العدد 2305 - السبت 27 ديسمبر 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1429هـ

إبداع في تطفيش الكفاءات... التحليل

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

تحدثت أكثر من مرة في بعض المقالات السابقة عن بعض الأمراض الإدارية التي نعاني منها، وأتضح من خلال الخوض فيها والتحدث عنها بأنها عديدة جدا لا يمكن إعطاؤها حقها من الكتابة، لذا قررت الكتابة عنها من جديد لا بهدف التكرار والإعادة، ولكن بهدف التقليل منها وخلق نوع من الوعي الإداري اتجاه بعضها.

فقد اتضح وللأسف الشديد بأن أغلب الأمراض الإدارية في تفاقم، وأن هناك العديد من الموضات والصرعات، ولعل نصيب العام القادم 2009 مزيد من الأمراض الإدارية الأخرى.

ما أثارني هذه المرة للعودة مجددا للكتابة عن ذات الموضوع هو إطلاعي على مرض إداري قديم ولكنه مستمر ويتفاقم مداه بصورة غير عادية، فهناك مشكلة خاصة أتحدث عنها ولكنها في ذات الوقت تمثل مرضا إداريا عاما له صدى كبير وموجود في العديد من البقاع الإدارية، فهناك ما يسمى بمرض تطفيش الكفاءات والعمل على النيل منهم وتحجيم أدوارهم حتى لا يبدو حجمهم الحقيقي ولا يكونوا أقزام أمام الآخرين لأن نرجسيتهم غير العادية تجعلهم يفكرون في أنفسهم فقط لا سواها.

إحدى القياديات في إدارات إحدى الوزارات الخدمية الهامة والحساسة لا أرغب في تسميتها، ولكن اللبيب بالإشارة يفهم وأعول كثيرا على فهم الآخرين من حولي، كانت ولاتزال ديكتاتورية زمانها وتتصف بكونها متسلطة من الدرجة الأولى رغم كونها لا تمتاز بقدرات إدارية فريدة ولا بملكات شخصية خاصة ولا تملك كفاءات علمية متميزة، بل أنها تفتقد للكثير من الخصال الذوقية والأخلاقية، ولكنها حظت بما لم تحظ به غيرها من الأدوار القيادية والأدارية لأن لعبة الحظ قد لعبت معها دور كبير وأساسي، في حين أن الحظ العاثر قد أثر على آخرين مما جعلهم غير مستفيدين من الفرص المتاحة.

أهم دور كانت تلعبه تلك الإدارية المريضة بالمرض الإداري العمل على تطفيش الكفاءات والعمل على مقاومة أي مبدع بأي شكل بحيث لا يستطيع الدخول إلى إدارتها كموظف بل تكره أن يكون مراجع لها في إدارتها، تقوم بدور الضابط أو المفتش فكلما وجدت من حولها لديه مقومات للنجاح والتميز عملت على تكسير مجاديفه والحط من عزيمته، مهما كان الثمن ومهما كانت النتيجة كل ما يهمها في الموضوع هو الانتقاد والحط من قدر الآخرين، والنيل منهم معتمدة في ذلك طبعا على الأساليب المرضية التي لا تمت لا إلى الأعراف بصلة ولا إلى الذوق العام بأي رابط بل ولا تمتد إلى الشريعة الإسلامية بأي صلة، فالفتنة والغيبة والنميمة والكذب، فضلا عن إن النفاق هو أحد أبرز أدواتها المرضية الفتاكة التي تعتمد عليها في التطفيش.

الغريب في الأمر أنها أخذت تترقى من منصب إلى آخر رغم أن هناك سيلا من الشكاوى عليها من قبل مجموعة لا يستهان بها، وأن هناك العديد من المتذمرين منها ظلوا في جحورهم صامتين لأسباب عديدة لعل الخوف والقلق من معرفتها بالأمر وبالتالي الويل ثم الويل لهم، فالخوف والجبن أصبحت أبرز سماتهم الشخصية لكونهم موظفين قابعين تحت رحمتها منذ زمن، فبدلا من الثقة بالنفس والاعتداد بالذات نجد مجموعة من الصفات الشخصية السلبية قد لصقت بهم وصارت من أبرز نعوتهم.

أن يكون الإنسان مبدعا فتلك نعمة من الله ينعم بها الله على من يشاء، وفي الغالب ينظر لخاصية الإبداع بصورة إيجابية فحينما يحل الإبداع يحل التميز والاقتدار، ولكن عندما يكون الإبداع سيف مسلط على العباد، وعندما يكون الإبداع أسلوب مريض يخشى الآخرون من التعامل معه فهذا وبال.

البعض فاض به وأخذ يتحدث عن الوضع المأساوي ولكن بأسلوب مبسط، لعلمه بأن لا علاج لهذا المرض فهو سرطان قاتل يضر صاحبه ويؤذي الآخرين، ويحزن من حوله.

أتعرفون لماذا استفحل المرض فيها وفي غيرها من الإداريات والإداريين الآخرين سواء في الوزارة نفسها أو في الوزارات الأخرى؟ فقد كان هذا السؤال مطروحا ومفتوحا أمامي أحمله معي أينما أحل وأذهب، وأحاول دائما البحث له عن إجابة موضوعية واقعية حتى لا أظلم من يتصف به وأفيد بدوري من هو متأذي به، فقد وصلت إلى حقيقة مفادها: أن البعض وللأسف الشديد يرى حينما يولى في شيء بأنه ملك وعليه أن يملك من حوله بأي شكل من الأشكال والغاية حين إن تبرر الوسيلة فهو والي على من يولى عليه، وبالتالي لا يحسن التصرف ولا الإدارة لأن المسئولية الإدارية من جهة مسئولية كبيرة ومسئولية الملك والتملك مسئولية أكبر من المسئولية الإدارية يبدأ حينها التخبيص والربكة على الأداء والتصرف حيال الأمور الإدارية الطارئة منها والعادية .

فالإداريون والقياديون الناجحون طبعا يعرفون بأن الإدارة فن وذوق وأخلاق منظومة متكاملة، لا يمكن اختزالها أبدا في الملك والاستملاك والإرث، فالناس أحرار ولا يمكن ملكهم أو السيطرة على أفكارهم أو على تصرفاتهم، قمة المرض الاعتقاد بأن المنصب والمقعد سيظلون ملك ومن الممكن البقاء عليهم وإليهم والدليل لو أن هناك فعلا شيئا من هذا القبيل لما جاء اليوم التي أتيحيت لهم الفرصة.

للمهتمين أتابع معكم عبر المقال القادم إشكالية المرض الإداري تطفيش الكفاءات بهدف إيجاد المخارج الإدارية المنطقية للتشافي من المرض برجاء المتابعة

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2305 - السبت 27 ديسمبر 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً