هل علينا بدءا من اللحظة التي بث فيها تلفزيون البحرين برنامج كلمة أخيرة مساء الخميس الماضي أن نذيب كل وثائقنا الرسمية في كوب ونشرب ماءها؟

ألهذا الحد مسموح لأحد أيا كان أن يمسح بالأوراق الرسمية بالبلاط، وأن يسحقها بنعاله سحقا على رؤوس الأشهاد، وكأنها صادرة عن سوق السمك أو التبغ أو المقاصيص؟!

مسكينة أيتها الوثيقة الرسمية البحرينية، صرتِ خفيفة في الهواء الطلق تتقاذفك رياح المآرب الأخرى يمينا وشمالا، بعد أن كنت ثقيلة في الميزان، لا تقدر على تحريكك العواصف ولا الأعاصير!، بعد تاريخك التليد المجيد، صرت اليوم كأوراق شجرة التوت إذا تساقطت في فصل الخريف، تدوسها المارة بأحذيتها من دون أدنى اكتراث!

تصريف الأوراق الرسمية في أنابيب الصرف الصحي هل هو من حب الوطن؟ الاستهانة بها؟ تمريغها في الأوحال؟ اللعب بها؟ الأكل عليها؟ كل ذلك هل هو من حب الوطن؟!

والآن بعد أن أصبحت المستندات الرسمية لا تختلف عند البعض عن أوراق الشاورما، هل علينا أن نستورد أوراقا رسمية أخرى من أقاصي الدنيا وأدانيها، حتى نأمن على كل معاملاتنا التي تحتاج إلى أوراق رسمية؟، ومن يضمن لنا أن لا تطل علينا غدا حلقة أخرى من برنامج كلمة أخيرة، وتعتبر كل أوراق ملكيات البيوت غير رسمية، وتستضيف أحد المعنيين لدعم ذلك، من دون أن تستضيف أحدا في مقابله؟، بحجة أن غرفة البرنامج لا تسع لأكثر من رأي؟.

توقيعات لوزراء ووكلاء، ورسائل، وكتيبات تحمل شعار المملكة، وأختام لوزارات، كلها لا تساوي قيمة حبرها عند برنامج كلمة أخيرة، فمن سيدفع قيمة كل هذا الحبر المسكوب على ملايين الوثائق والمستندات التي تصدر يوميا من وزارات الدولة ومؤسساتها؟

ليس الأسف على 230 بيتا في النويدرات خرجت من يد أصحابها نهارا جهارا، ولكن الأسف أن تصبح أوراق الدولة لعبة بيد من هبّ ودبّ، أليس احترام المستند الرسمي احترام للنظام، وترسيخ لهيبة الوطن؟!

الطريقة التي تم التعاطي فيها مع وثائق ومستندات إسكان النويدرات تزعزع ثقة المواطنين بكل المستندات الرسمية، وهو ما لا نتمنى أن تصل بنا الأزمة الحالية إليه، وما زالت الأزمة والأمة تحتاج إلى حكمة نافذة، تختلف معالمها كليا عن معالم برنامج كلمة أخيرة الذي أخّر حل المشكلة! ونحتاج إلى كلمة أخيرة أخرى؛ لأن الكلمة التي قيلت ليست أخيرة!