العدد 2549 - الجمعة 28 أغسطس 2009م الموافق 07 رمضان 1430هـ

جولة ميدانية في بورصة «تزوير العلم»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسبوعين فجّرت النيابة العامة الألمانية في كولون خبرا بحجم الصاعقة. فقد أُعلِنَ عن التحقيق مع مئة بروفيسور في جامعات برلين وهاغن وتوبيغين وفرانكفورت وكولون وليبزيغ وروستوك للاشتباه في «تلقيهم رشاوى مقابل مساعدة طلاب للحصول على شهادات دكتوراه»!

صحيح أن «الإشراف على رسالة جامعية هي مهمة تعتبر جزءا من خدمة عامة، وقبول مال للقيام بذلك أمر غير مقبول» حسب تصريح المدعي العام الألماني غوينثر فيلد إلا أن الأمر أكبر من كونه جنائيا، لأنه تسبّب في هزّة معنوية للمصداقية الأكاديمية.

التورّط لم يقع فيه آحاد من أساتذة جامعيين بل تورّط فيه معهد مرموق للاستشارات العلمية الذي كان السمسار بين الطلاب وأساتذتهم، حيث كان يتسلم نظير ذلك من الطلاب ما بين أربعة آلاف وعشرين ألف يورو، ثم يدفع بدوره ما بين ألفين وخمسة آلاف يورو للبروفيسور عندما يجتاز الطالب بنجاح شهادة الدكتوراه! (راجع كلا من «نوي فستفاليش» ومجلة «فوكس»).

بطبيعة الحال فإن هذه القضية تفتح الباب جدّيا أمام «بورصة العلم المُزيّف والعلماء المُزيّفون». فحين تتورّط مهابط العلم ومنتسبوها إلى هذا النوع من التحايل على العلوم تهتزّ قيم الناس وقناعاتهم بما يُفترض أن يكون هو الصواب حين يُقدّم لهم من أشخاص يُسمّون (علماء).

قبل ثلاث سنوات، تورّط أطبّاء الجيش الأميركي في العراق في أكبر خيانة إنسانية لمهنة الطب، حين شرّعوا لسجّاني معتقل أبو غريب ممارسات تعذيب قاسية، أودت بحياة سجناء عراقيين، ثم أصدروا تقارير طبيّة تفيد بأن حالات الوفاة كانت طبيعية!

وقبل ستة أعوام شرّع الحقوقيون الأميركيون العاملون في إدارة بوش للمحقّقين مع سجناء اعتُقلوا ضمن برنامج «مكافحة الإرهاب» أسوأ تبريرات قانونية. بسببها تعرّض المعتقلون لوسائل تعذيب قاسيّة جدا لانتزاع اعترافات منهم. جرى ذلك بعلم ودراية وشرعيّة القانون.

في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي كتب روجر بايت تقريرا مريعا بشأن الأدوية المُزيّفة. فقد تورّطت شركات أدوية قانونية في تسويق أدوية مُزيّفة أودت بحياة مليون شخص في سنة واحدة، بعد أن تبيّن أن تلك الأدوية لا تتجاوز مكوّناتها الغبار والطباشير!

بعض الأطبّاء هنا وهناك كانوا ينصحون مرضاهم لشراء أدويّة محددة من صيدليات مُحدّدة أيضا، للحصول على عمولات نظير ذلك. كان ذلك يحدث أمام رقابة إدارية ومهنية هزيلة، أو مُجيّرة.

كثير من الشركات المعنيّة بالمنتجات الغذائية والاستهلاكية باتت تستعين بعلماء وأطباء يظهرون على شاشات التلفاز ناصحين من يشاهدونهم لاقتناء أصناف معينة من المنتجات. بعضها لا يستلزم نصيحة طبيّة، لكنهم يفعلون ذلك بغرض التوجيه.

ليس ذلك فحسب، بل إن هذا التزوير بات ينسحب على أمور لا تزيد عن حملات العلاقات العامة الإيجابية منها أو السلبيّة. فالدراسات التي تُوجّهها واشنطن على سبيل المثال عادة ما تنتصر إلى إجراءات الإدارة الأميركية في أغلب المناشط، وتعتبرها صوابا، وخصوصا إذا ما تعلّق الأمر بكارتلات الصناعة، وتُدين دول أخرى إذا ما كانت على خصومة سياسية مع الولايات المتحدة.

فالدراسة التي أعدّها مستشار يعمل لحساب البنك الدولي والأمم المتحدة خَلُصَ فيها إلى اتهام الصين بأنها تجاوزت إنتاجها من القمامة الولايات المتحدة، وبات عليها تخصيص إنفاق يزيد ثمانية أضعاف الوضع الحالي بحلول العام 2020.

أيضا موضوعات حسّاسة كالاحتباس الحراري والتي أضحت تُفتضح من خلالها السياسات الأميركية في مجال البيئة، باتت بعض مراكز الدراسات وخبراء الصناعة يُقلّلون من شأن ذلك الخطر رغم كارثيته على المناخ والبيئة.

فنتائج التوقعات المناخيّة باتت تشير إلى أن الغلاف الجوي سترتفع حرارته بمعدل 1.4 و 11.5 درجة مئويّة في العام 2100 ما لم يقلّل الإنسان من حجم الانبعاثات الغازيّة، لكن تلك التوقّعات يتمّ تفنيدها بتطويع دراسات (علميّة أيضا) لكي تستمر المصانع التي لا تلتزم شروط البيئة في ربحيتها الفاحشة.

هذا بالتأكيد ليس تسابقا في الاجتهاد والبحث، بل هو جريٌ استثماري يدرّ ربحا جيدا لأصحابه. إذا أصبحت معايير العلم بهذه الطريقة في انتهاكها وتوظيفها، فإن أحد أهم القيم البشرية ستتضرّر.

وإذا كان المفكّرون والعلماء يُشكّلون الهويّة الأنصح لهذا العالم، فإن تحولهم إلى سماسرة، ومعاهدهم إلى بورصات، سيعني ذلك أن هذه الهويّة ستؤول إلى التفسّخ والانحلال، ولن يكون هناك ما يدفع الناس للاقتداء بهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2549 - الجمعة 28 أغسطس 2009م الموافق 07 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:04 م

      ويش التقول عن الشركات الوطنية

      علشان يترقه واحد من مافيا المناصب في اغلب الشركات الوطنية( اقصد الكبيرة) اقومون اطرشونهم جامعات او معاهد معترف فيها بس في المريخ في حين القسم يعج بحملت الشهادات من جامعة التى ضد الناجح من ذون جودة(جامعة البحرين في التعليم) المهم يرجع صاحبنا و يقلد المنصب دون اعتراض. واضيف مو شرط الشهادة حتى تحصل على ترقية خصوصا اذا جاء مسئؤل محصن ضد الشهادات وراح يتعمل مع( النفس شكل= سيم سيم بالهندي )بأسلوب راقي و مميز حتى لا يتفاجأ اصحاب الشهادات اذا سحبت عنهم الترقياتللذين لا يحملون شهادة او نفس جودتها.

    • زائر 4 | 2:07 م

      وزراءنا

      عدد حلو من مسؤولينا الله يعلم من وين شهاداتهم .. في أحد يحاسب ؟؟؟

    • زائر 3 | 7:13 ص

      توضيح لصاحب الرد 2

      وزير الدلخلية الايراني الي طلع مزور الشهادةأقبل، ودليل على ان القانون مفعل في ايران استطاع البرلمان ان يقيله ويحجب الثقة عنه وطبعا ايران معصومة عن الخطأ، لكن شتقول عن ديرتي الي حتى مدير ما تقدر تحاسب فيها ولو كان مجرم مثل >>>>ولا تكون جلسة الاستجواب سرية.

    • زائر 2 | 4:14 ص

      وشولون عن وزير الداخليه الإيراني؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      وشولون عن وزير الداخليه الإيراني إلي طلع مزور شهادة دكتوراه من بريطانيا ماشوفك ذكرته ؟؟؟

    • زائر 1 | 3:32 ص

      الجمهور عاوز كده

      برأيي أن العلم والشهادة واللقب العلمي أصبح موضة ( ستايل ) فقط، ولم يعد لهذا اللقب أي هيبة مثل السابق، وخصوصا إذا جالست أو استمعت إلى أحدهم، فأنت نفسك تستطيع أن تميز بين الغث والسمين، والأصلي والمزور. وعلى قول أهل الفن: الجمهور عاوز كده.

اقرأ ايضاً