العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ

عذرا هذا ليس لك! إنه لأمي وأبي

قد أسطر كل يوم 1000 كلمة في مقال وينشر في الصحيفة... ولكن أن أكتب في حب أمي وأبي فلن تكفيني أي صحيفة! كل تلك الكلمات التي بداخل رأسي تشابكت فأيهما تنطلق أولا لتكون جملة مفيدة، إذ يعجز لساني عن التعبير عندما يسألني أحد ماذا يعني لك والداك؟ أقف حائرة: ماذا أقول؟ يطول تفكيري، إذ تمر بذاكرتي كل لحظة عشتها ومازلت أعيشها معهما (أطال الله في عمرهما)، ثم لا أجد كلمة تعبر عن كل ما في الذاكرة، فتجدني مبتسمة، ولكن الدموع تغمر عينيّ وأقول: أماه... أبتاه لو كان عمركما بيدي لزدته ولو كان فيه فنائي.

عندما كنت طفلة كنت أستيقظ منتصف الليل صارخة أماه إني عطشانة. فكانت تستجيب بصدر رحب وتأخذني لشرب كأس ماء أعتقد أن لو سقتني إياها يد أخرى، لما رواني.

أما كيف شكرتها على هذه الكأس، فالندبة في رجلي لن تنسيني ذلك، إذ طلبت مني في يوم كانت تتناول فيه طعام الغذاء أن أجلب لها كأسا من الماء، فتجاهلت قولها وركضت نحو غرفتي لأنام بعد يوم دراسي متعب، إلا أنها لم تتفوه بكلمة واحدة، بل إن الله أرسل لي عقابا... إذ كسرت كأس ماء في رجلي وأنا أركض متجاهلة طلبها. إلا أنها فزعت من صراخي وتألمي، ورمت طعامها وضمدت جرحي وهي تبكي لبكائي. تلك أمي.

أما أبي فهو الشجاع، المكافح، الصبور، الحنون، العضيد، أماني وطمأنينتي في الدنيا، بل هو كل ما يعنيه لك اسم «عباس». لست أنسى أنه عندما يزورني حلم مخيف في منامي فأول شخص ألجأ إليه يكون أبي، فذراعاه القويتان كانتا تذهبان الخوف عني، وتشعران قلبي بالسعادة، بل إن دفء صدره كان يبعد عني كل حلم يخيفني، ولا أجد فيه إلا كل ما يفرحني.

عندما كنا صغارا كنا نفرح عندما يأخذنا معه إلى السوق. فهو لن يرفض أي طلب لنا، وكنا نأخذ ما نريد من دون أن يردنا، وهو اليوم يقوم بالشيء ذاته مع أبنائنا، إذ لم يبخل عليهم يوما بشيء. ليس هذا فقط. كنا عندما نذهب لشراء ملابس العيد، كنا دائما نختار ما بخاطرنا ولم نكن نعلم كم هي القيمة، كان يدفعها من دون أن يشعرنا بأن ما طلبناه أثقل كاهله.

تزوجتُ وظل أبي وأمي هما ذاتهما أمي وأبي بكيت لفراقي عنهما في ليلة زفافي، وكانا أول شخصين شعرت بالحنين إليهما في صباح اليوم التالي، أفرحني صوتهما، إذ كانا أول متصل يهنئاني ويسألان عن أخباري في أول يوم لي في منزلي الجديد ووسط أسرتي الجديدة. وأنا اليوم مازلت ابنتهما، لذلك أحرص كل الحرص على زيارتهما والاطمئنان عليهما كل مساء حتى أنام وهما راضيان عني.

تلك هي مدرستي، لن أجد يوما أفضل منها. وتلك هي حكومتي فنحن - كما يقول والدي - نعيش نظاما ديمقراطيا داخليا. فأبي هو الملك وأمي هي «الحكومة» أما أبناؤهما الأحد عشر (نحن) فهم الشعب، علما أننا عشنا ومازلنا نعيش في «المدينة الفاضلة» التي أدعوا ربي صباحا ومساء أن يحفظ لنا مؤسسيها.

العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً