العدد 2544 - الأحد 23 أغسطس 2009م الموافق 02 رمضان 1430هـ

الزواج الصيني الأميركي غير السعيد

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما كان الرئيس الصيني هو جنتاو يدعو المشاركين في أول جولة من الحوار الاستراتيجي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، والمجتمعين في واشنطن، إلى «السعي لتوسيع ميادين التفاهم والتقليل من الاختلافات وتعزيز الثقة المتبادلة والتعاون»، أعلن سفير الولايات المتحدة في الصين جون هانتسمن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيقوم باول زيارة رسمية إلى بكين منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، آملا أنه «بحلول نهاية السنة وبعد لقاء الرئيس (أوباما) مع المسئولين الصينيين سوف تتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أكثر من أي وقت مضى». وفي حال تمت تلك الزيارة فسوف تكون اللقاء الثاني بين الرئيسين الذين التقيا في أبريل/ نيسان 2009، أبان زيارة هو جنتاو لواشنطن.

وإن كان هناك من يعول على الدور الذي سيمارسه اوباما في تطوير العلاقات بين البلدين، فمن غير الإنصاف إغفال حصة الرئيس الصيني هو جنتاو وهو المعروف بنهجه في العمل. فرغم الخلفية الإيديولوجية الشيوعية التي يلتزم بها، لكنه بالقدر ذاته يتمتع بقدرة فائقة على التعامل الخلاق مع مفاهيم هذا العصر الاقتصادية واقتصاد السوق، وتجسيدها في العلاقات التي يريد للصين أن تبنيها في الساحة الدولية.

هذه الرؤية الاستراتيجية، كرسها هو جنتاو من أجل تنمية العلاقات الصينية الأميركية خلال الربع القرن المنصرم، وحددها بشكل واضح في الخطاب الذي ألقاه في حفل عشاء نظمته له 12 منظمة أميركية صديقة أبان زيارته للولايات المتحدة في الربع الثاني من العام 2004، في النقاط التالية:

1. توسيع دائرة التفاهم من أجل علاقات ثنائية طويلة الأمد.

2. توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجارة بين البلدين.

3. حل المسكلة التايوانية على أسس عادلة.

4. التشاور المتواصل بشأن القضايا الدولية.

5. تعزيز عناصر القوة لدى كل منهما وتوثيق العلاقات على المستوى الشعبي، بالإضافة إلى الجانب الرسمي.

6. التعامل على أسس الندّية بما يحقق الاحترام المتبادل بين الطرفين.

وبغض النظر عن الجوانب السياسية التي تكتنفها تلك الرؤية، لكنها في الجوهر تتمحور حول التطور الاقتصادي والمالي الذي عرفته العلاقات بين البلدين، حيث وصلت التجارة الثنائية بينهما في التسعينيات من القرن الماضي «إلى 48.9 مليار دولار وفقا للإحصاءات الصينية، و75.4 مليار دولار وفقا للمؤشرات الأميركية».

وتحولت الصين بموجب ذلك أكبر رابع شريك تجاري، بعد كندا واليابان والمكسيك، لأميركا. وبالمقابل احتلت أميركا مركز «ثالث أكبر شريك تجارى للصين بعد هونغ كونغ واليابان». ومن حينها لم يتوقف نمو حجم التبادل التجاري بينهما، فوجدناه يصل «إلى 380 مليار دولار فى العام 2007 مقارنة بأربعة مليارات دولار فقط عندما تأسست آلية اللجنة فى بادئ الأمر في العام 1983». ووفقا للأرقام الأميركية، وصل حجم التجارة بين البلدين، في العام 2005 إلى 211.63 مليار دولار أميركي، وهو أكثر بمقدار 86 مرة من الرقم فى العام 1979 عندما أقام البلدان العلاقات الدبلوماسية.

مثل هذه الأرقام، وأخرى غيرها جميعها، تتحدث عن عمق العلاقات المالية والاقتصادية بين البلدين، وتتوقع، بناء على ذلك، تحسن العلاقات السياسية بينهما، باستثناء مؤلف كتاب «صعود المال: التاريخ المالي للعالم»، نيال فيرغسون، والذي نشرت الكثير من المراجعات لذلك الكتاب، مسلطة الضوء على تساؤلات فيرغسون حول احتمالات «أن تتحوّل العلاقات الأميركية الصينية إلى حرب تجارية وأن يكون ذلك سببا في إطلاق آلية وصول العولمة الحالية إلى نهايتها، بانيا تساؤلاته، على تجارب التاريخ، المستقاة من ثلاثة دروس مثيرة للقلق، الأول أنه يمكن للحروب الكبرى أن تندلع حتى لو بلغت العولمة درجة متقدّمة. والثاني هو أنه بمقدار ما تبتعد الحروب في العالم زمنيا يغدو من الصعب تصوّر قيام حرب. والثالث هو أن الأزمات التي تصيب المستثمرين قد لا تكون آثارها أقل عمقا من ندوب المعارك».

ولا يحفي فيرغسون هذه المخاوف فنراه يطرحها بوضوح في مقال نشرته له مجلة نيوزويك العربية، ويبرز فيها نظرته التشاؤمية، المشوبة بالخوف من اندلاع حروب، جراء محاولات التقارب الصيني الأميركي، فنجده يقول «دعونا ننظر إلى الأرقام، لقد ارتفعت قيمة الأرصدة الصينية من الأوراق المالية الأميركية إلى 801.5 مليار دولار في مايو/ أيار (2009)، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 5 في المئة من مبلغ الـ 763.5 دولار في أبريل. وذلك يعني ببساطة ارتفاعا بقيمة 40 مليار دولار شهريا».

ويمضي فيرغسون في إلقاء المزيد من الأضواء على قنوات تغلغل الأموال والنفوذ الاقتصادي الصينيين في الاقتصاد الأميركي، والذي يعتبره فيرغسون من العناصر التي يمكن أن تؤثر سلبي مسارات تنامي العلاقات الصينية - الأميركية التي يشبهها بتلك التي سبقتها بين اليابان والولايات المتحدة، والتي يتوقع لها عدم الاستمرار في النمو والوصول إلى ما يشبه الطريق المسدود تدفع بالطرفين نحو «الطلاق الذي بوسعه أن يضع حدا لهذا الزواج (الصيني الأميركي) غير السعيد».

هذه ما تشير إليه أيضا بعض اٌصوات الصينية التي تستعين بالإحصاءات الصينية، التي تحذر من «بلوغ العجز التجاري بين البلدين في العام 2005 فقط 202 مليار دولار وكان في العام 2004، لا يتجاوز 162 مليار دولار، وهو الذي يمثل تحذيرا خطيرا للصين لكي تنمى باقي القطاعات الاقتصادية».

على رغم التفاؤل المحيط بمبادرة أوباما، لكننا لا ينبغي أن نغفل إشارات فيرغسون، ومعه الأصوات الصينية المنادية بأخذ المزيد من الحيطة والحذر عند الإقدام على الخطوات العملية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2544 - الأحد 23 أغسطس 2009م الموافق 02 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً