العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ

العزل والتطويع... والربط

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك أكثر من خط تعمل عليه الدبلوماسية الأميركية بعد صدور القرار الدولي 1483 عن مجلس الأمن. ويمكن حصر الخطوط بالمحطات الآتية:

أولا، العراق. تراجعت واشنطن عن كل وعودها بالانسحاب وأخذت تحشد المزيد من القوات العسكرية وتطلب من «الدول الحليفة» ارسال قوات لمساعدتها على ضبط الوضع الأمني ومحاصرة الفوضى التي ضربت البلاد. إلى جانب الحشود العسكرية عمدت الإدارة الأميركية إلى عزل كل القوى السياسية التي تملك قدرة تمثيلية أو إدارية وربطت مصالح الناس والدولة مباشرة بوكلاء انتدبتهم وزارة الدفاع بالتعاون والتشاور مع الخارجية الأميركية.

ثانيا، إيران. بدأت واشنطن سياسة التحريض ضد طهران مستخدمة كل الأساليب الملتوية التي سبق واستخدمتها ضد بغداد؛ فمرة تتهم الحكومة الإيرانية بالتدخل في شئون العراق، ومرة تتهمها بأنها تبني قواعد صواريخ سرية وتستغل البرنامج النووي السلمي لبناء ترسانة نووية، ومرة تتهمها بدعم حزب الله اللبناني وتثوير الهدوء على جبهة الجنوب، ومرة تفتح لها ملف «الشرق الأوسط» ومعارضتها «خريطة الطريق» من طريق دعم «حماس» و«الجهاد»... وأخيرا بدأت اتهامها بإيواء قيادات من تنظيم «القاعدة» والتخطيط لشن هجمات ضد مراكز وقواعد عسكرية أميركية في المنطقة.

ثالثا، فلسطين. لجأت واشنطن إلى أكثر من أسلوب لتطويع الانتفاضة فهي أبدت دعمها المطلق لسياسة رئيس الحكومة الإسرائيلي ارييل شارون، وضغطت على رئيس السلطة ياسر عرفات سياسيا للتنازل عن بعض صلاحياته، وتعزيز مواقع رئيس الحكومة الفلسطيني المعين محمود عباس (أبومازن) مهددة دور عرفات المركزي في صوغ السياسة العامة للقرار الفلسطيني.

رابعا، «الشرق الأوسط». اعتمدت واشنطن سياسة عزل القوى الإقليمية عن بعضها بعضا، من خلال نشر «خريطة الطريق». فالخريطة فلسطينية وغير قابلة للنقاش والتعديل، وعلى مختلف القوى القبول بها كما هي باستثناء «إسرائيل» التي وضعت 15 ملاحظة قيل إن الرئيس الأميركي جورج بوش وافق ضمنا على 12 ملاحظة وأبدى استعداده للاستماع إلى الملاحظات الثلاث المتبقية. وخطة الطريق التي قيل إنها مسألة فلسطينية خاصة ولا يحق لأي طرف عربي أو إقليمي التدخل في أمورها وبنودها من الصعب أن تمر من دون موافقة القوى الإقليمية عليها... لذلك قرر الرئيس الأميركي زيارة المنطقة وعقد قمة سداسية في شرم الشيخ يغيب عنها الطرف الإسرائيلي، وقمة رباعية في العقبة يشارك فيها شارون إلى جانب عباس لمناقشة بعض الأمور الحساسة التي ينبغي حلها قبل البدء في تطبيق «خريطة الطريق».

في حال ربطت المحطات الأربع ببعضها تتبين الصورة الآتية وهي عزل إيران وسورية وعرفات عن المشاركة في تقرير مستقبل المنطقة أو على الأقل حق الاطلاع والمتابعة لكل ما يحصل من تطورات خطيرة تضرب مفاصل «الشرق الأوسط» وتمس قواعد اللعبة الدولية والإقليمية المتعارف عليها منذ أكثر من نصف قرن. فالحشود في العراق، والتحريض ضد إيران، وعزل عرفات، واستبعاد سورية من قمة شرم الشيخ، وتمرير «خريطة الطريق» كحل نهائي غير قابل للنقاش والتفاوض، كلها تصب في إطار تعزيز استراتيجية أميركية جديدة، تسلحت حديثا بقرار دولي صدر عن مجلس الأمن.

وتأتي زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة لتعلن رسميا بدء واشنطن في تعديل سياساتها السابقة والمباشرة في استراتيجية إقليمية جديدة تعتمد تكتيكات مختلفة تقوم على خطوات ثلاث.

أولا، العزل. عزل القوى الإقليمية صاحبة النفوذ عن بعضها بعضا. مثلا عزل سورية عن إيران، ومصر عن سورية، وسورية عن فلسطين، وفلسطين عن لبنان وإيران، وكذلك عزل السعودية عن سورية وإيران... إلى آخر سلسلة الحلقات التي ترمي إلى فك ما تبقى من روابط ومشاعر ووحدة مصير وأهداف مشتركة.

ثانيا، التطويع. سياسة التطويع معقدة، إذ تتداخل فيها المصالح الاقتصادية بالقضايا العقائدية وامتداداتها الثقافية والاجتماعية والسياسية. وهذه مسألة خطيرة تحتاج إلى وقت طويل قد يمتد إلى 10 و15 سنة من التفكيك وإعادة البناء حتى تتكيف المنطقة مع أنماط «جاهزة» الأمر الذي سيثير الكثير من الفوضى والاضطراب بسبب عمليات الاسقاط التي ستتبعها واشنطن في علاقاتها المتوترة مع الدول العربية.

ثالثا، الربط. سياسة الربط بين «الشرق الأوسط» والولايات المتحدة يصعب نجاحها إذا لم تمر تكتيكات العزل والتطويع بسهولة وربما بصعوبة في السنوات المقبلة. فالربط هو مشروع خطة ذكرها الرئيس بوش في خطاب ألقاه عن انتهاء العمليات العسكرية ضد العراق... إلا أن هذا التصور يصعب تطبيقه كما تريد إدارة البيت الأبيض، من دون تعاون مع دول المنطقة ومشاركة شعوبها في صنع مستقبل «الشرق الأوسط». لذلك يرجح أن تغلب واشنطن سياسة العزل والتطويع على سياسة الربط في المرحلة الأولى حتى تكون عملية الربط اللاحقة أسهل عليها.

وليس غريبا أن تمر هذه الاستراتيجية الخطيرة من دون اعتراض دولي. فالدول الكبرى في مجلس الأمن قررت انتهاج سياسة المصالحة مع الولايات المتحدة، من خلال موافقتها على القرار 1483. والقرار المذكور يتعلق شكلا بموضوع العراق إلا أن مضمونه يطال مختلف دول «الشرق الأوسط». وهذه مشكلة أخرى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً