العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ

الوثيقة الصينية رقم 1

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

أجاب مينسيوس، وهو فيلسوف صيني قديم، عندما سُئل عن كيفية إدارة بلد من البلدان، فقال: «إن الممتلكات المضمونة في اليد تؤدي إلى السلام الذهني».

حكومة الصين المركزية، وهي تواجه المهمة الهائلة المتمثلة في بناء مجتمع متجانس وتنمية وطنٍ بطريقة متوازنة، أصدرت الوثيقة المركزية رقم 1، وهي أول توجيه سياسي رئيسي تصدره هذا العام. الوثيقة غير مسبوقة من حيث اهتمامها بالحقوق المتعلقة بالأرض وحجم التفصيلات التي توليها للتوجيهات المحددة فيما يتعلق بحماية حقوق الأراضي لـ700 مليون من سكان الريف الصيني.

هذه الوثيقة هي استجابة بكين القوية حتى الآن للحقيقة المقلقة المتمثلة في أن المزارعين الأفراد وحقوقهم في ملكية الأرض ما زالت غير مأمونة على الرغم من مضي ربع قرنٍ على تفكك المزارع الجماعية، الأمر الذي أدى إلى تثبيط الاستثمارات الضرورية في تحسين الأراضي وكذلك إلى المصادرات العشوائية والتطويرات المدنية غير المسئولية التي تتم بحق تلك الأراضي.

إن معظم الثروة الهائلة التي خلقتها الإصلاحات في الصين على امتداد العقود الثلاثة الماضية لم تشمل فائدتها الريف الصيني. كما أن عدم الأمان الذي يشعر به المزارعون بالنسبة لحقوقهم في الأراضي يؤخر التنمية الزراعية ويؤثر تأثيرا كبيرا على راحة بال المزارعين. ففي الشهور التسعة الأولى من العام 2006، وقعت 17000 حالة من حالات «الاحتجاجات الريفية الجماعية» (وكثيرا ما كانت تتسم بالعنف) وفق ما ذكرت المصادر الرسمية، وتناولت نحو 400000 مزارع.

وباتساع الفجوة بين التطوير الحضري والريفي، فإن أكثر من 200 مليون مزارع قد هاجروا إلى المدن وبالأخص إلى المناطق الساحلية المتطورة، باحثين عن حياة أفضل. وهنالك أيضا أشكال أخرى من هذا «الزلزال» ناتجة عن النمو المتفاقم لجموع كبيرة من «السكان العائمين» كما تبين أخيرا في ذلك الجمع المسموم بين الكوارث الطبيعية وشلل وسائل النقل.

في معظم الحالات، فإن الحكومة المركزية ليست ملومة عن شعور المزارعين بفقدان الطمأنينة وتراجع القطاع الزراعي، فقد تم في الماضي إصدار سلسلة من التشريعات على المستوى الوطني لتقوية حقوق المزارعين في ملكية أراضيهم منذ عقد التسعينات من القرن الماضي.

المشكلة تعود إلى التطبيقات على المستويات المحلية: ذلك أن حقوق المزارعين في الأراضي تتم «إعادة تحويلها» بصورة غير قانونية على أسس من تغير مواطن ساكنيها، وتُعطى إلى «مُطوّرين من الخارج»، أو تُأخذ من الكوادر الرسمية وتباع بأرباح فاحشة إلى المستفيدين منها من خارج القطاع الزراعي. ولسوء حظ مضاعف، فإن الحكومات المحلية تمارس سلطات تكاد تكون غير مقيّدة لمصادرة الأراضي الزراعية لصالح التطوير الحضري مع دفع تعويضات شحيحة جدا وغير كافية لملاكها من المزارعين.

آخذين في الاعتبار هذه الخلفية، فإن معظم الثروات الطائلة التي حققتها إصلاحات الصين على امتداد العقود الثلاثة الماضية لم ينتقل أثرها إلى الريف. وقد تبين أن نسبة مداخيل المدن والريف وفق الأرقام الرسمية قد ساءت بحيث أصبحت 1:3.28، حتى من دون أن نأخذ في الاعتبار المزايا الاجتماعية الكثيرة المتوافرة لسكّان المدن. فمن دون حقوق ملكية مضمونة يمكنها تشجيع المزارعين على القيام باستثمارات طويلة المدى ترفع من الإنتاجية في الأرض، سيختار الكثير منهم العمل في المدن.

لا يحتاج المرء لأن ينظر بعيدا لكي يجد أمثلة معاكسة: بعد اليابان، أتمت كوريا الجنوبية وتايوان إصلاحات الأراضي في فترة ما بعد الحرب، وأكدتا على حقوق المزارعين في أراضيهم. ونتيجة لذلك فقد تقدمت اقتصاديات الريف تقدما هائلا، الأمر الذي أنتج ريفا يتمتع بالثراء، والذي تمكن في المساعدة من الحد من الهجرات الجماعية إلى المدن، بحيث امتدت تلك الهجرات على امتداد جيلين أو أكثر.

الوثيقة المركزية لعام 2008 ترسل الآن إشارة قوية بوجوب التغيير، مؤكدة حقوق المزارعين في أراضيهم بطريقة شاملة وجذرية على غير المعتاد. ومن أبرز ما جاء في تلك الوثيقة: أن على الحكومات المحلية تطبيق الأنظمة تطبيقا دقيقا بحيث يُمنع إعادة التحويل وسلب حقوق المزارعين في أراضيهم وبيعها لشركات التطوير غير القروية. ولن تتم الموافقة على أية اقتطاعات للأراضي من قبل الحكومات المحلية ما لم - وإلى أن - يُأخذ في الاعتبار جميع إجراءات الحماية الضرورية، وما لم يعتبر التعويض كافيا وأن يُسلَّم بالكامل إلى أيدي المزارعين المتأثرين، وإيجاد شبكة أمان اجتماعي. ولأول مرة، فإن الوثيقة المركزية تدعو إلى إقامة نظام تسجيل لحقوق الأراضي الريفية والذي يعطي ضمانا إضافيا وآمنا للمزارعين.

إن تطبيق هذه السياسات ستقابل بمقاومة محلية شديدة، وسيتطلب تطبيقها التصميم والتفكير الخلاّق لعمل ذلك. يجب أن تترتب على تقصير الموظفين المحليين نتائج جدية، بما في ذلك العزل من المراكز الرسمية وفرض الغرامات وحتى تعريضهم لتبعات قانونية مدنية، أو حتى جنائية.

ويجب كذلك إيجاد رقابة مستقلة وشاملة حول التقدم على المستوى المحلي، مع أنه ليس من العملي وجود فرق تفتيش في كل مكان. خيار آخر هو خلق قنوات مثل الخطوط الساخنة والتي يستطيع المزارعون بواسطتها الإبلاغ عن أية مخالفات قد تحدث بالنسبة لحقوقهم. ويجب تشجيع وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني على المستوى الشعبي بمراقبة الأوضاع وتقديم تقاريرهم بحرية.

وأخيرا، وعلى المدى المتوسط، يتوجب إقامة نظام قضائي يكون مستقلا استقلالا كافيا وقريبا من الحدث، جنبا إلى جنب مع تقديم خدمات نصح قانونية إلى المزارعين.

الاستنتاج الواضح من هذه الوثيقة المهمة هو أن بكين تعني بشكل قاطع أن تكون جادة في تأمين حقوق المزارعين في أراضيهم. فهل سيتبع ذلك تنمية شعبية و»سلام ذهني»؟

*خبير قانوني في معهد التنمية الريفية في بكين،

والمقال ينشر بالاتفاق مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً