دخلت تداعيات الانتخابات الرئاسية في إيران أسبوعها الثاني عشر، وهي لا تزال تنكشف عن مزيد من الصور. فهناك مشهد المحاكمات وما يصدر عنها من اعترافات تقول بشأنها قوى الاعتراض (التيار الإصلاحي) إنها فضيحة سياسية و«مفبركة». وهناك مشهد مجلس الشورى الذي يعكس ضمنا بروز «تيار محافظ» يخالف رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد. وهناك مشهد حكومة الرئيس التي تحتاج إلى موافقة البرلمان عليها.
إلى كل هذه المشاهد بدأت تظهر في الأفق البعيد مخاوف سياسية من نمو قوة تيار «المحافظين الجدد» وطموحه للسيطرة على مفاصل الدولة ومصادر الثروة ما يعرض توازن المصالح إلى نوع من الانكسار الداخلي ويؤدي إلى تحكم شريحة من الطفيليات بالقرار من خلال الثنائي أحمدي نجاد- مشائي.
المخاوف بدأت تصدر عن أعلى مراجع التقليد التي انتقدت تلك الاتهامات ورفضت تقبل فرضيات التعامل مع الخارج والتعاون مع الأجنبي والتآمر على الجمهورية. كلام مرشد الثورة في هذا السياق أعطى إشارة سلبية بشأن ما يصدر عن بعض الجهات المتطرفة من اتهامات اعتباطية ضد قوى الاعتراض. وكلام الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني عن مدير مكتب الرئيس (مشائي) واتهامه بالتآمر على الثورة من خلال التشويش على رموزها يؤشر بدوره إلى تشكل تحالفات ضمنية بين الجيل الأول (المؤسس) وتخوفه من طموح الجيل الثاني وطمعه بالهيمنة وبسط النفوذ عنوة على مراكز القرار.
هذه المشاهد المتعارضة في صورها وألوانها تكشف عن وجود اختلافات في الرؤى وأسلوب التعامل مع رموز الجمهورية. فالمرشد يدعم الرئيس بتحفظ. والتحفظ على بعض خطوات أحمدي نجاد يشير إلى وجود مخاوف ضمنية من طموح «تيار» يدفع الدولة نحو «العسكرة» ويعطل دور المجتمع الأهلي (الشارع السياسي) في أخذ موقعه التقليدي في التأثير على قرارات السلطة.
الأمر نفسه ينطبق على رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني وشقيقه صادق لاريجاني. فالأول أبدى تحفظات على أسلوب تعامل الرئيس مع أعضاء المجلس في اختيار حكومته. والثاني اعترض على دعوة بعض المتطرفين إلى محاكمة قادة قوى «تيار الإصلاح» مطالبا بإعادة النظر في النهج المتبع في أصول المحاكمات والملاحقات.
المسألة السياسية الظاهرة في صور المشهد الإيراني تكشف عن وجود خطوط في إطار كل تيار. فالقوى المحافظة منقسمة على اجتهادات متخالفة في رؤيتها للتحولات وهي ليست مجمعة على تأييد تصرفات الثنائي أحمدي نجاد- مشائي (مقاطعة 270 نائبا حفل إفطار دعا إليه الرئيس). والقوى الإصلاحية ليست متوحدة في تصوراتها حتى لو كانت متوافقة على إظهار مخاوفها من خطورة نمو نزعة «العسكرة» بقيادة كتلة «المحافظين الجدد».
اختلاف التوجهات السياسية ضمن الجبهة الواحدة يدل من جانب على حيوية المجتمع وقدرته على الممانعة ولكنه أيضا يشير من جانب آخر إلى حصول تحولات اقتصادية في بنية الدولة. وصعود تيار متطرف في تعامله الدموي مع قوى الاعتراض والمؤسسات الأهلية والمنظمات المدنية يؤكد هذا الاحتمال وربما يشجع على استمرار المحاكمات للتخلص من الجيل الأول.
في حال نجح الجناح المتشدد (المحافظون الجدد) في سياسته ستكون كل مراكز القوى عرضة للاهتزاز بما فيها تلك المواقع التي تؤيد بتحفظ الرئيس وصهره. فالخطر من نمو ايديولوجية التشدد (الاستبداد) لا يقتصر على طرف محدد في الجمهورية وإنما يرجح أن تتوسع حلقاته لتزعزع نفوذ مراجع التقليد انطلاقا من محاصرة مصادر قوتها وتأثيرها المعنوي.
المشكلة في إيران اليوم تتجاوز الأسماء والألقاب ولعبة توزيع المناصب. المشكلة دخلت في طور التحكم بمصادر الثروة ودور الدولة «المركزي» في إنتاج السلطة السياسية. والثنائي أحمدي نجاد- مشائي يمثل حلقة تتوسط عملية الانتقال من مرحلة التنوع (التعدد) إلى مرحلة التمركز (التحكم). وعملية الانتقال حتى تنجح تتطلب كسر قنوات الاقتصاد التقليدي (الحرف، المهن، الصناعات المنزلية، سوق البازار) لمصلحة اقتصاد الريع (الغاز، النفط، الصناعات العسكرية).
المعركة ليست بسيطة وهي قد تتطلب الكثير من المواجهات السياسية في الفترة المقبلة حتى تستقر على قاعدة تبطل التنوع في مصادر الدخل (التعدد في المراجع) وتوحد القرار السياسي في دائرة مركزية ضيقة (العسكرة). وهذه المعركة التي خرجت من الكواليس إلى الشارع بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية تكشف عن وجود متغيرات بنيوية في توازن القطاعات الاقتصادية وظهور نزعة تسلطية تعتمد على مصادر ثروة الدولة (اقتصاد الريع) ضد الاقتصاد التقليدي الذي يرفد مراجع التقليد بعناصر القوة.
المعركة صعبة جدا ويرجح أن تمتد في حال استمر تيار العسكرة (المحافظون الجدد) بالضغط على قوى الاعتراض وجرجرة رموز الجمهورية إلى محاكمات صورية بتهم الفساد والرشوة والتعامل مع الأجنبي. وصعوبة المعركة تتأتى من وجود شبكة من العلاقات التقليدية التي تربط مراجع التقليد بمصادر الثروة وقنواتها المتصلة بقطاعات الإنتاج الريفي والمنزلي والمهني والحرفي (سوق البازار).
هذا الاقتصاد التقليدي شكل في عهد الشاه قوة موازية لسلطة الدولة (الحديثة) حين نجح في إفشال كل خطط ضربه وتفكيكه لمصلحة المركزية الامبراطورية. وبسبب التوازن بين قوة الاقتصاد الحديث (النفط، الغاز، والعسكرة) وقوة الاقتصاد التقليدي (شبكات البازار) تعطلت على الشاه مشروعات السيطرة المركزية التي استهدفت تهميش دور رجال الدين وإضعاف تأثير مراجع التقليد على المجتمع والشارع السياسي.
الاقتصاد المتوازي شكل في عهد الشاه نقطة توازن سياسية بين الدولة المركزية (الاقتصاد الريعي) وبين مراجع التقليد (قطاعات الإنتاج القديمة والمتوارثة) وهذا ما ساعد على نمو قوى الاعتراض في الشارع وصولا إلى الثورة وإسقاط نظام الشاهنشاه. الآن وبعد مرور ثلاثة عقود على تأسيس الجمهورية الإسلامية عاد التنافس بين الاقتصادين إلى التنازع على السلطة السياسية تحت مظلة ايديولوجية متخالفة عن المرحلة السابقة. وبسبب التخالف الايديولوجي يرجح أن تكون المعركة الحالية شديدة التعقيد والتداخل نظرا لوجود شبكة من مراجع التقليد تعتمد على موارد ليست متطابقة في قنواتها المالية. فهناك مراجع تعتمد على مصادر اقتصاد الريع (الدولة) وتدافع مصلحيا عن الثنائي والبعض الآخر يحتفظ بهامش من الاستقلال السياسي عن الدولة لأنه لايزال في موقع الاتصال بمصادر الاقتصاد التقليدي (البازار).
الانقسام بين المراجع واختلاف توجهات رموزها بين مراكز تؤيد «العسكرة» والانغلاق، ومراكز تشجع قوى الاعتراض (التعدد والتنوع) يرسم صورة متعرجة عن مشهد سياسي جديد بدأت معالمه تتوضح على مختلف الأصعدة. فالمعركة ليست بين مجموعة أسماء وألقاب ولعبة كراسي وإنما هي موجة انقلابية سياسية قد تعيد تشكيل هيئة الجمهورية في حال استطاع «تيار المحافظين الجدد» كسر شبكات سوق البازار وتجفيف مصادر دخل المراجع التقليدية وتعطيل دورها المستقل في رعاية المؤسسات والإشراف على تربية الأجيال.
حصول هذا الاحتمال ليس سهلا ولكنه بات الآن في طور التحقق في حال استمرت سياسة «العسكرة» وتسلط شريحة من الطفيليات على مصادر الثروة ومواقع الدولة. فالقوة الحديثة (المحافظون الجدد) باتت تهيمن على قطاعات الريع (النفط والغاز) وأخذت تمتد هيبتها لتشكل وحدة مركزية تمسك بأدوات القمع (المؤسسات العسكرية وأجهزة المخابرات) ما يعطيها أفضلية في التحكم بالقرار السياسي ومناكفة مراجع التقليد وربما مخالفة توجيهاتها في المستقبل.
إشارات المناكفة والمخالفة وتكبير الرأس والتهرب من الاستجابة لإرشادات المرشد والتأخر بتنفيذها والتحايل على القرارات والتوجيهات العليا كلها عناصر قوة ومبالغة في الثقة بالنفس وهي لم تصدر عن فراغ أو عبث. فهذه المناورات التي أبداها الثنائي أحمدي نجاد- مشائي تستمد قوتها من مجموعة عوامل بنيوية بدأت تتفاعل في داخل الاقتصاد الإيراني وهي تحتاج إلى وقت لتنكشف صورتها في المشهد السياسي.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2549 - الجمعة 28 أغسطس 2009م الموافق 07 رمضان 1430هـ
السابع من آيار
كل ما يقال غث ويبقى نجاد في إيران رئيساً والسابع من آيار في لبنان حاكماً .. حتى جنبلاط بصق على حلفائه والحريري عاجز عن تحريك بوصة في الحكومة دون مشورة من يقال أنهم هزموا في الانتخابات
اللي ماعنده شغله .......... السنانير !!
كل يوم تكتن عن شيء لا تفقه فيه و لا تعرف من أمره شيئاً !! تشغل بالك بايران و تعتقد أنه لم و لن يكتب غيرك في هذا الموضوع و لن يصل لمعرفة حقيقة ما يجري في ايران غيرك ، هذا الهوس الدائم بالكتابة عن ايران و محاولة بث الشك في نفوس و عقول من يحب ايران و مساعدة الحاقدين على التنفيس عن مكبوت حقدهم لن ينفعك و أنت تعلم ذلك , لكن من الواضح أنك تعيش مأزق الكتابة في أي موضوع لذلك لم تجد أسهل ولا أمتع من الكتابة عن ايران ، صدق من قال اللي ماعنده شغلة ...السنانير ---------الدر المكنون .
نصبح وتصبحون و ننظر وتنظرون
اعتقد اني استطيع ان اوجه بعض المصطلحات ايضا .. لبعض الأشخاص من قبيل الواهمون الجدد .. الذين يقرأون الامور بما يحلمون ويتمنون .. واقول ان للجمهورية ربا يحميها ففي يوم من الأيام جاء الكون كله وعاد الكون كله خائبا امام مشيئة الله ونريد ان نمن على الذين استضعفوا ..
خائب ظنكم جميعا باذت الله تعالى
انته بس اقعد احسب هالاسابيع الثاني عشر لو التاسع عشر وفي النهاية ما راح اتلافي الا خيبة الظن وخسارة الرهان كما خسره غيرك، واذا كنت ممن يتعظون بتجارب التاريخ فلك ولامثالك خسارة رهانكم على حزب الله
lمشكلة
اقول دور لك موضع غير ........................... وعى فكر موضيعك مافيه موضع