العدد 2305 - السبت 27 ديسمبر 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1429هـ

مواجهة الأزمة المالية: دور المعارضة السياسية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اختلف تشكل وتطور المعارضة البحرينية عن سواها من المعارضات الخليجية الأخرى، فعوضا عن تطورها عبر مسار طبيعي كان يفترض أن ينقلها من الحالة العلنية التي عرفتها حركة هيئة الإتحاد الوطني في الخمسينيات، ويضعها على طريق تطور ديمقراطي، ربما يكون بطيئا بعض الشيء، ولكنه سيكون أفضل بكثير من نفق المرحلة القمعية المظلم الذي رسم معالمه وقنن أطره التشريعية، وأضفى عليه الصبغة الشرعية قانون أمن الدولة سيء الصيت، الذي ساد البلاد ووضع أسس علاقة غير طبيعية متوترة بين المعارضة البحرينية والسلطة القائمة لفترة امتدت ما يزيد على نصف قرن. كان لابد لنا من أن نعرج على هذه الخلفية المقتضبة، كي نضعها في الحسبان عند تحديد دور المعارضة السياسية في مواجهة الأزمة المالية المقبلة. فقد جردت تلك الفترة تلك المعارضة من حقها، وأضعفت من قدراتها على أن تفكر، ناهيك عن أن تضع الخطط والبرامج التنموية. كانت المعارضة حينها، منهمكة ومنهكة في حماية أعضائها وضمان الحد الأدنى لإعاشة أسرهم في أعقاب حملات الإعتقالات والسجن. وعندها انتعشت، للتأقلم مع هذه الحال، المؤسسات الخيرية من صناديق وجمعيات اقتصر دورها على العمل الخيري الممزوج بمسحات سياسية، فرضتها تلك الظروف، وضرورة الإستجابة السريعة للحالات الطارئة أكثر من أي شيء آخر. أنهى هذه المرحلة القاتمة من التطور السياسي لتاريخ البحرين، مشروع الميثاق الوطني، وما تلاه من برامج إصلاحية قادها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مطلع القرن 21، والتي تمخضت سياسيا عن تأسيس البرلمان بغرفتيه، المنتخبة والمعينة. وترافق ذلك مع تحديد طبيعة آلية تسيير دفة الحكم وآلية تداوله.

أدى ذلك إلى تمترس كل من المعارضة والدولة في خندقين متقابلين، فرض على المعارضة أن تبدو وكأنها خلقت من أجل «المعارضة» أو «المناكفة» فحسب. هذا لايقلل من أهمية ما تقوم به اللجان النيابية المختلفة من مداولات وما تقوم به من تقييمات للمشروعات التي تتقدم بها مؤسسات الدولة المختلفة. لكن بعيدا عن ذلك لا يجد المواطن مشروعا وطنيا متكاملا (نحن هنا لانناقش البرامج الإنتخابية و برامج العمل لمختلف جهات المعارضة في البرلمان أو خارجه).

لذلك لم يكن مستبعدا، ولامن باب الخطأ، أن تواصل المعارضة تحميل الدولة مسئولية الأوضاع الإقتصادية التي ستنجم عن هذه الأزمة، بما فيها أسباب خارجة عن سلطة الدولة، مثل انخفاض أسعار النفط إلى ما دون الـ 35 دولارا للبرميل، لتمويل خطط احتسبت الأسعار لتغطية موازناتها عتد تخوم الـ 60 دولارا للبرميل. قامت المعارضة بذلك من دون أن تطرح مشروعا اقتصاديا تنمويا محددا يحول دون ولوج البلاد النفق الإقتصادي المظلم، الذي ينتظرها بقدوم العام 2009.

لايستطيع أحد أن ينكر على المعارضة دورها وحقها الذي نتمنى عليها أن تمارسه، أو يجردها منه، والذي هو مشروع تنموي اقتصادي يتناغم مع خطط الدولة ولايتعارض معها، ويكون له دوره الميز الذي يساهم في تخفيف وطأة الأزمة والحد من تفاقمها. أول الخطوات على هذه الطريق، هو أن تقتنع المعارضة ذاتها بهذا الدور وتبدأ في تهيئة نفسها لممارسته. بمعنى أن تغادر، بوعي وإدراك، مقاعد ردود الفعل لمشروعات الدولة، إلى وضع البرامج الإقتصادية والتنموية الوطنية الخاصة بها، والتي تميز بها نفسها - دون تناقض أو تناحر - عن تلك التي هي من مسئوليات الدولة واختصاصها. ثاني تلك الخطوات، أن تجمع المعارضة السياسية الرأس مال الوطني الخاص بها من أموال نقدية، ومؤسسات قائمة، من دون أن تستثني الموارد البشرية من كفاءات مهنية وتجارية، وتصهرها جميعا في بوتقة وطنية واحدة، تتجاوز بها حدود الطائفية الضيقة، وتخرج بها من تخوم النظرات التخطيطية المحصورة في تحقيق مكاسب سياسية آنية محدودة، أو التزامات خيرية فرضتها طبيعة التطور السياسي للمعارضة. هذا الرأس مال الوطني، الذي قد يفاجؤنا حجمه المالي، وقدراته المؤسساتية، وكفاءاته البشرية، يشكل الرديف، وليس البديل للمشروعات الحكومية، ونموذج التحدي، من أجل التطور، وليس الإستفزاز، لمشروعاتها المماثلة.

رابع هذه الخطوات وأكثرها أهمية وإلحاحا، الدعوة إلى مؤتمر وطني إقتصادي - مالي يحضر له بشكل جدي، ويستفاد فيه من الخبرات الوطنية تكون النقطة المركزية في جدول أعماله هي الجوانب التفصيلية للمشروع التنموي، الذي تضع المعارضة السياسية البحرينية على عاتقها نقله من حيزه النظري، إلى فضائه التنفيذي العملي

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2305 - السبت 27 ديسمبر 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً