الفصل التشريعي الاول للبرلمان بقسميه المعين والمنتخب انفض الاسبوع الماضي. مجلس الشورى قال انه وافق على ثمانية مشروعات بقوانين واحالها الى مجلس الوزراء وانه تقدم بخمسة اقتراحات بقوانين تمت احالتها الى الحكومة لكي تقوم هي بدورها بصوغها كمشروع بقانون، وان مجلس الشورى وجه عشرة اسئلة الى عدد من الوزراء.
مجلس النواب قال انه ناقش 18 مشروعا بقانون (مصدر المشروع بقانون هو الحكومة) وقدم 19 اقتراحا بقانون (الاقتراح اذا تمت الموافقة عليه يذهب الى الحكومة لصوغه ثم يعود الى المجلسين للمناقشة والموافقة وبعد ذلك يذهب إلى الملك للتصديق عليه). وقال مجلس النواب انه قدم 35 سؤالا للحكومة.
الا ان الاهم من كل القوانين ومشروعاتها واقتراحاتها هي الاسئلة التي وجهها النواب الى الوزراء وتضمنت اسئلة عن امور مثل التجنيس والتمييز والسجلات التجارية والوضع الصحي وصلاحيات البلديات ومخصصات الاندية والخدمات الاسكانية والتحقيق في اموال التقاعد والبطالة ... الخ. وتكونت لجنتا تحقيق: واحدة للتحقيق في التأمينات الاجتماعية والثانية في التجنيس، بالاضافة الى لجنة البطالة لدراسة وضع العاطلين عن العمل. وربما برزت مناقشات اقرار الموازنة العامة كأطول المناقشات واكثرها مساءلة.
عملية صعبة ومعقدة وربما مكلفة اذا اخذنا في الاعتبار كلفة المخصصات الشهرية لاعضاء المجلسين، وفي كل الاحوال فان القوانين التي صدرت لا تعادل عدد القوانين التي اصدرتها الحكومة في العام 2002 والتي بلغت اكثر من ستين قانونا.
ان عددا من اعضاء البرلمان آمنوا بقدرتهم في المشاركة الفعالة في اصلاح الاوضاع من داخل البرلمان. وهم ايضا آمنوا بأن المشاركة أفضل من المقاطعة مهما كانت الظروف. هذا البعض أثبت قدراته في مساءلة عدد من الوزراء وكان سببا رئيسيا في الحصول على معلومات رسمية في مجالات مهمة لم يكن بالامكان الحصول عليها لان القنوات مع المسئولين موصدة بشكل محكم واذا فتحت فتكون عادة من أجل تبادل التحية وشرب القهوة والشاي والحديث في امور قلما تكون مهمة.
غير ان التحديات التي تواجه العمل الوطني بشكل عام هي تحديات ثقافية وتتعلق بجذر المفهوم بشأن العمل السياسي. فالمسئول في بلادنا يعتقد ان تسلمه المسئولية يعني تسلمه مفاتيح الثروة الشخصية التي يجب ان تكون في يده لمنافسة كل مسئول أخر وكل تاجر في البلاد. والسياسة حسب هذا المفهوم تجارة ووسيلة للثراء وهذا يقلب المفهوم السياسي رأسا على عقب. فالسياسي ليس بالضرورة ان يكون غنيا او ان يتسلم اكثر من الآخرين. فحتى في البلدان المتطورة جدا فانك ترى الوزير يتسلم معاشا شهريا اقل من عدد من موظفيه الذين يعملون تحت يده، ولا توجد حراجة في ذلك. بل ان الوزير المعني بتنظيم القطاعات المختلفة يتعامل مع كبار ذلك القطاع وهم يتسلمون معاشات اكثر منه بعشرات وعشرات المرات. وهناك بعض المجالس المنتخبة (ناهيك عن الهيئات المعينة التي لا تتسلم اي معاش) تسيطر على جميع شئون المنطقة المحلية، واعضاء المجالس لا يتسلمون معاشات، واذا تسلموا فهي رمزية.
السياسة كانت في يوم من الايام تتبع الطبقة الارستقراطية وهذه الطبقة كانت تعيش في عالم خاص بها وتتعامل مع غيرها باسلوب استعلائي وتخصص لنفسها كل وسائل التعليم والصحة والرعاية والخدمات بينما يقاسي غيرها الامرين. وانتهت هذه الحال في كثير من البلدان مع الثورة الفرنسية في 1789م. فالثورة الفرنسية اسست نهجا جديدا يقول ان المواطن هو السيد سواء كان غنيا ام فقيرا وان المسئول عن ادارة الشئون العامة ماهو الا وكيل عن المواطن. ولذلك فان الوزير والنائب وغيرهما ممن يتسلمون الشأن العام ليس مهمتهم ان يلتحقوا بالطبقة الارستقراطية وان ينافسوا التجار وان يصبحوا اسيادا على المواطنين. ليس هذا دورهم ابدا، والا فما الفرق بينهم وبين الارستقراطيين الذين كانوا يعتبرون السياسة مثل لعبة الشطرنج وان البيادق داخل لعبة الشطرنج هم ابناء الشعب. كلا وألف كلا، فالسياسة ابعد ما تكون عن ذلك لانها تعني رعاية مصالح الامة اولا واخيرا. والذي يرعى مصالح كل طوائف المجتمع والذي يمثل المجتمع في العادة يكون انسانا عاديا. ولحماية هذا الانسان العادي فان كثيرا من البلدان تقرر مخصصات تجعله يقارب الطبقة الوسطى في المجتمع. ولذلك فان كثيرا من الناس شعروا بالاحباط عندما وجدوا ان اعضاء مجلسي الشورى والنواب ينافسون الوزراء في استحصال الثراء ما يعني ان مفهوم السياسة الحسنة لم يتغلغل بعد في نفوس كثير منا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ