العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ

أميركا الإرهاب... ونحن!

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

من المستحيل ان تقضي اميركا على الارهاب بنسبة مئة في المئة. لكنه، اي الارهاب سيبقى حتى ظهور دول عظمى منافسة، الحافز والمحرّك الاساسي للسياسة الخارجية الاميركية. وسيبقى، السبب الرئيسي لصرف الاموال الطائلة على الآلة العسكريّة. فقد اصبح معروفا، ان اميركا تصرف مليار دولار يوميا على هذه الآلة، هذا عدا عن الزوائد من هنا وهناك. يجب ان تعي اميركا ان عليها التعايش مع هذا الارهاب. وفي الوقت نفسه الذي تعلن فيه حربها العالمية عليه، تريد اميركا ان يبقى العالم منفتحا على بعضه البعض. وتريد ان يكون الاقتصاد مزدهرا، والعمل يجري كالعادة Business as Usual وهنا تكمن المعضلة الكبيرة. فالحروب الكبرى، تتطلب عادة وضع كل الجهود لدعمها، وتجنّد الامة بكاملها للمجهود الحربي. هكذا كانت اميركا خلال الحرب الثانية، وهكذا يقول المنطق.

لماذا القلق الأميركي

من الإرهاب؟

أصبح لدى اميركا نموذجا عن الضرر والذي من الممكن ان يتسبب به هذا الارهاب. فحادثة 11 سبتمبر/ايلول لاتزال ماثلة في الوعي الاميركي، وهي ستبقى في الذاكرة الجماعيّة الاميركيّة من دون شك. وقد اصبح هذا الارهاب المحور الاساسي الذي تدور عليه السياسة الاميركية الكبرى، الداخلية منها كما الخارجية. ففي الداخل، اصبحنا نرى الامبراطور بوش، بدل الرئيس بوش. فلا نجد مثلا منافسا فذا يقف في وجهه، إلاّ ويتهم بانه خائن. فالقضية قضية وجود الامبراطورية الاميركية، وفي قضايا الوجود ترخص عادة الاثمان، ولا وقت لتعكير صفو ذهن الامبراطور. فهو منهمك في كيفية درء الخطر عن النسر الجريح، والذي كاد ان يهوي من السماء. يحتار حاليا الديمقراطيون في اميركا في كيفية اختيار شعار حملتهم الرئاسية المقبلة. فالرئيس بوش كان قد احتكر كل الشعارات. فإن هم تحدثوا عن الامن الاميركي، يكونوا كمن يقلد الرئيس بوش، ليخسروا لاحقا. وإن هم انتقدوا المشروع الاقتصادي في هذا الوقت الحرج، يكونوا كمن يضع العصي في الدواليب، ليتهموا بالخيانة العظمى.

انطلاقا من هذا الوضع، لم يبق امامهم سوى انتقاد الرئيس بوش في انه لم يكن قاسيا وعدائيا كفاية في معالجته، أو في حربه على الارهاب. لذلك قد نرى «عقيدة» ديمقراطيّة تتعلق بالحرب على الارهاب، اكثر حدّة من عقيدة بوش. وهنا تكمن المأساة، لان اية عقيدة تكون اكثر عدائية من عقيدة بوش، قد تعني المزيد والكثير من العنف على المسرح العالمي، ليزداد القلق وتعم الفوضى اكثر فاكثر.

ما هو الهم الأساسي

الحالي للرئيس بوش؟

ألا يقع حادث على الأرض الاميركية، مماثل لحادث 11 سبتمبر. لا بل منع وقوع ايّ حادث قد ينسب للقاعدة او غيرها. لان هذا الامر قد يعني الانتحار السياسي للرئيس بوش على الصعيد الشخصي، ولحزبه على الصعيد العام. قد يعني هذا الامر، ضربة قوية للامبراطورية يكون لها التأثير السلبي على الصعيد العالمي. كما قد يعني هذا الامر، تفكيك المجتمع الاميركي من الداخل. قد تؤسّس ضربة ارهابية ثانية لاميركا، قيام عالم جديد لا تكون اميركا فيه مهيمنة. واخيرا وليس آخرا، قد ينحسر الامتداد و(الانفلاش) الاميركي ليصبح في الداخل الاميركي فقط، فتعود اميركا إلى العزلة كما اوصى بها الرئيس جورج واشنطن. انطلاقا من هذا التحليل، يمكننا تفسير القلق الاميركي بعد حوادث التفجير الاخيرة في كل من الرياض والدار البيضاء.

فالتفجيران في حد ذاتهما ليسا بالاهمية الكبرى. فالتأثير كان محدودا على الصعيد المادي. والاهداف لم تكن اهدفا اميركية صرفة وحيوية على الصعيد الاستراتيجي. والتفجيرات قد تكون عرضا للقوة من قبل «القاعدة» او غيرها، لتثبت فقط انها لا تزال موجودة. لكن هذا التفسير قد لا يكون كافيا لاميركا. فهي يجب ان تأخذ اي تهديد، او خبر عن أي عمل ارهابي محتمل على محمل الجد، انطلاقا من السيناريو الأسوأ. فهي كانت قد أهملت قبل 11 سبتمبر تحذيرات كثيرة ومهمة أثبتت صدقيتها بعد وقوع الكارثة (مذكرة فينكس من عميل الإف. بي. آي). من هنا كان القرار الاميركي في رفع مستوى الانذار الداخلي إلى برتقالي.

أين العراق من كل هذا؟

بالاضافة إلى اهمية العراق الاستراتيجية على الصعيد النفطي، يشكل العراق مركز ثقل الاستراتيجية الاميركية المقبلة. فالموقع العراقي جغرافيا، موقع حيوي مهم. تبدو السعودية منه على مرمى حجر، كذلك الامر لإيران. اما سورية فهي تبدو أقرب إلى التعامل العقلاني البراغماتي مع الولايات المتحدة منه إلى المواجهة المكلفة. ويبدو ايضا ان التقارب الاميركي - السوري، سيترك ايران منفردة في مواجهة اميركا. وإلا فما معنى المفاوضات الايرانية - الاميركية والتي تجري حاليا في جنيف؟ وتبدو التفجيرات الاخيرة في السعودية، وكأنها تثبت ما قلناه عن أهمية العراق. فلو حدثت التفجيرات في الرياض، واميركا خارج العراق، فماذا سيكون عليه الوضع؟ بالتأكيد مختلف، وليس لصالح اميركا ايضا. إذن يشكل العراق مركز المراقبة المتقدم للعين والاذن الاميركيتين. منه يمكن معرفة ما يدور في كل من ايران والمملكة العربية السعودية. من هنا كان الربط الاميركي للتفجيرات في الرياض بمخططين من القاعدة موجودين داخل الاراضي الايرانية (كانت ايران قد نفت هذا الخبر).

ماذا عن أسلحة الدمار

الشامل العراقيّة؟

يبدو ان الحديث عن اسلحة الدمار الشامل العراقيّة قد أصبح من الماضي. فقلما نسمع من يتحدّث عنها، وخصوصا انها كانت السبب الرئيسي للحرب على العراق. حتى ان الرأي العام الاميركي، لم يعد مهتما بتقديم الدليل له في هذا المجال. فهو يؤيّد الرئيس بوش لان ثقته عالية في اداء هذا الرئيس. فالحرب كانت سريعة، نظيفة وساهمت في تثبيت الزعامة الاميركية. ومن يأبه لاسلحة الدمار الشامل؟ على كلّ، لا يمكن لنا ان نهمل في تحليلنا خطر الارهاب على اميركا، موضوع اسلحة الدمار الشامل والموضوع العراقي. فالحرب قد تكون خيضت لاهداف عدة، وعلى رأسها موضوع اسلحة الدمار الشامل. فقد أصبحت هذه الاسلحة اينما وجدت، تشكل هاجسا كبيرا للادارة الاميركية. ويقال، او قد اصبح معروفا ان اميركا خاضت الحرب على العراق، تحت شعار احتمال وجود اسلحة دمار شامل. وإلا فما معنى عدم العثور على اي اثر حتى الآن لها في العراق؟ وما معنى محاضرة كولن باول في الامم المتحدة عن وجود الاطنان من هذه الاسلحة، ولم يُعثر على غرام واحد منها حتى الآن؟ إذن الهاجس الاميركي بخصوص اسلحة الدمار الشامل، هاجس كبير وكبير جدا. وهي ستستمر في السعي للسيطرة على اماكن وجوده. وإلا فما معنى التركيز على ايران وكوريا الشمالية؟

في 2 فبراير/ شباط 2002 وفي مؤتمر عن الأمن العالمي والذي عُقد في مدينة ميونيخ الالمانية، قال ريتشارد بيرل: «إن اميركا مستعدة حاليا اكثر من اي قت مضى، ان تتفرّد في تصرفاتها إذا دعت الحاجة الى الحفاظ على أمنها ضد الارهاب». وفّت اميركا بوعدها وذهبت إلى الحرب على العراق منفردة، ومعاكسة قرارات الشرعية الدوليّة. قامت قيامة أوروبا القديمة ضد هذا التصرّف، وأعلنت ممانعتها للتفرّد الاميركي. انتهت اميركا سريعا من الحرب، وبدت اميركا كمن يضرب الماء. وبدل من ان تكوّن اوروبا الاحلاف ضد اميركا، راحت لتصوت مع قرار رفع العقوبات عن العراق في مجلس الأمن رقم 1483. في هذا القرار اعترفت اوروبا بشرعية الاحتلال الاميركي للعراق. على رغم ان هذا الاحتلال كان قد حصل من خارج إطار الشرعيّة الدوليّة. وأعطت اوروبا من خلال تصويتها وموافقتها على المشروع الاميركي، عنوانا بريديا جديدا لمن يرغب في التعامل مع القضية العراقيّة، ألا وهو البيت الابيض وبالتحديد جورج بوش. وعندما سئل السفير الالماني في مجلس الأمن عن التصويت، قال: «الحرب التي لم نكن نريدها، حصلت فعلا وأصبحت واقعا. ولا يمكننا إعادة التاريخ إلى الوراء. وعلينا الآن اتخاذ القرارات المناسبة والمفيدة للشعب العراقي».

إذن ممانعة غربية لهيمنة اميركا في حدود المعقول، أي ممانعة من دون الاصطدام العسكري. وقد يؤكّد هذا الامر ما قاله الفيلسوف كانط، في ان الديمقراطيات لا تقاتل بعضها البعض. وقد يعكس ايضا مستوى الواقعية والبراغماتية المتقدم والتي وصل إليها هذا الغرب، والتي قد تكون السبب الرئيسي في استمرار سيطرته على العالم، على رغم انه يشكل نسبة مئوية قليلة جدا من هذا العالم. لذلك من المنتظر ان نرى قريبا توزيعا للمغانم بين هذا الغرب على حساب باقي العالم. وقد نرى تعزيزا للتعاون بين اعضاء هذا النادي الغربي، وخصوصا في مجال الحرب على الارهاب. وتكمن خطورة هذا التعاون الأمني الغربي في انه يستهدف مجتمعنا المتهم زورا بالارهاب. فهل نحن عقلانيين، وبراغماتيين كفاية لنخرج من هذه الورطة بسرعة، وبأقل كلفة ممكنة؟ ممكن... لكن الوضع يستلزم قرارات تاريخية من قيادات تاريخية، فأين هي؟

العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً