عصر يوم الأربعاء المنصرف تسلّم البرلمان الإيراني تشكيلة الحكومة العاشرة. حَرص الرئيس أحمدي نجاد أن يكون مُرشّحوه بمثابة الورقة التي تُشتّت جبهة الاعتراض عليه داخل الجبهة المحافظة، بل وحتى في مجاميع التيار المُتمرّد (الإصلاحي).
التشكيلة ستمرّ على خمسة مستويات من الثقة البرلمانية. الأول هو ذو تصويت عال سيناله وزير الخارجية منوشهر متّقي. والثاني تصويت مضمون سيناله وزير الداخلية (وزير الدفاع سابقا) مصطفى محمد نجّار.
والثالث نسبة تصويت متوسّطة لوزير الصناعة والمناجم علي أكبر محرابيان والرابع نسبة تصويت ضعيفة لوزير النفط مسعود كاظمي، والخامس نسبة تصويت مُهلهلة ستكون من نصيب وزير الاستخبارات حيدر مصلحي ووزيرة الرفاه فاطمة آجرلو.
هذه تكهنات. وقد تقلب التحالفات الداخلية في المجلس ظروف التصويت أيضا. لكن الأهم هو النظر في ما ورائيات التشكيلة الجديدة، وموقع منتسبيها داخل اليمين المحافظ وعموم النظام.
الملاحظة الأولى: أنها ضمّت أربعة عشر وزيرا جديدا، هم الزراعة، الشئون الاجتماعية، التجارة، الاتصالات وتقنية المعلومات، الثقافة والإرشاد الإسلامي، التربية والتعليم، الدفاع وإسناد القوات البحرية، العدل، الإسكان والتنمية، الاستخبارات، الصحة، النقل، العمل والعلوم والبحث والتكنولوجيا.
الملاحظة الثانية: أن أربعة من الوزراء الثمانية الذين بقوا في التشكيلة من الحكومة التاسعة، ظلّوا في مناصبهم ذاتها ولم يطالهم التدوير، وهم وزراء الخارجية والتعاونيات، والاقتصاد والصناعة والمناجم. وأن ثلاثة استبدلوا حقائب وزارية هي النفط والداخلية والدفاع.
الملاحظة الثالثة: بالرجوع إلى التشكيلة الوزارية سنرى أنها تضم نسبة غالبة من التكنوقراط. ثلاثة عشر وزيرا يحملون درجة الدكتوراه، وأربعة وزراء يحملون درجة الماجستير، وثلاثة وزراء يحملون درجة البكالوريوس، بالإضافة إلى وزير الدفاع الذي شغل في السابق منصب مساعد وزير.
الملاحظة الرابعة: أن التشكيلة الوزارية ضمّت ثلاث وزيرات لأول مرّة منذ انتصار الثورة الإسلامية في فبراير/ شباط من العام 1979، وهن سوسن كشاورز وزيرة للتربية والتعليم، مرضية وحيد دستجردي وزيرة للصحة وفاطمة آجرلو وزيرة للشئون الاجتماعية.
الملاحظة الخامسة: أن منصب وزير الاستخبارات سيتقلّده الممثل السابق للمرشد في قوات التعبئة الشعبية (بسيج) ورئيس منظمة الوقف الإيرانية. وهو إن تمّ فهذا يعني أن مخابرات الحرس الثوري المُحْكَمة ستُهيمن على وزارة الاستخبارات.
الملاحظة السادسة: بيّنت التشكيلة الجديدة أن الرئيس أحمدي نجاد رَغِبَ في تقليل هوّة الخلاف بينه وبين حلفائه من اليمين المحافظ التقليدي بتوزيره لعشرة وزراء مُعتدلين محسوبين على الخط التقليدي داخل اليمين.
ضمن الملاحظة الأولى، وفي موضوع توزير أربعة عشر وزيرا من خارج التشكيلة السابقة، أراد نجاد أن يُبعِد الوزارة الجديدة عن أيّ إخفاق وقعت فيه الحكومة التاسعة، وأيضا إبعادها عن الخلافات التي استعرت بينها وبين الأحزاب المتحالفة والمتخالفة مع الرئيس.
الملاحظ أيضا أن أحمدي نجاد حَرِصَ على تغيير وزير العدل محاكاة منه مع مُقرّرات البرلمان التي حظرت على أعضاء مجلس صيانة الدستور تقلّد مناصب تنفيذية. وحَرص على تغيير وزيري الاستخبارات والإرشاد انسجاما مع قراراته التي أصدرها قُبيل انتهاء عمل الحكومة، بعد إقالته للوزيرين محسني إيجيء وصفّار هرندي.
ضمن الملاحظة الثانية أظهر أحمدي نجاد قدرة على المناورة السياسية، فأبقى على وزراء الحياد الذين يحظون بعلاقات جيدة مع عموم التيار المحافظ كالخارجية والتعاونيات كعربون صداقة، الأمر الذي يعني اجتيازهم التصويت بشكل سلس، ومارس لعبة الورق في وزراء آخرين.
في موضوع الداخلية أراد الرئيس أن يُضحّي بصادق محصولي أحد أهم الأشخاص ضمن دائرة الرئيس القريبة، لصالح مصطفى نجّار القادم من رحم الباسدران (والذي لا يقلّ ولاء للرئيس من سابقه) رغبة منه في طيّ موضوع الانتخابات العاشرة، وعدم إبقاء وزير قد تُحوّله بعض التيارات السياسية في البرلمان والظل إلى وزير تأزيم.
وفي موضوع النفط أراد الرئيس ربط هذا المنصب الحيوي بشخصية ذات علاقات ممتدة مع مؤسسات الحرس الثوري الصناعية، وذلك لضبط العلاقة البيروقراطية ما بين الخطط الموضوعة لمواجهة العقوبات الدوليّة والخيارات البديلة، والتي تتعدّد ضمن مناشط الحرس الصناعية.
ضمن الملاحظة الثالثة حاول الرئيس أن يُبعِد شبهة تقديم المتحالفين معه على حساب الكفاءات وأصحاب الخبرات بتقديمه تشكيلة تكنوقراطية بامتياز، الأمر الذي يضمن تمريرها داخل المجلس دون عوائق رقابيّة.
بطبيعة الحال فإن هذا التوزير أتاح للرئيس نقل حلفاء الدائرة الضّيقة كمجتبى ثمرة وجوانفكر ومشائي وسعيد لو إلى مناصب استشارية ومساعدين رئيسيين له في الحكومة، الأمر الذي يُبعدهم عن أيّة عملية استجواب أو مساءلة برلمانية.
ضمن الملاحظة الرابعة، يأتي توزير أحمدي نجاد لثلاث نساء لحقائق مهمّة ومدنيّة رغبة منه في كسب صوت المرأة الإيرانية، وأيضا لإحراج التيار المُتمرّد الذي حَكَم إيران لستة عشر عاما دون أن يُوزّر امرأة واحدة.
كما أن وجود هذه الترشيحات قد تُقلّل أيضا من قيمة الاعتراضات المحافظة على أسماء المُرشّحات وبالتحديد فاطمة آجرلو، وخصوصا إذا ما حدثت اصطفافات برلمانية يقودها التكتّل النسوي المحافظ داخل المجلس.
ضمن الملاحظة الخامسة، فإن تصريحات أحمدي نجاد الأخيرة حول وزير الاستخبارات المُقال محسني إيجيء والتي قال فيها «لو قام بواجباته كما يجب، لما واجهنا تلك المشاكل في الشوارع» تُشكّل تقريعا ضمنيا للمحافظين التقليديين الذين سيطروا على هذه الوزارة تاريخيا (محمدي ريشهري، علي فلاحيان، درّي نجف آبادي، علي يونسي ومحسني إيجئي).
وبترشيحه لحجّة الإسلام حيدر مصلحي لوزارة الأمن، أراد نجاد أن يُسيّر الحرس دفّة الوزارة وبرامجها المضادة بإحكام أكثر. وللعلم فإن هذا المنصب يُعتبر من أكثر المناصب التي تتطلب توافقا مع المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية، الذي رَفَضَ في السابق أربعة عشر ترشيحا للإصلاحيين عندما استقال درّي نجف آبادي من حكومة محمد خاتمي قبل أن يُوافق المُرشد على حجّة الإسلام علي يونسي وزيرا للاستخبارات.
ضمن الملاحظة السادسة، أراد الرئيس أحمدي نجاد أن تكون علاقته بالبرلمان مُستقرّة أكثر، وعلاقته بهم (أي الوزراء) أيضا أكثر استقرارا. وخصوصا أن هناك أكثر من مئة وثمانية وعشرين نائبا هم من اليمين التقليدي واليمين التقدّمي، بالإضافة إلى الكتلة الإصلاحية والمستقلّة وهي الأقرب إلى اليمين.
لذا فقد جاء تصريح نجاد الأخير تعميدا لذلك القصد. أحمدي نجاد قال «لن أرشّح أشخاصا يدخلون في نزاع مع البرلمان. على المرشحين قبول بعضهم بعضا، وقبول الرئيس، وعلى الرئيس قبولهم أيضا».
يبقى الثلاثين من الشهر الجاري موعدا لحسم موضوع الحكومة. التي تأتي في ظل وجود رئيس سلطة قضائية جديد (صادق لاريجاني) ومجلس نيابي محافظ لكنه لا يُجمِع على أحد فصائله (التعميريين) وهو ما يتطلّب مرونة تنفيذية أكبر.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2544 - الأحد 23 أغسطس 2009م الموافق 02 رمضان 1430هـ