رجل استطاع بوعيه وبفكره الصائب، وجهاده الكبير كقيادةٍ كبرى أن يصنع المعجزات في هذا الزمن العربي الهزيل... كان يتحرك وفي عينيه فاطمة، وبين يديه سيف عليٍّ وعلى جبهته نور الحسين... إنه الرجل الذي اختصر المسافات واختزل الزمن ليقهر هو ورفاقه عنجهية «إسرائيل»، إنه السيد الذي استمد من دم الشهيد فتحي الشقاقي وقودا للانطلاق ومن عون «شلح» مؤازرة الرفيق واستشهاد «الموسوي» عزيمة وإرادة كي يصنع نصرا في الجنوب ليكون نصر الإسلام لا نصر فئة ولا مذهب ولا طائفة، فما تحقق من نصرٍ في الجنوب هو نصر لكل المسلمين.
رجل خرج من الصوامع وتجاوز تلك الخلافات التاريخية الوهمية ليصنع هو ورفاق دربه ورجال التاريخ ممن صنعوا أفضل أيام من تاريخ الأمة: الشيخ أحمد ياسين والسيد عباس الموسوي وفتحي الشقاقي، هذه الهامات العالية والنواصي التي ارتفعت إلى عنان السماء لتعلم الأمة كيف يكون التحالف الأممي، وكيف تكون الاستراتيجيات... تبتعد عن كل من يريد إدخال الأمة في أنفاق العدمية والمستنقعات الفئوية.
تمر الذكرى ويصر عرب الهرولة على عدم تذكير الأمة بهذا اليوم العظيم لما فيه من إحراج لهم. في الذكرى العطرة الموشاة بنجيع الدم لتحرير جنوب لبنان ترتسم على الشفاه ابتسامة النصر وتلوح في الأفق إشراقة أمل الخلاص؛ لتشرق شمس طالما حجبت بين أقبية المباحث وسجون المجرمين والعملاء اللحديين... إذ تساقط الشهداء في سجن الخيام.
ها هو السيد حسن نصرالله يبرق كأملٍ يلوح في الأفق لنعيش قاهرين للصهاينة «فالحياة في موتنا قاهرين والموت في حياتنا مقهورين»... ما أجمل القائد وما أحسنه وأوسمه عندما يوحِّد قلوب المسلمين نحو هدف واحد مشترك يتهدد كل المسلمين، فهو الذي «لم يوفر ابنه للمستقبل» كبقية الزعماء، فقد ابنه وهو ذو السبعة عشر ربيعا فداء للقدس ولدم القسام... نعم رحل هادي وكان للتو زفه أبوه عريسا قبل ثلاثة أشهر من استشهاده، فكان العرس عرس الشهادة وكان الزفاف زفاف البطولة... وراحت «أم هادي» تستقبل التهاني لزفاف الابن البكر ليومٍ تنتظرها فيه فاطمة الزهراء وكأني بها تقول له: «بنيّ لا أرضى عنك حتى تستشهد بين يدي أبي عبدالله الحسين! أريدك أن تبيِّض وجهي عند فاطمة الزهراء».
سقط القربان شهيدا على مذبح الفضيلة كأنه القاسم بن الحسن (ع) وتلاقت سجادتان من نور، واحدة لاستقبال الشهيد وأخرى افترشتها يد بيضاء لأبيه كي يصلي ركعتي شكر لله، لأن «عائلته أصبحت من عوائل الشهداء»، وراح الملايين من الناس يهرعون إلى بيت الأمين العام مهنئين تعزيز النظرية بصدقية الفعل... فأبرق هيكل ـ الصحافي الشهير ـ للسيد حسن قائلا له: «أبا هادي... عند سماعي نبأ استشهاد ابنك هادي أردتُ أن أصلي لك ركعتين فوجدتُ أن صلاتك أقرب إلى العرش... دعني أفتخرُ بك كما تفتخرُ بك الملايين من الناس».
في يوم الانتصار، لك يا أبا هادي وللأحرار في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان والعراق الأسير ألف تحية... لجبهتك وهي تضيء قناديل، وليدك البيضاء وهي تقطر عسلا ورياحين، لقلبك الذي يخفق حمائم ونورسا.
«سميتك الجنوب
يا لابسا عباءة الحسين
وشمس كربلاء
يا شجر الأرض الذي يحترف الفداء
يا وجعا يخرج من أعماقه قمح وأنبياء
يا ثورة الأرض التقت بثورة السماء».
- نزار قباني -
تمرُّ ذكرى الانتصار للجنوب والقنوات العربية مشغولة بذكرى يوم الحب
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ