سيكون أمام أيّ صوت يُطالب بالتصدّي للمخرّبين والذين يثيرونَ القلاقل والإضطراب الأمني في القرى أمرين: إمّا أنْ يلقى وبال أمره بهجوم لفظي ويدوي وجماعي يسقطه إسقاطا سيئا - حتى ولو كان صوتُه أو دعوتُه معتدلة وذات معنى -، وإمّا أنْ يُحارب ويتهم بالعمالة والولاء للحكومة!
عدا ذلك، ليس من المهم أنْ تنظر الشريحة الكبرى من الشباب الذين يُمارسون الأعمال العنيفة، أنّ مجرد حرق الإطارات وحاويات القمامة والأخشاب ومخلّفات القمامة والصناديق الورقية في طرقات القرية ليس إلاّ اضرار بأهالي القرية ذاتها! والدليل على ذلك، أنّ الكثير من الحرائق تترك من الليل حتّى صباح اليوم التالي.. مشتعلة تتطاير منها ألسنة اللهب الدخان لتضر أوّل ما تضر الأهالي من الجيران!
هذه هي الصورة الأولى، أمّا الصورة الثانية المتصلة اتصالا وثيقا بسابقتها، فهي الطريقة التي تتعامل بها قوّات مكافحة الشغب! ففي الوقت الذي يُطالب فيه الكثير من المواطنين في مختلف القرى علماء الدين والقيادات والناشطين؛ لأنْ يكبحوا جِماح أولئك الشباب، وكثير منهم من صغار السن من طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية، وأحيانا صبية صغار من المرحلة الابتدائية كما نشاهد بين الحين والحين، يرفضون أيضا الاستخدام المُفرط للقوّة من جانب قوّات مكافحة الشغب، وبعض المسئولين الأمنيين الذين يتصرّفون في كثير من الأحيان لإصدار قرارهم من دافع شخصي محض، فيما يجمع الأهالي على أنّ استخدام الرصاص المطاط والغازات المسيلة للدموع والتي تعارف الناس عليها، على أنها عقاب جماعي، هو أمرٌ لا يمكن قبوله أبدا، وأن على المسئولين بوزارة الداخلية أنْ ينظروا الى أمرين أيضا: احترام المسيرات والاعتصامات السلمية التي يطرح فيها المشاركون مطالبهم بكلّ أمان وحرية وفقا للقانون وعدم إرهاب الناس والهجوم على المسيرات والاعتصامات بوحشية، خصوصا تلك التي تنفجر من أعماق بعض عناصر مكافحة الشغب من غير البحرينيين، أمّا الأمر الثاني فهو إبداء منهجية أكثر عدلا في التعامل مع المتورّطين بحيث يتم إلقاء القبض على الجاني الذي يثبت عليه الحرق والتخريب، أو مجموعة الجناة، وتقديمهم للعدالة؛ لتأخذ مجراها، والابتعاد عن أسلوب العقاب الجماعي والتنكيل بأهالي القرية الداخلين إليها أو الخارجين منها أوقات التوتر، والحذر، أشد الحذر من استخدام العبارات الطائفية والتهديد بقسوة الكلمة التي تضرب في الولاء والانتماء.
لكن، هل يمكن أنْ يُعلن الأهالي كلّ تلك المعاناة بصورة واضحة؟
ذلك صعب للغاية! فمن غير المعقول أنْ يُشارك المتضرر من الأهالي بإبداء رأيه عبر وسائل الإعلام المختلفة، وخصوصا الصحافة؛ ليلقى (وبال أمره)! بل من الصعب أيضا أنْ يتصدّى لأولئك الملثمين ، سواء كانوا من أهالي القرى أم من خارجها أم من الميليشيات المسلحة، محاولا الحديث معهم وردعهم؛ لأنه ليس هناك إلا جواب واحد: العنف، من أيّ فئة كانت!
ظلم كبير للمواطنين
ليس من السهل التحدّث مع أهالي القرى بسهولة، لكن هناك مَنْ يعبّر عن رأيه فعلا عمّا يجري، فهذا الشاب الجامعي (...) يُؤمن تماما بأنّ المشاركة في أيّ نشاط أو مسيرة أو اعتصام منظم من قبل المجلس العلمائي أو اللجان المعتبرة، هو أمر محبب، وأنّ مواصلة المطالبة بالحقوق، هي من الأمور التي لا يمكن أنْ ترقى الى مرتبة الشك او الرفض، لكنني شخصيا لا أعتقد أنّ ما يجري في القرى صحيحا، خصوصا في قريتنا.. الديه! فهناك حالة من الفوضى المُريبة والإصرار المتعمّد على الإضرار بالأهالي وأصحاب المتاجر والمطاعم في القرية بصورة سيئة للغاية، فنحن لا نعرف مَنْ يكون أولئك الملثمون؟ أحيانا هم من أبناء القرية، لكن في أحيان أخرى هم ليسوا كذلك؟ وفي كلتا الحالتين فإننا أمام وضع سييء للغاية.
ويشير الى أنّ قوّات مكافحة الشغب حينما تصل الى المنطقة فإنها لا ترحم! ولا أدري إنْ كان الضباط أو المسئولون عن هذه المجموعات يدركون أنّ هناك أبرياء لا علاقة لهم بما يجري، أم أنهم يتعمّدون إغراق المنطقة بمسيلات الدموع! وإلا بالله عليكم، كيف تقوم مجموعة من خمسة أشخاص بحرق عدد من الإطارات، فتصل اللواري (الشاحنات) محمّلة بأعداد كبيرة من عناصر مكافحة الشغب، ويبدأون في اطلاق مسيلات الدموع بصورة تشعرك بأنك في غزّة أو أريحا! كيف من أجل معاقبة خمسة أشخاص، يتم معاقبة الآلاف بلا ذنب!
ويستدرك بالقول :»علمتُ بأنّ هذا الموقف هو موقف متعمّد.. أي، من أجل تأليب المواقف في القرى على أولئك المشاركين في التحريق والتخريب، يتوجّب عقاب كلّ أهل القرية حتى ينقلبوا عليهم! وهذه فكرة غير صائبة! بل تعكس ضعف الجهاز الأمني في التعامل مع مثل هذه الحوادث، وفيها ظلم كبير للمواطنين.. هؤلاء مواطنون أيضا لهم حقوق».
الصبية يدّمرون القرى
ويرفض مواطن آخر من القرية ذاتها، تلك الممارسات التي يقوم بها بعض الصبية من الصغار، فيوضح أنه في إحدى المرات شاهد اثنين من الصغار وقد تلثما بقميصيهما، وهما يجران بعض الأخشاب ويضعانها في ممر في القرية ليشعلا فيها النار، وما أنْ وصلتُ إليهما ونهرتهما عن ذلك، حتى عادا بعد قليل مع ثلاثة من الشباب، وطرقا باب منزلنا وأبلغاني بأنه إذا عدتَ مرة أخرى لمنعهما فـ :بتشوف نصيبك! وأنا في هذه الحالة، لا أعتقد أنني سأكون شجاعا ومواطنا صالحا؛ لأنني في النهاية، سأخسر مستقبلي وحياتي فلا أعلم مَنْ هم أولئك ولا أعلم ما الذي بوسعهم فعله للانتقام منّي.
وكما تعلم، وعلاوة على وضع السوق والكساد، فإنّ أصحاب المطاعم والمحال التجارية في شارع الديه يعانون الأمرّين، والسبب في ذلك ليس لقوّات مكافحة الشغب، تلك القوات تساهم في إلحاق الضرر بهم بعد الضرر الأوّل، وهم مَنْ يقومون بإشعال الحرائق عند مدخل القرية وعند الإشارات الضوئية ويلوذون بالفرار!.
مطالبنا مشتركة، لكن أسلوبهم همجي!
وتشكك «أم محمد» وهي من سكنة منطقة الزنج في أهداف أولئك الملثمين، فتشير إلى أنها ذات ليلة كانت عائدة من توفير احتياجات المنزل وشراء احتياجات الأطفال من مخبز على شارع طشان، وأثناء عودتها، فوجئت بحاوية قمامة مشتعلة تعترض الشارع بشكل مفاجئ فكادت تسبب حوادث مريعة لولا لطف الله! وكان معظم مَنْ في السيارات في تلك اللحظة من العوائل، فتخيّل كيف ستكون المأساة لو وقع حادث!
وليس هذا فحسب، بل نزل حوالي خمسة من الصبية الملثمين وصاروا يصرخون في أصحاب السيارات :»تحرّكوا ألعن (...).. بسرعة تباعدوا أحسن ليكم لا ألحين يصير كذا وكذا يا.. «، والشتائم لم تتوقف وبكلام بذئ يخلو من أيّ أدب أو احترام ويدل على قلّة تربية أولئك الهمج..
وتقول :»نعم مطالبنا مشتركة، ولدينا أهداف، وسنواصلها، لكن لا نتفق مع هذا الأسلوب الهمجي الذي يعرض أمننا للخطر.. ثم ليعلموا جيّدا، أنّ الحكومة لا تكترث لهم، ولا لحرائقهم ولا لمطالبهم بهذه الصورة، إنما ترسل سيارات مدججة بالرجال والسلاح ليمطروا القرى بمسيلات الدموع وبدم بارد، وليتم اعتقال البرئ والمذنب.. نحن نطالب علماء الدين بوضع حد، على ألا تكون بياناتهم وخطبهم ممجوجة.. نعم، الحكومة مقصّرة مقصّرة، وأسلوب البيانات الترقيعية الذي يضع سؤال وجواب الشرط ليس صحيحا.. يجب انتقاد الحكومة على حدة، وانتقاد ممارسات الشباب على حدة، فلو وقعت مع أطفالي في تلك الليلة في حادث وتعرضت حياتنا للخطر، هل سأستفيد حينما تصدر جهة ما بيانا تقول فيه :»إننا نشجب الحادث الذي وقع بسبب ممارسات بعض الملثمين وتسبب في الإضرار بحياة مواطنة وأطفالها، (لكننا) نلقى اللوم على الحكومة بسبب تعنتها أو ما شابه.. هذا الكلام لا يؤثر بل يشجّعهم على المزيد».
اللوم على أولياء الأمور
ويعترف (...) وهو من أهالي قرية كرانة بأنه لم يعد يرضى بالممارسات التي يقوم بها بعض الشباب، خصوصا أنّ الحرق والتخريب صار مختلفا من ناحية التوقيت والنوعية، ما يجعلك تشك في أن هناك الكثير من الملثمين المتنوعين الذين يحرقون في القرى!
فعلى سبيل المثال، كان بإمكان قوّات مكافحة الشغب التي كانت تقف عند مدخل القرية، الإسراع في القبض على مجموعة من الملثمين التي أحرقت الأخشاب ولاذت بالهرب! ولم تتحرك تلك القوّات إلا بعد أنْ اضطرب الشارع.. وكأنهم في انتظار بدء مفعول تلك الحرائق، وهذا انتقاد نوجهه الى المسئولين بوزارة الداخلية لمراقبة أداء قوّات مكافحة الشغب وهذا من حقنا كمواطنين.
ويلقي باللائمة على أولياء أمور بعض الشباب والصبية الذين لا يعرف أهاليهم أين يذهبون وماذا يفعلون؟ فكثيرا ما سمعت من بعض الشباب كيفية التفاخر والتباهي بين بعضهم بعضا في حرق حاوية قمامة أو محاولة إشعال النار في الإشارة الضوئية، بل أنّ بعضهم، بجهل وقلّة دراية، يعرّض حياته وحياة غيره للخطر من دون مبالاة! فذات مرة، كنت أحاول الدخول الى القرية لأرى أحد الشباب ومع مجموعة من ثلاثة أو أربعة، صب هو البنزين على كمية من الأخشاب واشعل آخر النار وولوا هاربين في حين كانت (دبة البلاستيك) التي سكب منها البنزين تشتعل فيها النار وهو يركض بها حتى صرخ أحدهم: افلت الدبه..افلت الدبه! وفعل ذلك، لكنها سقطت أسفل سيارة أحد المواطنين، ولولا أنّ بعض الشباب الموجودين هناك والذين سارعوا بإلقاء كمية من الرمل عليها لكان الوضع أكثر سوءا.
المطالب السلمية مستمرة
ويقول :»نحن لسنا ضد الحركة المطلبية، وهناك قضايا كثيرة في البلد يجب أنْ تضع لها الحكومة حدا، سواء المتعلقة بالتقرير المثير، أو بالفساد المالي والإداري، أو من خلال الأبواق الموالية للحكومة التي تندد بالطائفة وتطالب بإقصائها من المجتمع ومن تلك الأبواق نواب وبعض الشخصيات ذات المصلحة الشخصية، بالإضافة الى ما تبثه إحدى الصحف من سموم ضد شريحة كبيرة من المواطنين يوميا، وبشكل منظم، وكلنا نعلم أنها حكومية وأنّ الواجب على الحكومة إيقافها، لكن هذا لا يعني أنْ نحرق أنفسنا بأنفسنا.. في بعض الحالات، أتخيّل ما يقوم به بعض الشباب مشابها لبعض الممارسات التي يقوم بها البعض في الغرب.. فتجد طالبا يحرق نفسه أمام الجامعة مُعترِضا على بعض الأنظمة في الجامعة! نعم، لدينا مطالب، والمجتمع السلمي نشط فيها، لكن العمل العنيف والحرق والتخريب لم تعد مناسبة! فمؤيّدوها لا يكادون يذكرون، وبيانات الرفض والإستنكار والتنديد بأعمال العنف مستمرة وتصدر من جهات مُعترف بها، وهذا كله يعني أن تلك الفئة من المخربين ليست من أصحاب المطالب الوطنية المشروعة ولا من المطالبين بمصلحة الناس، بل هم عصابات تحاول النيل من استقرار المجتمع لتنفع جماعات تتبع التقارير المثيرة، وجماعات تريد إلحاق أكبر ضرر بأهالي القرى، وهذا أمر واضح للجميع، وإنْ أنكره البعض منّا».
صمت الشخصيات المهمّة
ويريد أهالي القري من الشخصيات المهمّة أن يكون لها دور من خلال موقف وبيان واضح وعملي، وليس موقفا يظهر على استحياء لإيقاف أولئك الشباب الذين ليس لديهم عمل إلا التحريق كبرنامج لتفريغ الغضب، فيأتي الغضب على الجميع، وينال الأهالي كلّهم العقوبات، كما حدث للطفلة فاطمة في سترة والتي كادت أنْ تموت بسبب مسيلات الدموع وغيرها الكثير الكثير من الأطفال وكبار السن، فتلك الشخصيات التي لها كلمة مسموعة لا تزال صامته، وبعضها يعلن :»لست أنا مَنْ دعاهم لذلك، فكيف تريدونني أنْ أمنعهم»! فهذا الكلام يشجّع على استمرار الحملات المجهولة على القرى من جانب فئات الملثمين سواء من الشباب المُغرر بهم أم من الميليشيات المسلحة وفي الحالتين، فإنّ المتضرر هم أهالي القرى، فالواجب على القيادات والشخصيات المؤثرة التحدّث وإيقاف هذه الأعمال حتى يتم اكتشاف من هم المخربون الحقيقيون الذين يريدون تقويض أمن البلد.
من جهة أخرى، على الدولة أنْ تتعامل بصورة أكثر عدالة! وكما يُطالب الوجهاء وتطالب الشخصيات بعدم ترك الأمور لمسئولين أمنيين أجانب هم أصلا يريدون الانتقام من أهالي القرى لعدّة أسباب منها الموقف من التجنيس وغيرها من القضايا، بل حتى يُوجد من المسئولين الأمنيين البحرينيين مَنْ لا يصلح للتعامل مع الأحداث التي تشهدها القرى من اعتصامات ومسيرات سلمية فيحوّلها - بقصر نظره - الى مواجهات سيئة، لذلك، يتوجّب إيقاف العقاب الجماعي، ومراقبة ومجاسبة عناصر مكافحة الشغب الذين ينكلون بالمواطنين طبقا لانتمائهم المذهبي، ولإفراغ شحنة غضب من الكراهية، فهذه الأمور لن تجلب الهدوء، من ناحية أخرى، فإنّ التعامل مع المتورطين بما يكفله لهم الدستور والقانون والحقوق، هو الأساس، وليس بالتعذيب والإهانات المذهبية تارة، والتشكيكية تارة أخرى.
العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ