العدد 2550 - السبت 29 أغسطس 2009م الموافق 08 رمضان 1430هـ

في العلاقة العراقية الكويتية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في آخر ردّه على مقال روبرت فيسك، نصح وزير الخارجية الكويتي الصحافي البريطاني بضرورة الرجوع إلى بعض كتب التاريخ. ويبدو أننا جميعا في هذه المنطقة من العالم بحاجةٍ إلى ذلك، فنحن أمةٌ لا تقرأ، ولا تتعظ، ولا تتعلم من تجاربها ومآسيها!

العلاقة التي ربطت الكويت بالعراق كانت متقلبة، وفي فترة الثمانينيات اعتاد النظام السابق على إرسال رجاله لتنفيذ تفجيراتٍ لفرض ما يريده على الحكم الكويتي. ووصل الأمر إلى فرض «استئجار» جزيرة بوبيان تحت ضغط الأمر الواقع لمدة 99 عاما. وهذه السياسة انتهت بغزو الكويت، تحت ذريعةٍ واهيةٍ بسرقة الكويتيين النفط العراقي، بتأييدٍ من بعض الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

سقوط النظام العراقي السابق في 2003، كان فرصة ذهبية لتحسين العلاقات بين البلدين الشقيقين وبدء صفحة جديدة، إلا أن هذا الأمل سرعان ما تراجع لصالح استمرار حالة القطيعة بين البلدين. فهناك من لا يريد أن ينسى من الكويتيين ما جرى أيام غزو بلدهم، مع أنه لم يكن إلاّ فترة عابرة في حساب الزمن.

لعبة الاستعداء المذهبي والشحن الطائفي التي تورّط فيها الإعلام على مستوى الوطن العربي، ساهمت في تعميق حال القطيعة ولكن على أسسٍ جديدةٍ هذه المرة. كما أن الخطة الأميركية لاستدراج الحركات «الإرهابية» إلى الساحة العراقية لقتالها هناك، حتى وإن انتهت إلى كارثة، إلا أنها أسهمت أيضا في تعقيد الوضع بين البلدين، وخصوصا بعد تورّط بعض الكويتيين في التفجيرات هناك.

الأخطر من ذلك بروز تيارٍ متطرّفٍ يدعو صراحة إلى عدم ترك العراق يهدأ ويستقر، على أساس إشغال الجار الكبير بنفسه لكي لا يفكّر مرة أخرى بالتطلع خارج حدوده، وهي نظريةٌ تفنّد كل البكائيات العربية على فقدان العراق، وستدفع حتما إلى سفك مزيد من الدماء.

الفاجعة ليست في سوء تصرف الحكومات فقط، بل تكون أعمق حينما تنزل العداوة إلى الشارع وتأخذ طريقها إلى قلوب المواطن العادي، الخاسر الأكبر في الفتن الطاحنة والحروب. ففي الوقت الذي يصعب على بعض الكويتيين نسيان الماضي، ليس سرا تبرم العراقي البسيط من موقف الجارة الصغيرة، فهو يؤمن أن جزءا من معاناته المستمرة حتى الآن، تعود لمواقف بعض الدول العربية في دعمها اللامحدود للنظام السابق، ثم انقلابها عليه بعد غزو الكويت وما جره من دمارٍ وخرابٍ واسعٍ وحصار.

المتأمل بأوضاع البلدين السياسية، سيصل إلى نتيجة مهمة، وهي أن هناك تيارا يتشكّل داخل العراق يحمل الكثير من الكراهية للعرب، ليس بسبب مذهبي أو طائفي كما يتوهم البعض، وإنما بسبب أخطاء السياسة العربية عبر العقود الأخيرة، التي تشبه قتل القتيل، ثم المشي في جنازته ورفع الصوت بالعويل. وهي حالةٌ مشابهةٌ لما مرّت به الكويت أيضا بعد الغزو العراقي، واصطفاف بعض الدول العربية مع النظام السابق، ما خلق تيارا كارها للعرب، من أجلى مظاهره ما تلمسه من انكفاء الصحافة الكويتية على شئونها الداخلية الصغيرة بعد أن كانت ملء السمع العربي والبصر.

الوزير الكويتي لمح إلى أن معاهدة فرساي ساهمت في ظهور هتلر، ليقول إن «استراتيجية الاسترضاء في مؤتمر ميونيخ في العام 1938 أفضت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية»، وقراءة التاريخ أيضا تقول إنه لولا الشروط المذلة التي فُرضت على الألمان قبل ذلك، لما انتخبوا هتلر الذي وعدهم بالخلاص وعودة أمجاد الرايخ.

قبل أسابيع أثيرت قضية التعويضات على مستوى الحكومة والبرلمان في كلا البلدين. والمؤسف أن هناك عوامل غير محسوبة تزيد حقن النفوس بالأحقاد، أبطالها ممثلون فاشلون، ومطربون تافهون تُرك لهم الحبل على الغارب في تأزيم الأمور. فمع هذه الدرجة من الانحطاط والإفلاس الفني، تتخذ أعمالهم من اللهجة العراقية وأوضاع البلد الشقيق مجالا للتندر وإظهار خفّة الدم. ومن ملاهي التاريخ الذي لا يستفيد من مواعظه أحدٌ بالمنطقة، أن كلّ ذلك يتم على مقربةٍ من أسدٍ جريح

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2550 - السبت 29 أغسطس 2009م الموافق 08 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:04 ص

      اتفق العرب على ألآ يتفقوا

      هذه المقولة صادقة فالاختلاف بين الدول العربية على بعض الأمور التي هي بالنسبه اليهم مستحيلة وصعبة والعداء المستمر لسنوات والامتناع عن المصالحة ومد اليد للآخر هي السبب الرئيسي في ضعف الأمة الاسلامية وتكالب الأعداء من جميع الجهات للنيل منها واضعافها وما نراه في العراق من قتل مستمر بدون توقف يمكن ان ينتقل الى دول اخرى حتى البلد الواحد تعددت فيه الأحزاب والجمعيات والمنظمات واختلفوا في الآراء والمذاهب وأصبحنا كراكب السفينة وسط الأمواج الهائجة والعاتية والمشرف على الغرق. ام محمود

    • زائر 2 | 7:17 ص

      الى الزائر رقم1

      سبحان الله !!! يعني صارت الحكومة العراقية الحين هي الحكومة ((الشرعية الوحيدة)) في الوطن العربي!!!؟؟؟ليش يعني؟لأنها طائفية؟لأنها صارت تمثلك انت و أمثالك؟أتمنى أن تتخلص من النفس الطائفي الكريه في ردودك..و تعمل عقلك و تفكر بموضوعية و تلبس نظارات لكي ترى بعينك الحقيقة لا ما يريده غيرك أن تراه..فكر لن تخسر شيئاَ

    • زائر 1 | 10:50 م

      صدقت

      تسلم ياسيد على هذا ، أن العرب يستعدون الشعب العراقي منذ زمن طويل من خلال دعمهم للطاغوت وإلى الأن من خلال محاصرة الحكومة العراقية الشرعية الوحيدة في الوطن العربي، ومن خلال دعمهم ومساندتهم للإرهاب

اقرأ ايضاً