذا لا تفتح الملفات لما قبل الانعقاد؟. ولماذا هذا القيد بالذات؟ إذا دعونا نقولها وبكل شفافية من دون أن نضمرها في القلوب: إن هناك توجسا من فتح هذا الملف، بل إن هذا القيد هو بمثابة المخرز الذي قام بفقء عين الطفل الوليد (اللجنة).
أما القيد الثاني الذي ساقه الرئيس وهو أن يقتصر عمل اللجنة على القرارات والأعمال الصادرة عن الحكومة فقط، دون القرارات المتعلقة بالتجنيس والصادرة بأوامر ملكية، فهو قيد مخرزي آخر فقأ العين الأخرى للجنة.
أنا أعتقد أن هذين القيدين ـ ولا أظن أنه يختلف على ذلك اثنان ـ كرّسا أزمة الثقة، بل ضاعفا من اليقينيات الشعبية بأن هذا الملف (التجنيس) يحمل مفاجآت خطيرة، لو انكشفت فإنها ستدمي كل العيون.
لقد أصيب بعض النواب بخيبة أمل، وهكذا هو العزف لتكون نهاية كل مشروع يراد تحقيقه بشفافية من قانون النقابات إلى قانون الصحافة إلى مشروع ملاحقة الفساد الإداري والمالي إلى كل اللجان ينطبق عليها مثل المصريين الشهير: «تِيْ تِيْ، زَيْ ما رُحتي جيتي»... هذان الشرطان سلبا الروح من اللجنة الوليدة، فما عادت تغير من المعادلة شيئا، بل سيأتي مردودها سلبيا؛ لأنه سيخرج علينا كل صباح مسئول في الإدارة ليقول: لقد حصحص الحق وبانت حقيقة الأمر، و«قد أضاء الصبح لذي عينين». ولكن كل ذلك لا ينفع، لأننا نشترط أن تكون اللجنة بلا قيود، فالقيود سجنت اللجنة وأفرغتها من قوتها، وأعتقد أن القول: «إن الإدارة العامة ستبذل قصارى جهدها في التعاون مع لجنة التحقيق البرلمانية، وانه سيكون للجنة دور مهم في حسم ما يثار من أسئلة من قبل الشارع العام والمهتمين بموضوع التجنيس، وان الإدارة ستعتمد مبدأ الشفافية في تعاملها مع كل ما يطلب منها من معلومات، وستثبت تعاونا غير مسبوق مع اللجنة، وستوفر لهم جميع احتياجاتهم المعلوماتية» كما جاء في التصريح على لسان وكيل الوزارة الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة لن يغير من المعادلة شيئا، لأن القيدين أخفيا كل جسد التجنيس ولن يسمحا إلا بمشاهدة جزء ضئيل من الجسد...
إن ما نقوله ليس حبا في المعارضة للمعارضة، وإنما هذا حديث الناس وحديث المثقفين في الساحة، بل وفي أكثر المناطق تضررا من التجنيس في الرفاعين والمحرق وغيرهما، بل وحتى في بعض الوزارات الحساسة.
الكل يطمح إلى لجنة تحقيق، ولكن شريطة ألا تكون مقيدة وألا يلتف عليها وألا توضع أمامها عراقيل وحجارة وشباك وقيود أيضا... الكثير قال، وهذا قول الشارع العام: لقد عرفنا النتيجة مسبقا منذ أن رأينا القيدين، فالنتيجة معلومة وعلى الطريقة الشرقية 101 في المئة، وليس 100 في المئة، إذا اللجنة لن تغير شيئا إلا إذا أزيلت القيود
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ