العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ

حرب النقد عشية قمة إييان

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

في الوقت الذي يتطلع فيه العالم نحو قمة رؤساء الدول الثماني التي ستبدأ نهاية الأسبوع الجاري في منتجع «إييان» الفرنسي لإيجاد الحلول الملائمة لإخراج الاقتصاد العالمي من تباطؤ نموه الحالي، ومنع الانزلاق كليا في دوامة الانكماش، ضربت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) رقما قياسيا جديدا تجاوز عتبة يوم الرابع من يونيو/ حزيران 1999، يوم رؤيته رسميا للنور. فقد وصل سعر صرفه مقابل الدولار 1,189. ما اعتبرته الأوساط المالية العالمية بمثابة نتيجة للحرب التي تشنها واشنطن باسم النمو بمواجهة كل من أوروبا واليابان. في ظل هذا الوضع المعقد تجد أوروبا نفسها دخلت في دوامة التعاون المفروض عليها لتجنب العودة إلى دائرة الحمائية الأميركية. فإذا كان المصرف المركزي الأوروبي يلعب بمهارة لعبة اختبار القوة حتى الآن من خلال خفض «هجومي» مرسوم ومحسوب لمعدلات الفائدة، فإن ذلك يمكن أن يساعد أوروبا على الاستفادة مستقبلا من انخفاض الدولار، وعودة الانطلاقة المتوقعة للاقتصاد الأميركي. كل ذلك بشرط ألا يتحول التصحيح المنشود للأوضاع النقدية إلى اختلالات يصعب بعدها العودة إلى أي توازن.

«يورو قوي أم دولار ضعيف؟» ليس هذا هو المهم الآن بنظر الخبراء. فالعملة الموحدة من قبل اثنتي عشرة دولة أوروبية من أصل خمس عشرة ترتفع، لأنه في ظل اقتصاد عالمي متأزم، يحاول شركاء القارة «العجوز» إضعاف عملاتهم بكل الوسائل، لأنه من نتائج هذا التوجه المجنون بالمغامرة، والمبني على قاعدة جني الأرباح من الصادرات وبسرعة قبل أن تتغير المعطيات، أن أدخل الاقتصاد العالمي في صلب حرب نقدية من نوع جديد، لا يمكن أن تفضي في الأشهر المقبلة سوى إلى نشوء مهزومين، ليس بينهم رابح واحد. ولم يعد سرا على أحد أن الولايات المتحدة تستخدم منذ أكثر من عام من دون أية تنازلات في المقابل، سلاح النقد في مواجهة شركائها الدول الغنية الصناعية الكبرى السبع، من دون روسيا طبعا. فبعد أن استنفذت واشنطن القسم الأكبر من احتياطها النقدي المتعارف على استخدامه تقليديا، كذلك مخصصات الموازنة، لم يعد أمامها سوى اللعب على معدلات الفائدة لتحقيق التصحيح المطلوب للعجز المقدر بـ 5 في المئة من ناتج الدخل القومي، ما يعتبره هؤلاء كافيا لخنق النمو.

وتخشى الأوساط الاقتصادية والمالية من الارتفاع المستمر لليورو على النحو الجاري، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبا وبشدة على موازين التجارة الخارجية، مع أنه في المقابل يحمل الدولار الضعيف في طياته بذور تنشيط الاستهلاك عبر تحسين القوة الشرائية، وخصوصا فيما يتعلق بأسعار المواد الأولية المحررة بالدولار، مثل: المحروقات والبن وغيرها. لكن إذا عمد المصرف المركزي الأوروبي لاتخاذ القرار كما هو متوقع بخفض معدلات الفائدة على اليورو بنحو 2,5 في المئة اعتبارا من الخامس من يونيو المقبل، فإن ارتفاع العملة الموحدة، يعتبر بمثابة كارثة على النمو، ستتحول بسرعة إلى بالون أكسجين للاقتصاد العالمي، هذا ما يراهن عليه الجميع عبر قمة «إييان».

يبقى السؤال: هل سيتجاوب الأميركيون مع التمنيات بوقف الحرب النقدية وتهدئة اللعبة الدائرة إنقاذا لنمو الاقتصاد العالمي، والحد من الانزلاق في حال الانكماش التي دخلتها حتى الآن عدة دول أوروبية وتقف أميركا على أبوابها؟ أم سيخضع هؤلاء لضغط المجموعات الصناعية النافذة التي تستسيغ ـ على ما يبدو ـ بقاء الدولار في مستوياته المتدنية حاليا، بهدف تعزيز صادراتها وخصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن النتائج التي حققتها الشركات الأميركية من وراء صادراتها لأوروبا قفزت بنسبة 22 في المئة منذ بداية الحرب النقدية؟

إذا كان من الصعب الرد على هذه التساؤلات قبل يومين من انعقاد قمة «إييان»، فإن المعلومات المستقاة من بعض وزراء المال للدول الثماني الذين اجتمعوا منذ أكثر من أسبوع في مدينة «دويل» الفرنسية لوضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال القمة الرئاسية، تعمدوا الإيحاء في الكواليس بأنه «لم يعد من الممكن إبقاء وضع الاقتصاد العالمي على ما هو عليه من التأزم، بغض النظر عن الفوائد والمصالح التي تم جنيها حتى الآن، لأن المخاطر بدأت تتجاوز كل الحسنات الأخرى»

العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً