العدد 2549 - الجمعة 28 أغسطس 2009م الموافق 07 رمضان 1430هـ

عرض تحليلي لرأي يحيى الجمل في الدساتير العربية

عيسى جاسم سيّار comments [at] alwasatnews.com

فضلت في تحليلي أن أبدأ مما انتهى إليه فقيه القانون الدستوري البرفيسور يحيى الجمل، والذي حذر في نهاية حواره مع قناة «الجزيرة» في برنامج «بلا حدود» القيادة المصرية والقيادات العربية من مغبة وقوع كارثة لا يحمد عقباها وتمنى أن لا تحدث لأنها إن حدثت ستحرق الأخضر واليابس. لقد كان الحوار شيقا ودسما يصعب على كثير من السياسيين هضمه لأنهم قد يصابون بتوعك سياسي!

لقد عرض الجمل تشخيصا وتوصيفا قانونيا محضا للدساتير العربية وعلاقتها بالواقع السياسي العربي، إذ تجمعت في البروفيسور الجمل - في تقديري - كافة الأبعاد القانونية إذ إنك تستمع إلى فقيه وفيلسوف ومشرع وقاضٍ ومحامٍ في آن واحد ومن خلال ما طرحه الجمل في المقابلة سوف أقوم بعمل مقاربة مختصرة للواقع السياسي العربي عموما والواقع السياسي المحلي خصوصا، وذلك للوقوف على واقع الديمقراطية في الوطن العربي في ظل الدساتير العربية.

لعل المسألة المحورية التي تعرض لها الجمل في المقابلة هو أنه يجب أن توضع الدساتير لخدمة الشعوب وتلبية متطلباتها المتعلقة بالرقابة والمحاسبة للحكام، بالمقابل يجب أن يكون الدستور مقيدا لحرية الحكام في التصرف الشخصي أي أن يكون بعيدا عن الشخصنة والفردية. وأعتقد جازما بأن ما طرحه الجمل في هذه النقطة ينطبق بالمقاس على الأنظمة العربية، حيث تعمد هذه الأنظمة تجيير الدساتير والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وحتى المنظمات الحقوقية وذلك لتحقيق أهداف الحكام الشخصية وأهداف من لف لفهم غير مبالين بحقوق الشعوب، وشعار الحكام العرب هو «البقاء في كرسي الحكم من المهد الى اللحد» وبالتالي استطاع الحكام العرب في الأنظمة الشمولية أو في الديمقراطيات المصممة وفقا لرغباتهم أن يسجلوا أرقاما قياسية عالمية وأولمبية غير مسبوقة في البقاء على كرسي الحكم حتى آخر نفس.

واستطاع بعض الحكام العرب وهم قلة وبذكاء يحسب لهم قراءة التحولات العالمية تجاه الديمقراطية، يضاف إليها قراءتهم الجيدة للدور الفاعل الذي تلعبه الفضائيات والشبكة المعلوماتية في التأثير على الشعوب. وبالتالي فإن هذه العوامل وغيرها لعبت دورا ضاغطا على عدد من الحكام العرب، فعملوا على إعداد دساتير على القياس أسموها تعاقدية وأحيانا توافقية وأدخلوا عليها تعديلات أملتها الظروف الذاتية والموضوعية ولكنها محسوبة بدقة متناهية، بحيث تصبح المؤسسات التشريعية الرقابية والمحاسبية والقضائية أدوات لخدمة النظام السياسي وليست لخدمة مصالح الشعوب، وذلك من خلال الاستعانة بمشرعين باعوا ضمائرهم من أجل المادة وتحولوا إلى «ترزية». وعندما تعرض الجمل إلى التعديلات التي أدخلت على بعض الدساتير العربية منها الدستور المصري والجزائري والسوري، حيث أجريت التعديلات بما يؤمن استلام ابن الرئيس الحكم أو بضمان استمرارية الحكم على الكرسي لأطول مدة أو ربما حتى آخر العمر كما حدث في مصر والجزائر.

ولعل النقطة الهامة التي سلط عليها الضوء الجمل هي الأساليب والكيفية التي يتم فيها الاعداد للعملية الانتخابية وإدارتها في الدول العربية، حيث أوضح بأن الانتخابات في كل الدول العربية بدون استثناء يتم تفصيلها على حسب رغبات واحتياجات الأنظمة العربية، بحيث تفرز برلمانا مطيعا يعمل «بالرموت كنترول». وبالتالي فإن من يريد أن يصل إلى البرلمان يجب عليه أن يعمل تحت عبادة النظام السياسي بغض النظر عن الكفاءة، أما الاشخاص الأكفاء فلن يصلوا إلى البرلمان حتى وإن أرادهم الشارع كما ذهب إلى ذلك الجمل؟

ويتطابق ما ذهب إليه الجمل في هذه النقطة مع ما نشره كاتب المقال منذ أربع سنوات أي قبل انتخابات 2006 في البحرين، عندما كتب موضوع تحت عنوان «الواقعية السياسة هي المخرج الوحيد من الحالة الدستورية في مملكة البحرين»، حيث ذكرنا في المقال آنذاك بأن الأنظمة العربية لن تسمح على الإطلاق للسلطة التشريعية بمراقبة ومحاسبة ومعاقبة السلطة التنفيذية أو الحاكم لأنها ببساطة ضمنت ذلك من خلال الدستور المصمم وفقا لرغبات الحكام. أضف إلى ذلك أن فقيه القانون الدستوري الجمل ذهب إلى نفس المنحنى الذي ذهب إليه كاتب المقال في تصريح له بعد انتخابات 2006 في البحرين عندما أوضح للرأي العام في البحرين بأنه تم تزوير الإرادة الوطنية في انتخابات 2006 من خلال استخدام المال السياسي والمساعدات المادية والعينية التي تقدمها بعض الجمعيات الدينية أضف إلى ذلك تجيير أصوات العسكريين والمجنسين والصناديق العامة من أجل إيصال مرشحي «الرموت كنترول» إلى البرلمان؟

وهنا يحضرنا حوار دار بيننا وبين أحد نواب الشعب الحاليين في أحد مجالس المحرق، وكان الحوار حول الاستحقاق الانتخابي للعام 2010 وعندما بدأنا بطرح وجهة نظرنا بالقول إن العملية الانتخابية للعام 2006 أوجدت برلمانا «خديجا»، وما إن لفظنا كلمة خديجا حتى ثارت ثائرة اثنين من النواب من الذين ينتمون إلى التيار السلفي «الموالي» بحسب ما يصنفهم المراقبون للشأن السياسي، ولكن أحدهم نسى نفسه واعتقد بأنه في إحدى جلسات البرلمان، فأخذ يصرخ ويؤشر برفع نقطة نظام ويريد أن يوقفنا عن مواصلة حوارنا وعندما طلب منه رئيس المجلس ومن يدير الجلسة أن يلتزم الهدوء حتى نكمل حوارنا اشتاط غضبا وأخذ يكيل لنا التهم ويهاجمنا في شخصنا ووصل به الأمر إلى السب!، على رغم أننا لم نوجه له نقدا مباشرا أو كلاما إلى شخصه وكانت وجهة نظرنا عامة وموجهة فقط إلى العملية الانتخابية. لكن هذه هي نوعية النواب الذين تكلم عنهم الجمل، وكما تقول الحكمة «اللي على راسه بطحه يحسس عليها»!، وأجزم أن هذا النائب قد خسر الكثير في تلك الليلة.

وما دار تلك الليلة من حوار مع ذلك النائب، هو نموذج صارخ وفاضح، على أهم ما سلط الضوء عليه الجمل في مقابلته، وهو أن الأنظمة العربية استطاعت وبكل امتياز أن تجير وتطوع كل ما تستطيع يدها الوصول إليه بدءا من السلطة التشريعية إلى السلطة القضائية إلى منظمات المجتمع المدني، وحتى منظمات حقوق الإنسان تم تدجينها في الدول العربية، إذ تم تشكيل منظمات حقوق الإنسان حكومية، وبدل أن تدافع عن حقوق الإنسان أخذت تدافع عن ممارسات النظام السياسي في مجال مصادرة الحريات العامة.

إن ما يبعث على الأمل في نهوض الديمقراطيات العربية من كبوتها أو ربما من سباتها هو ما طرحه الدكتور الجمل في نهاية المقابلة عندما قال إنني استشعر حراكا مجتمعيا وقد علق على ذلك محاوره أحمد منصور عندما قال «حذار فتحت الرماد اللهيب»، فالجمل قد حذر الأنظمة العربية من لهيب الشعوب الذي قد لا تراه العين المجردة، ولكن عندما تلمسه تشعر بحرارته، وكلما زادت الأنظمة العربية في تعنتها وتجاهلها لحقوق الشعوب في العيش الكريم وتضييقها الخناق على الديمقراطية، كلما ازداد الرماد سخونة وقد ينشق الرماد عن لهيب مدمر. كما ذهب إلى ذلك الجمل محذرا الأنظمة العربية من نتيجة الاستمرار في سياسات تحجيم وتدجين وتجيير الديمقراطية ووسائل تكميم الأفواة بحجة الحفاظ على الأمن تارة أو بحجة مكافحة الارهاب تارة أخرى!

إن مشروعات الاصلاح السياسي العربية الشكليه منها أو الوهمية، لن يكتب لها النجاح ما لم تتسم بالأمانة والمصداقية والشفافية والنزاهة الوطنية وأن تبتعد الأنظمة العربية كل البعد عن السياسات الممنهجة في تزوير الإرادة الوطنية لشعوبها وبالذات خلال العملية الانتخابية وفوق كل ذلك يجب أن تلبى الأنظمة العربية مطالب الشعوب، فالشعوب هي التي تنتخب الحكام ونواب الشعب وليس العكس وبالتالي هي التي تراقب وتحاسب هؤلاء الحكام والنواب، ويقول قائل إن الحكام العرب سيستمرون على كرسي الحكم إلى آخر رمق، ومن ثم يأتي بعدهم من يعينونه سلفا شاء من شاء وأبى من أبى والجواب بسيط هو أين ذهبت وولت الامبراطوريات والدول العظمى والدكتاتوريات.

وأقول هنا للأنظمة العربية اتعظوا بما يحدث حاليا في إيران من أحداث فما يحدث في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من احتقان سياسي غير مسبوق منذ قيام الثورة في العام 1979م هو نتيجة لتراكمات وترسبات تم تجاهلها وتغطيتها لأكثر من ثلاثة عقود!، وهنا يحضرني بيت من الشعر يقول: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.

إقرأ أيضا لـ "عيسى جاسم سيّار"

العدد 2549 - الجمعة 28 أغسطس 2009م الموافق 07 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:13 ص

      تحليل واقعي ونهايته رأي غير واقعي

      عزيزي الكاتب عندما تحاول أن تحلل موضوعا أو فكر أبتعد قدر المستطاع عن الخيال و النزعات الشخصية فلا تميل كل الميل فتهلك. بدأت تحليلك بالواقعية و حكمته بالعقل ولكن أنتهيت بالميكافيلية وحكمتها بالعواطف.

اقرأ ايضاً