العدد 2546 - الثلثاء 25 أغسطس 2009م الموافق 04 رمضان 1430هـ

تجارة المياه في العالم

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في حديث خصت به مؤخرا وكالة «انتر بريس سيرفس» شددت كبيرة مستشاري رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة لشئون المياه موود بارلو، على ضرورة «حماية المياه كحق من حقوق الإنسان الأساسية»، مؤكدة على أن ثمة «حاجة ماسة لمعاهدة أو اتفاقية دولية بشأن حق الحصول على المياه، وذلك للبت بصورة نهائية وقاطعة في عدم شرعية حرمان أي إنسان في العالم من الماء بسبب عجزه عن شرائه».

مما لا شك فيه أن بارلو وهي تتحدث عن هذه الظاهرة الخطيرة تضع أمامها ثلاثة مسائل:

الأولى النداء الصادر عن ملتقى أسبوع المياه الذي أنهى أعماله في الأسبوع الأول من شهر أغسطس/ آب 2009، في مدينة استهوكهولم والذي ناشد المشاركون فيها المجتمع الدولي وصانعي القرار السياسي والاقتصادي، بالسعي عمليا الى «حل مشكلة الحصول على المياه، ولكن ليس على حساب الفقراء، إذ يجب التعامل مع المشكلة من منطلق الحق في الحصول على المياه وعدالة توزيعها، كملكية عامة وليس حكرا على إنتاج الشركات الخاصة لا يتمكن من شرائه سوى الأثرياء».

الثانية شحة المياه ونقصها مع تنامي حاجة الإنسان لها، فحسب إحصاءات الأمم المتحدة التي نشرتها وكالة إنترنرس سيرفس، هناك «نحو 880 فردا غالبيتهم في البلدان النامية، يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، وأنه بحلول العام 2030 يقدر أن يقيم زهاء 4 مليارات نسمة في مناطق تقاسي من نقص حاد في المياه، وخاصة جنوبي آسيا والصين».

الثالثة، هي الأرباح الطائلة التي سيجنيها الضالعون في تجارة المياه التي لن تعود موردا طبيعيا يمكن الحصول عليه دون مقابل. فكما تقول دراسة صادرة عن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، بأن «حجم تعاملات الأسواق العالمية في قطاعات توريد المياه وفعالية استخدامها وتوفير المرافق الصحية، يبلغ أكثر من 250 مليار دولار، ويتوقع أن يرتفع إلى 660 مليارا بحلول العام 2002».

تعكس هذه الأرقام والتوجهات صراعا بين مدرستين عالميتين في الموقف من علاقة الإنسان بالمياه، فهناك الاتجاه الذي بدأ في التبلور في نهاية الثمانينيات وتعزز في مطلع التسعينيات، وتحديدا في مؤتمر دوبلن الذي عقد في العام 1992 بشأن المياه والبيئة، وخرج بقرار يقول «إن الماء المستخدم لغايات كثيرة، يتمتع بقيمة اقتصادية، وينبغي بالتالي الاعتراف به بوصفه من الخيرات الاقتصادية». تلا ذلك ازدهار اتجاه خصخصة استخدام المياه التي تلقفتها الاحتكارات العالمية، وحولتها إلى أحد أنشطتها ذات العوائد العالية على الاستثمار.

الاتجاه الثاني، والذي تولد كظاهرة نقيضة للاتجاه الأول، فوجدنا في مطلع هذا القرن، وتحديدا في العام 2002، مجموعة من الهيئات والمنظمات غير الحكومية تنهض لمقاومة الاتجاه التجاري المحض الباحث عن الربح أساسا، داعية إلى انتزاع اعتراف عالمي يؤكد أن الحصول على المياه حق إنساني شامل، لا يميز بين الأعراق، ونجحت في يناير/ كانون الثاني 2003 في استصدار الملاحظة العامة رقم 15 التي أصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، التي جاء فيها أنّ «الماء مصدر طبيعي محدود وهو من الخيرات العامة، وهو ضروري للحياة والصحة، ولابد من حق الحصول على الماء من أجل حياة لائقة، وهو شرطٌ مسبق لتحقق حقوق أخرى للإنسان».

هذا المستقبل المرعب الذي ينتظر الإنسان، وخصوصا أولئك الذين يعيشون في الدول الفقيرة، كان محك اهتمام الكثير من المنظمات الإنسانية المناهضة للسلوك الوحشي للعولمة، فوجدنا الفرع السويسري من منظمة أتاك (Attac) يكشف الأرباح الفلكية التي حققتها شركة سويسرية واحدة فقط هي نستله (Nestle). حققت نستله في عام واحد فقط أرباحا تراوحت بين 7- 8 مليار دولار من وراء بيع «عشرة بلايين ليتر من المياه النظيفة (وليس المعدنية) في دول نامية، تحت 75 علامة تجارية مختلفة، في دول تعاني غالبية سكانها من مشكلات الحصول على الحد الأدنى من المياه في حياتها اليومية، ومستوى الدخل فيها غير مرتفع».

ولكي يكون في وسع القارئ أن يجري بعض المقارنات، يكفي أن يعرف أن «قيمة العائدات النفطية لدول الخليج خلال السنوات الخمس من 2002 - 2006 بنحو 1.5 تريليون دولار، مقارنة مع 140 مليار دولار سنويا بين عامي 1998 و2002». ورد ذلك في تقرير صدر عن بنك «أتش أس بي سي». هذا وقد بلغت العوائد النفطية لدول الخليج في العام 2008 400 مليار دولار مقابل 315 في العام 2007، وذلك جراء الارتفاعات السعرية الكبيرة في أسعار الخام خلال عامي 2005-2006.

الأمر الذي يستحق الاهتمام هو أن المنطقة العربية تعتبر، ليس فقط من المناطق الفقيرة في مصادرها المائية، وإنما أيضا تعتمد تلك المصادر على منابع مياه خارجية مثل إثيوبيا وتركيا، وتتحكم في مسارات البعض منها دول معادية مثل «إسرائيل»، ولذلك، فلربما منّت الطبيعة على هذه المنطقة بكميات هائلة من النفط ومخزوناته، لكنها حرمتها من مادة لاتقل أهمية من النفط، والتي هي المياه.

الأسوأ من ذلك أننا لم نحسن الاستفادة على الوجه الأفضل من الثروات النفطية التي نملكها، فكيف لنا أن نتوقع تصرفا أفضل أزاء تلك الشحيحة والمحفوفة بالمخاطر في آن؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2546 - الثلثاء 25 أغسطس 2009م الموافق 04 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً