يوم أمس كان مزعجا على عدة مستويات، إذ مازلت في عطلتي السنوية، ولكنني أخبرت بضرورة حضوري مؤتمرا صحافيا لوزير الداخلية الساعة الحادية عشرة صباحا. غرفة المؤتمر الصحافي امتلأت بالصحافيين المحليين وبمراسلي الفضائيات الرئيسية، وعندما بدأ الوزير المؤتمر كان الحديث يدور حول «إحباط الأجهزة الأمنية لعمل إرهابي» في يوم العيد الوطني وأن «المتهمين كانوا يخططون لتفجيرات في شارع المعارض والمنطقة الدبلوماسية والنادي البحري»... إلى آخر الخبر المنشور اليوم في جميع الصحف.
كان تعليقي بعد المؤتمر أن أي عمل إرهابي «مرفوض» من أية جهة صدر، وأن المخلصين لوطنهم «يدينون كل أشكال العنف». وأضفت أن ما نأمل به هو الالتزام بشفافية المعلومات، والالتزام بحقوق الإنسان نحو الموقوفين وأهاليهم، وضرورة الابتعاد عن أي عمل قد يفسر بأنه نوع من العقاب الجماعي أو الانتقامي.
وقد ذكرت في تعليقي أنه عندما تعتقل السلطة خلايا إرهابية تابعة لتنظيم «القاعدة» فإنها تحصر الموضوع في دائرته الضيقة. وكذلك الحال عندما تعتقل بعضا من الشباب المجنسين في الأحداث المتكررة، فإن السلطات تسارع أيضا إلى حصر الموضوع في دائرة ضيقة، ولا تنشر الاتهامات ضد الفئة التي ينتمون إليها، حتى لو كان أفراد هذه الفئة أو تلك يعملون في جميع الأجهزة الحساسة. وهذا التعامل إنما هو التزام دستوري وحقوقي، لأن الدستور ينص على أن العقوبة فردية (وليست جماعية)، وهذا ما نأمل أيضا أن يكون معمولا به عندما يرتبط الموضوع بفئة أخرى من الفئات المجتمعية، وذلك على قاعدة سواسية الجميع أمام القانون.
بعد الخروج من المؤتمر الصحافي كان الخبر المسيطر على الفضائيات والوكالات هو العدوان الإسرائيلي البشع على الشعب الفلسطيني المناضل في غزة، وعندما اتصلت بي عدة جهات إعلامية أمس كنت أعتقد أنهم سيسألون عن ما أعلنته وزارة الداخلية، ولكن الفضائيات والوكالات كانت تسأل فقط عن رأي بحريني بشأن الأحداث الكارثية بعد المجزرة التي ارتكبتها «إسرائيل» في قطاع غزة.
على أي حال، إنني مازلت من المؤمنين بأن الدولة في البحرين ليست عاجزة عن اعتماد الحلول السياسية التي تغنيها عن اللجوء إلى الأجهزة الأمنية للتعامل مع أحداث قد تتطور إلى شكل لا يفرح المحبين لوطنهم. كما أنني مازلت من المؤمنين بأن تفعيل دور المجتمع - من خلال رموزه المعتبرين ومن خلال مؤسساته المدنية - يمكن أيضا أن يغنينا عن الإعلان عن اكتشاف «عمل إرهابي» بين فترة وأخرى، فالبحرين من أفضل البلدان أمنا رغم كل ما يصيبها، ودليل ذلك تعلق كل من زارها بها وإعجابه بطيبة شعبها الأصيل.
قطعت عطلتي مؤقتا يوم أمس لأكتب ما يتوجب عليّ كتابته خدمة لوطني، وأتمنى من كل قلبي أن يهنأ الجميع بأعياد سعيدة في نهاية عامنا الحالي (2008) وأن نستعد إلى عام جديد يحمل تحدياته معه، وهي تحديات نقدر عليها بتعاوننا جميعا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2305 - السبت 27 ديسمبر 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1429هـ