«خلق الإنسان، علمه البيان» (الرحمن 3-4)... هكذا تحدث القرآن عن الإنسان وكيف ان الله علمه «البيان» لكي يتكلم وينطق ويعبر عن رأيه. فالبيان من نعم الله على الانسان ولا بيان من دون كلام وتعبير عن الرأي، وحرمان الانسان من نعمة «البيان» اعتداء على كرامته.
إذا كان الذي كتب قانون الصحافة والنشر لا يؤمن بحقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فلست أدري ما إذا كان يؤمن بالقرآن الكريم الذي أعلن فيه الله سبحانه وتعالى تكريم بني آدم - بمعنى ارتباط «الكرامة» بكل معانيها بالإنسان - وربط خلق الإنسان بقدرته الجمالية والتأملية والتحليلية من خلال «البيان». وهذا البعد البياني أصله القرآن الكريم وربطه ربطا لا يقبل الانفكاك بالإنسان. والحديث عن البيان يتطلب فسح المجال لتطوير قدرات الإنسان التعبيرية وفسح المجال للتدبر والتأمل ومساءلة الأمور وعدم اتباع الظن او اتباع الآباء الأولين... وكل هذه المفاهيم هي محور الحديث عن حرية التعبير التي تطالب بها مواثيق حقوق الإنسان الدولية، والتي تحدث عنها الميثاق والدستور ولكن ألغاها قانون الصحافة والنشر الذي صدر بوسيلة غير ديمقراطية ولم يعترف بالمبادئ السامية التي اقترحتها لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني برئاسة سمو ولي العهد.
ليس هذا فحسب، بل ان الجهة التي كتبت القانون تعبيرا عن مصالح كاتبها التي تختلف مع مصالح البحرين، رفضت إيقاف العمل بهذا القانون على رغم إرشاد سمو رئيس الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى هذا الاتجاه ودعوته إلى تعديل القانون بحضور عدد من الوزراء منهم وزير العدل ووزير شئون مجلس الوزراء ووزير الإعلام وكبار مسئولي شئون مجلس الوزراء ورؤساء تحرير الصحف اليومية وصحافيين كانوا أعضاء في لجنة تفعيل الميثاق، واقترحت قانونا سليما قبل ان تقرر الجهة المجهولة رميه جانبا وإصدار قانون خاص بها وفرضه على شعب البحرين.
ان جرجرة رؤساء تحرير الصحف («الوسط» وثم «أخبار الخليج») بسبب هذا القانون الجائر، لها أصداؤها في كل مكان، وتداولت وكالات الأنباء والفضائيات الخبر ووصل الى مؤسسات حقوق الإنسان، وقد اطلعت شخصيا على تقرير تعده مؤسسة حقوقية دولية وهي تشير إلى «تراجعات» في مسيرة الديمقراطية مستشهدة بهذا القانون الجائر.
والسؤال الذي سنكرره حتى لو رحل من كتب القانون الى حيث عطلته الصيفية وترك ما كتبه خلفه لينفذ ضد أهل البحرين ويحاول حرمانهم من نعمة «البيان» هو: لماذا يستمر تطبيق هذا القانون؟ ومَن المستفيد؟ وهل هناك من تهمّه مصلحة البحرين فيتوقف عن هذا الامر؟
البعض قال مازحا ان الذي كتب هذا القانون يعتقد ان أفضل وسيلة للرد على المعارضين هي مزيد من التطبيق حتى يتم تصعيد الأمر ثم يستطيع الذهاب الى القيادة السياسية ليقنعها بضرورة عودة بعض قوانين القمع المعمول بها قبل الميثاق الوطني. ولكن «المزحة» ربما انها ليست مزحة بل تعبيرا واضحا عن مسيرة البعض الذي استمر في تطبيق هذا القانون ضاربا بعرض الحائط كل الاحتجاجات كما لو ان كرامة البحرين وسمعتها لا تهمانه أبدا.
إننا نمر بحوادث جسام زال على اثرها من ذبح شعبه بالسلاح الكيماوي وكان يصدر قوانين من هذا النوع، وكل ذلك لم يفده شيئا. وينبغي ان يكون هذا درسا لمن يحاول اتباع أساليب غير عادلة. فلا يوجد شعب أطيب من شعب البحرين الذي خرج ليستقبل جلالة الملك عندما زار سترة قبيل التصويت على الميثاق الوطني. فتلك الزيارة خالدة في الذكرى لأن الملك زار أكثر المناطق تضررا من القمع ووجد كيف الناس خرجوا لاستقباله ولم يحتج أثناء تجواله بين أولئك الذين عانوا الأمرين خلال السنوات الماضية إلى إجراءات مشددة... فلماذا يحاول البعض استخدام أساليب جائرة استخدمها في الماضي ولم تنفع في شيء في عصر مختلف جدا كعصرنا الحالي؟ ولماذا، على رغم كل الاحتجاجات، يستمر هذا البعض في النهج الذي يسيء إلى سمعة البحرين بعد ان ارتفعت عاليا؟ وهل ارتفاع اسم البحرين دوليا أغاض هذا البعض، ولذلك فهو لا يعترف بأي شيء ويستمر فيما يقوم به؟
ثم لماذا تقترح الوزارة قانونا آخر مازال يحمل في طياته العداء لطبيعة البشر المطالبة بحق التعبير و«البيان»؟ لماذا لا يتم رد الحسنى بالحسنى لهذا الشعب الذي وقف صفا واحدا داعما للإصلاحات؟
أسئلة سنستمر في طرحها لأن عدم طرحها يعتبر تنازلا عن إنسانيتنا وقبولا بوضع لا يخدم البحرين وأهلها فيما لو سمح له بالاستمرار
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ