العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ

تشومسكي: الديمقراطية ضرورية لبقاء النوع البشري

ماساشوسيتس - ستيف روبرت ألين 

تحديث: 12 مايو 2017

قد تكرهه وقد تحبه، ولكن هناك قليلا من الناس الذين كان لهم تأثير كبير في القرن العشرين بوصفه عالم لسانيات وناشطا ومعارضا سياسيا... إنه نعوم تشومسكي. وبغض النظر عن نظرة التاريخ إلى انتقاد تشومسكي الراديكالي للرأسمالية الغربية، فإن ممارسته وعمله باعتباره عالم لسانيات كان له تأثير عميق ودائم ولا يمكن إنكاره على كل العلوم المعرفية.

دائما ما يقال إن تشومسكي بالنسبة إلى علم اللسانيات كآينشتين بالنسبة إلى الفيزياء. وقد استهل ببحثه الذي قام به في العام 1957 والذي يحمل عنوان: Syntactic Structures، ما يسمى بالثورة التشومسكية، إذ افترض تشومسكي في دراسته تلك نظرية لغوية جديدة عرفت اللغة على أنها قدرة بشرية فطرية مثبتة بقوة في عقولنا. وبالتالي، وبحسب رأي تشومسكي، فإن هناك نوعا من «القواعد العالمية» المتضمنة في كل اللغات. ويمكننا تصور أن يأتي احد الفضائيين إلى الأرض ويلاحظ الطريقة التي نتفاهم بها نحن البشر مع بعضنا بعضا... طبقا لتشومسكي، سيعتقد هذا الفضائي أن كل اللغات على الأرض متشابهة تماما، وان هناك تنوعات ظاهرية فقط تميز إحداها عن الأخرى، مثلا الإنجليزية عن الصينية.

وقد حفر تشومسكي اسمه في صفحات التاريخ الفكري بفرضيته التي يرى فيها أن هدف علم اللسانيات هو اكتشاف هذه القواعد العالمية ووصفها، ولكن بسبب وضعه المركزي في هذا المجال، فقد كان تشومسكي جديرا بالشهرة كونه أكثر لغوي حصل على هجوم وانتقاد عبر العصور. ومع ذلك فبسبب شهرة أعماله الرائعة وبروزها، فإن الأجيال التالية من اللسانيين وجدوا أنفسهم مجبرين على تقديم أفكارهم الجديدة بلغة تشومسكي القاطعة، سواء اتفقوا مع نظرياته أم لا.

ولكن علم اللسانيات هذا هو الذي رفع تشومسكي إلى المستوى الذي جعل منه شخصية بارزة في مجال تنظيراته السياسية وفعاليته المستمرة في الدفاع عن ضحايا السياسة الخارجية للولايات المتحدة. سياسيا، يجسد تشومسكي خطا يساريا عقلانيا معارضا للفاشستية ومخالفا بشدة للماركسية واللينينية التي يسميها (تشومسكي) الاشتراكية التحررية.

وقد سنحت لي الفرصة أخيرا للتحدث مع تشومسكي عن موضوعات عدة مثل وسائل الإعلام، والتجارة العالمية، والانترنت، والمستقبل القاتم للحضارة الغربية المنهارة.

معارض سياسي أميركي

كتب الكسندر كوكبيرن مرة «إن فضيلة تشومسكي الكبرى هي أن رسالته الأساسية بسيطة». إن معتقد تشومسكي الأساسي هو أن الدعاية في الدولة الديمقراطية تلعب الدور نفسه الذي يلعبه العنف في الدولة الدكتاتورية، ولذلك ففي الولايات المتحدة، يجب ألا يخشى الفرد من الحرس الوطني بل عليه أن يقلق أكثر من التلاعب بالمعلومات من قبل الحكومة والشركات والمصادر الأكاديمية. وطبقا لتشومسكي فإن النخب التي تتحكم في نظام السياسة الأميركية وتستفيد منه تحتفظ بهذا النظام عن طريق تهميش الآراء السياسية البديلة، وانتقاء التقارير التي تنقلها عن نتائج السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وخلق حال من اللامبالاة السياسية بين عموم الجماهير عن طريق تشجيعهم على مشاهدة برامج الرياضة والبرامج التلفزيونية الهزلية بدلا من المشاركة بفعالية في العملية السياسية.

تشومسكي مولع بالاقتباس من رئيس المؤتمر الدستوري وأول قاضي قضاة في المحكمة العليا بالولايات المتحدة جاي جوي الذي عبر عن قناعته بأن «الناس الذين يملكون البلد يجب أن يحكموها»، وبحسب رأي تشومسكي، فإن ذلك هو ما يحدث بالضبط، فبسبب التحكم الضخم من قبل شركات الإعلام الوطني والشركات الحكومية، لم تسنح للديمقراطية المشاركة الحقيقية أية فرصة للازدهار في الولايات المتحدة الأميركية.

النزعة تجاه

المنافسة المحدودة

إن آخر التقارير عن الاندماجات الضخمة بين الشركات في عالم صناعة المعلومات مثل الاندماج بين شركتي «اميركان اون لاين AOL» و«تايم وارنر»، تجعل نظريات تشومسكي السياسية أكثر قتامة. ولكن طبقا لتشومسكي، فإننا يجب ألا نقلق فقط بسبب تقوية الشركات الإعلامية فقط، «إذ إن هناك اتجاها عاما من قبل النظام بأكمله للتحرك نحو المنافسة المحدودة، عدد صغير من الشركات الضخمة التي تسيطر على مجال واحد أو أكثر ودائما تتداخل، والأمر نفسه ينطبق على جميع أنظمة الشركات، حتى شركات الصيدلة تحصل على إعانات مالية ضخمة وتتحرك باتجاه الاحتكار».

ولكن بالنسبة إلى تشومسكي هناك تأثيرات خطيرة للديمقراطية عندما تقوم قوى صغيرة خاصة بالتحكم في نشر المعلومات على الجميع، يقول تشومسكي: «الإعلام يستخدم الملكية العامة، إذ إن عموم الناس هم الذين يملكون الموجات الهوائية، ووسائل الإعلام المشتركة تؤسس نفسها على تقنيات مبتكرة للناس مثل الانترنت، وهكذا فإننا نعيش في نظام إعانات مالية عامة ضخمة لحكومات استبدادية خاصة تتحرك باتجاه المنافسة المحدودة. اعتقد أن في ذلك خطرا وفي كل مجال ولكنه يشكل خطرا أكبر على أنظمة وسائط الإعلام المعلوماتية».

والسبب في ذلك هو أن تشومسكي يعتقد أن الشركات الخاصة تحرف المعلومات التي تقدمها إلى لناس لتدعم نظاما يحمي مصالحها الخاصة، وإذ إن الهيكلية المؤسساتية في هذا البلد تقود إلى نوع من نظام غسيل المخ الموحد، فإن المراسلين الذين يعملون في وسائل الإعلام المختلفة قد لا يكونون واعين إلى حقيقة أنهم ينقلون آراء غير متزنة عن العالم إلى جمهورهم. النتيجة النهائية هي أن الأعمال الوحشية التي يرتكبها الدكتاتوريون ذوو المصالح المشتركة مع أميركا لا تنقل غالبا في وسائل الإعلام المحلية أو ربما يتم التقليل من أهميتها أو قد يتم تأييدها بموقف ايجابي أو محايد من قبل هذه الأنظمة، وهذا ينطبق مثلا على التقارير التي نقلت في وسائل الإعلام عن تيمور الشرقية وعن الكثير من دول أميركا اللاتينية التي يتزعمها دكتاتوريون موالون لأميركا.

ما العمل؟

عند سؤاله عما يجب عمله تجاه هذه الوضع السياسي المقلق، قال تشومسكي: «لا أعتقد أن هذه المؤسسات تملك حق الوجود، ولذلك يجب أن يكون السؤال أين نذهب بين صيغ الخيانة التي تفت في عضدنا، وبين تحديدها أو تضييقها، وهو هدف ضيق. إن أكثر التحركات تقييدا هي تلك التحركات على جداول الأعمال المباشرة، ولكن التحركات طويلة المدى يجب ألا تكون بعيدة عن عقولنا».

طبقا لتشومسكي، فإن احد الأهداف طويلة المدى يجب أن يكون تحويل وسائط الإعلام إلى وسائل عامة، في مقابل الأدوات التي يتم توظيفها من قبل القوى الخاصة. يقول تشومسكي: «عودة إلى حوالي العام 1930، كان هناك صراع رئيسي على ما إذا كان الراديو الذي كان قد ظهر للتو آنذاك يجب أن يبقى في أيدي الناس أداة للتفاعل والمعلومات والتعليم وما إلى ذلك، أو ما إذا كان من الواجب تسليمه هدية إلى القوى الخاصة التجارية».

وأخيرا، تم تسليم «الراديو» إلى سلطة خاصة في الولايات المتحدة ولكن لم تكن الحال كذلك في دول أخرى، يقول تشومسكي: «في كل الدول الصناعية الكبرى الأخرى يظل الراديو عاما أي حرا كما هي الدولة حرة، فإذا كانت الدولة دكتاتورية فلن يكون الإعلام حرا على الإطلاق. إذا كانت الدولة هي كندا أو انجلترا، فمن المنطقي أن يكون الإعلام حرا. الولايات المتحدة هي الوحيدة التي أعطت الإعلام لقوى خاصة».

عندما ظهر التلفزيون بعد حوالي عشرين عاما، انتقل بشكل أوتوماتيكي إلى القوى الخاصة من دون نقاش، أما في الدول الأخرى فقد بقي حكوميا. يقول تشومسكي: «ومنذ ذلك الحين ظلت الشركات الخاصة تواصل العمل في هذا المجال، ولم تتوقف، فقد أرادت أن تشتري المشروع. ومثل أي نظام خيانة آخر، فإن هذه القوى الخاصة تريد أن تتوسع، وإذا لم يقاوم العامة ذلك فسيحدث حتما».

هذا هو السبب الذي يجعل وسائط الإعلام تعرض أنواعا محدودة من الآراء الأيديولوجية أكثر من تلك الموجودة في المجتمعات الحرة، إذ إن الشركات الخاصة الكبرى لها تحكم مطلق في وسائط الإعلام، ويرى تشومسكي انه لا يجب أن يستغرب أي احد لأن الأيديولوجيات التي تعرض في هذا المكان بشكل عام تعكس المصالح التجارية.

ومع ذلك سيكون تشومسكي الأول الذي يعترف بأن نظام تلقين الأشخاص الذي يصفه ليس مفردا، وهو يعتقد ببساطة أن وصفه هذا صحيح في معظم الحالات.

الناس العاديون

يقول تشومسكي: «معظم الناس يذهبون إلى أعمالهم ولا يسألون الكثير من الأسئلة عما يفعلونه. لا ينظرون إلى ما وراء مكاتبهم أو إلى احتمالات عمل الغد». ويعتقد أن هناك جهودا كبيرة تم عملها من قبل النخب في البلد لجعل الناس راضين عن أنفسهم وغير ملمين بما يحدث، فهو يرى أن حشود الناس يجب أن تتفق مع بعضها دائما ويقول: «هذا هو الوضع المثالي في عالم التجارة، وصناعة العلاقات العامة، وصناعة الإعلان وما إلى ذلك، ويتمثل في فصل الناس عن بعضهم لأن تجمعهم معا خطر، فربما يتوصلون إلى أفكار معينة ويبدأون في عمل أشياء مختلفة، ولذلك فمن الأفضل لهم أن يعملوا بجد، والولايات المتحدة صاحبة أطول أسبوع عمل في العالم الصناعي، وعندما يعود الناس إلى منازلهم متعبين، تقوم وسائط الإعلام بدورها في عمل غسيل مخ لهم».

يقول تشومسكي: «النتيجة المحزنة لهذه التركيبة المؤسساتية هي أن الناس الذين قد يكون بإمكانهم تحدي أسوأ نتائج سياسات الولايات المتحدة في الداخل وفي الخارج يتحولون إلى آلات اتوماتيكية استهلاكية لرغبات مبتكرة ولا يجدون الوقت أو الطاقة للمساهمة في تشكيل المجتمع. إن المؤيدين لهذا الأمر يحبون التحدث عن الكيفية التي لا نجد فيها أي بديل، والذين يشعرون بوجود قوى كونية تدفعنا إلى عمل شيء ما، ولكن هذا ليس صحيحا إذ إن هناك قرارات محددة يتم عملها من قبل مؤسسات معينة، أو ربما قرارات مختلفة تصدر عن مؤسسات مختلفة، الأمر كله يعود إلى الاختيار».

الديمقراطية بالاسم فحسب

حتى لو آمن كل الأشخاص المشابهين لبيل جيتس في العالم بأن ما يفعلونه يعود بالخير على البشرية وبأن رأسمالية السوق الحرة هي أفضل نظام يمكننا الحصول عليه، فلن يكون هذا الأمر مهما كما يرى تشومسكي، إذ إن رغبتهم النهمة في المزيد من موارد العالم الطبيعية والبشرية تؤدي إلى تصاعد العنف العالمي، وحدوث تباين اقتصادي، ووضع قيود صارمة على قدرة الناس العاديين على تشكيل العالم الذي يعيشون فيه. يقول تشومسكي: «اعرف من يصدر القرارات ومن يجني المكتسبات وستلاحظ ارتباطا واضحا، وهذا لا يعني أن أصحاب القرار هؤلاء يستيقظون في الصباح ويقولون (حسنا ... سنسرق الجميع اليوم). حتى هتلر، فأنا افترض انه كان له نظام تبرير. بإمكانك أن تقنع نفسك بأنك شخص لطيف وهذا ليس أمرا صعبا فالجميع يفعل ذلك».

تشومسكي لا يؤمن كثيرا بالعملية الانتخابية لتغيير مجتمعاتنا إلى الأحسن، مجادلا بأن الروابط بين الحكومة والنشاط التجاري وثيقة للغاية، ويقول: «هناك حواجز كبيرة يجب اجتيازها، وكما هو الوضع الآن فإن العملية الانتخابية هي عملية يتم السماح فيها للناس أحيانا بالاختيار بين ممثلين متطابقين فعليا في القوة التجارية وهذا أفضل من أن تكون هناك دولة دكتاتورية، ولكن هذه صيغة محدودة جدا من الديمقراطية. ومعظم الناس يدركون ذلك ولا يشاركون في هذه العملية، وطبعا فإن الانتخابات يتم شراؤها بالكامل. ففي انتخابات الكونغرس الأخيرة، كان 95 في المئة من الفائزين في الانتخابات قد دفعوا لخصومهم للانسحاب، كما تم تمويل الحملات بطريقة وافرة من قبل الشركات الخاصة».

الجانب المبهم للعولمة

في 26 فبراير/ شباط 2000 زار تشومسكي البوكيوركو لإلقاء خطبة بعنوان «التحكم في حياتنا: الحرية، الاستقلال، والأنواع الأخرى المهددة بالخطر»، إذ قدم أول عرض له على الإطلاق في نيومكسيكو. وكانت كلمته جزءا من الاحتفال بالذكرى العشرين لإنشاءIRC ، المركز الذي يمثل صهريج التفكير في السياسة الخارجية، وله مكاتب في البوكيوركو وسيلفر سيتي. وقد أنتج هذا المركز بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية في واشنطن دي سي، سلسلة من المطبوعات عن موضوعات متفرقة تتعلق بالسياسة الخارجية كما تحافظ على قاعدة بيانات واسعة في القضايا المتعلقة بالحدود الأميركية المكسيكية. وقد عمل تشومسكي مع IRC منذ مطلع الثمانينات عندما كانت القضايا المتصلة بأميركا الوسطى في بدايات تأزمها.

وعند سؤاله عما سيتحدث عنه قال تشومسكي: «سأتحدث عن عدة موضوعات، سأتحدث عن النص الحالي للعولمة والمنظمات الاقتصادية التي فرضت بسبب تخطيط الشركات الحكومية فيما بين العشرين والخمس والعشرين سنة الماضية، وعن علاقة ذلك بالحرية والديمقراطية والرفاهية الاقتصادية، وعن أنواع القضايا التي ظهرت في سياتل مثلا».

في كتبه، ومقالاته وخطبه، لم يمثل تشومسكي بشكل نموذجي نظرة مبهجة للعالم الذي نعيش فيه، لكن اللحظات المشرقة مثل مظاهرات WTO أعطته أملا، يقول: «جمعوا قطاعا كبيرا من الناس والمصالح والخلفيات بصورة غير اعتيادية، جماعات نادرا ما تجتمع وتجد أرضية مشتركة، هناك مقترحات بناءة تأتي من قطاعات متنوعة لا أتفق معها جميعا، وهي بالتأكيد تحتاج إلى تطوير ولكنها تشكل أساسا لصيغة بناءة للعولمة... العولمة الشعبية إذ يعمل الناس الذين يحملون القيم والمصالح نفسها على حمايتها وتطويرها، وهذا مناقض تماما لأجندة منظمات التجارة العالمية».

احد مظاهر احتجاجات WTO، التي وجدها تشومسكي مشجعة بشكل خاص، هو دور الانترنت في جمع عدة ناشطين، يقول: «هذا هو سبب وجود سياتل، لو تم الاتصال عبر وسائل الإعلام فلن تكون هناك أي احتجاجات في سياتل، والأمر نفسه ينطبق على أشياء أخرى، يمكن عمل الكثير من الأمور الجيدة من خلال الانترنت. السؤال هو ما إذا كان ذلك سيظل ممكنا إذا ما أصبح التلفزيون بيد الشركات الخاصة، التي لن تكون راغبة بالتأكيد في أن تستغل بتلك الطريقة».

وعلى رغم إعلان الانترنت أداة جديدة لتعزيز الديمقراطية منذ بضع سنوات فقط، فإن هناك إشارات ضخمة عن تحكم المصالح التجارية في الانترنت، يقول تشومسكي: «في السنوات الأولى للانترنت، كان مصطلح (الطريق السريع للمعلومات) هو الكلمة المثيرة، ولكن ذلك المصطلح سقط فجأة وأصبحت الكلمة المثيرة الآن هي (التجارة الالكترونية). وهذا يعني الكثير، فالطريق السريع للمعلومات هو تماما ما لا تريده القوى المتحدة، أما مصطلح التجارة الالكترونية فيعني التصاق هذه الشركات بالانترنت وتمكنها من بيع أشياء للناس، وهذا تماما ما تريده هذه الشركات».

ولكن تشومسكي لا يرى أن التحكم في الشبكة أمر حتمي، ويفسر ذلك قائلا: «لا شيء حتمي، إن فكرة إبقاء الانترنت وسيلة حقيقية للاتصال والتفاعل والتنظيم الديمقراطي وما إلى ذلك، هي فكرة يمكن تطبيقها، وفي النهاية فإن هذه ملكية عامة». بكلمات أخرى فإن الانترنت لا يجب أن يأخذ مسار الراديو والتلفزيون نفسه، ويعتقد تشومسكي بأن الصراع للحفاظ على مدخل عام وتحكم في الانترنت أصبح قضية مركزية لأولئك الذين يقدرون الديمقراطية في أميركا.

انتقاد الناقد

لا يعد أمرا مثيرا للسخرية على الإطلاق أن تكون أفكار تشومسكي السياسية مهمشة في الولايات المتحدة، فلايزال يعامل باعتباره ملكية ثقافية في أوروبا واليابان إذ يصور بشكل اعتيادي كمتحدث بارز في وسائل الإعلام، ولكن في بلده فعندما تؤخذ أفكاره في الاعتبار (وهو الأمر الذي لا يحدث) يصور عموما بأنه صاحب نظريات وأنه كثيرا ما يتبجح بنظرية المؤامرة. وينتقد النقاد تشومسكي لوضع مجادلاته على أساس عينات أدلة منتقاة، وبأنه يبالغ في قضيته، وانه يهاجم بطريقة نسبية أكبر، تميل إلى الجناح اليساري وتفضيله على الجناح اليميني، وبأنه فشل في تقديم بدائل عملية كافية لاستبدال المؤسسات الموجودة.

ولنكون منصفين فقد قال تشومسكي مرارا إنه يجب ألا يقبل أي احد بشكل أوتوماتيكي تحليله عن الرأسمالية الغربية، وإنه يقترح فقط على الناس أن يكتشفوا بأنفسهم من خلال الاستعلام العقلاني، سواء كان وصفه للعالم دقيقا أم لا. وما يسميه منتقدوه نظرية مؤامرة، يطلق عليه تشومسكي «تحليلا مؤسساتيا». وقد وثّق بدقة في عشرات من كتبه التطورات التاريخية والانتهاكات التي قادت إلى الديمقراطية المتحكم فيها من قبل الاتحادات غير النقية التي يتمتع بها الأميركان.

قد نتفق أو لا نتفق مع نظرياته السياسية، ولكن نعوم تشومسكي يثير دائما ذلك النوع من الجدل الحي الذي يكشف الأمور وهو الجدل الذي لا نجد الكثير منه في هذا البلد. في اللب، هو ابن التنوير، وهو ديمقراطي راديكالي ومن أصحاب الحركة الإنسانية الذين يعتقدون بإخلاص بأن الحرية والديمقراطية لا تطور حياتنا فقط ولكنها قد تكون في الواقع ضرورية لبقاء النوع البشري. وهو يعتقد بشكل شخصي أن أي مجتمع مؤسس بالكامل على تجارة الأرباح والمكتسبات مقرر له أن يدمر نفسه، وهي قناعة - بغض النظر عن موقع الفرد في الطيف السياسي - يمكن أن تكون جديرة بأن تعطى بعض التفكير الجدي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً