ما حدث أمس بالنسبة إلى صحيفة «أخبار الخليج» وما حدث قبل ذلك بالنسبة إلى صحيفة «الوسط» يعتبر اعتداء على حرية الصحافة، وحرية التعبير، بل ومحاولة واضحة لتخويف الصحافيين وترعيبهم بالحبس اذا ما نشروا ما يعتبره البعض قذفا في حق موظف عام او نشر معلومات لها علاقة ما بنظر قضية أمام النيابة العامة او المحاكم.
والملاحظ ان الذين قاموا برفع الدعاوى على «الوسط» ومن ثم «أخبار الخليج»، وكذلك النيابة العامة التي تولت التحقيق في كلتا القضيتين، وأمرت بالحبس الاحتياطي على رئيس تحرير الصحيفتين اذا لم يدفعا كفالة مالية قيمتها 1000 دينار، هذه الجهات استندت في تلك الدعاوى على المادتين (17) الفقرة (د) و(72) من قانون تنظيم الصحافة والنشر الذي صدر تحت رقم (47) لسنة 2002 وهو القانون الذي اعتبر واحدا من حزمة القوانين المعروفة، ورفضه الصحافيون وكل مؤسسات حقوق الانسان والمجتمع المدني، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء يأمر بتجميده ريثما يتم تعديله والغاء المواد المجحفة بحق الصحافة وبحق حرية الرأي والتعبير، لكن يبدو ان القانون بقي ساري المفعول، وجرى تطبيقه بمغالاة وبصورة أشد من القانون السابق.
فقد ارتبط القانون المذكور عضويا بقانون العقوبات... الصادر في كنف وبروح قانون أمن الدولة سيئ الصيت - إذ جاءت مقدمات - مواد الفصل السادس (المسئولية الجنائية للجرائم التي تقع بواسطة النشر في الصحف) ما يأتي «مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها قانون العقوبات او اي قانون آخر...»، وهي عبارة تكررت في المادة (71) فقرة (د) التي اتهمت «الوسط» بمخالفتها، والمادة (72) التي اتهمت «أخبار الخليج» بها، وفي الحالتين فان العقوبة في قانون الصحافة لا تتعدى الغرامة بمبلغ 1000 دينار، في حين انها في قانون العقوبات وبالتحديد المادتين 364 - 365 المتعلقتين بالقذف فان العقوبة تتراوح بين الحبس سنتين وغرامة 200 دينار وسنة وغرامة 100 دينار، وهو ما أخذ به الذين ارادوا التخويف والترعيب. وبالمقارنة فإننا نرى أن مشروع قانون الصحافة للعام 2003 والذي يفترض ان يحل مكان قانون تنظيم الصحافة للعام 2002 قد ألغى الارتباط بقانون العقوبات، وجاءت المادتان (16) و(17) منه والموازيتان للمادتين (71) و(72) من قانون (2002) مكتفية بغرامة الفي دينار بالنسبة إلى الأولى وبعدم وجود عقوبة بالنسبة إلى الثانية، وقد كان على النيابة العامة ان تنظر بعين الاعتبار إلى كل هذه التطورات وتدخل الحكومة من اجل تغيير القانون رقم 47 للعام (2002).
الجانب الثاني ان قانوني الصحافة المذكورين ينصان على انه (لا يجوز حبس الصحافي احتياطيا في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف الا في الجريمة المنصوص عليها في (المادة 214) من قانون العقوبات، في حين ان النيابة العامة قررت الحبس الاحتياطي على رئيس تحرير الصحيفتين اذا لم يدفعا كفالة مالية، والجانب الثالث ان الدستور ينص على ان العقوبة شخصية في حين ان التحقيق مع رئيسي التحرير باعتبارهما طرفين متضامنين مع الصحافيين المتهمين، وهو ما يخالف الدستور ويعجل باستكمال انشاء المحكمة الدستورية
العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ