العدد 2544 - الأحد 23 أغسطس 2009م الموافق 02 رمضان 1430هـ

زيارة الرئيس مبارك لواشنطن والمسئولية الفلسطينية والعربية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

جاءت زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة بعد توقف تلك الزيارات الرئاسية لمدة تزيد على الخمس سنوات نتيجة مواقف السياسات الأميركية في فترة الرئيس بوش الابن وتصوراته غير السليمة حول العرب والمسلمين والقضية الفلسطينية والدور المصري وهو ما أدى إلى اختلاف المواقف والتوجهات بل وحالة من الاستياء من السياسة الأميركية تجاه مصر والعرب لم تستطع اللطائف الدبلوماسية أن تخفيها.

من هنا تبرز أهمية هذه الزيارة والتي تعد اللقاء الثالث بين الرئيسين لأن اللقاءين الأولين كانا قصيرين لظروف اللقاءين ذاتهما.

ونناقش هنا أهمية قضية عكرت صفو العلاقات المصرية الأميركية وهي قضية فلسطين باعتبارها محور السياسة المصرية ومركز اهتمامات الرئيس مبارك.

ولقد أعاد خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة في 4 يونيو/ حزيران وخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 14 يونيو 2009 عملية السلام إلى دائرة الضوء. ولا شك أن الاختلاف بين الأمرين واضح وجلي. فالموقف الأميركي أقرب للموقف العربي وهو طرح حل الدولتين على أساس الاعتراف للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة القابلة للحياة. أما الموقف الإسرائيلي فهو قائم على أساس الاعتراف بـ «إسرائيل» كدولة يهودية، مع إمكانية إتاحة الفرصة في مرحلة لاحقة لما يمكن أن يسمى دولة فلسطينية، أقرب إلى غيتو على أرض الضفة وغزة التي تتبقى بعد استيعاب كل مطالب «إسرائيل» التعجيزية من الاعتراف بيهوديتها وبالقدس عاصمة لها وبنبذ الإرهاب والتطرف وبعدم المساس بالمستوطنات بل والاعتراف بضرورة نموها الطبيعي، وبأن تكون دولة فلسطينية المرتقبة منزوعة السلاح، وتتعهد بعدم إدخال أية أسلحة، وضمنيا تكون مجرد كيان تابع لـ «إسرائيل» المسيطرة على كامل التراب الفلسطيني.

الطرح العربي ظل في «محلك سر» يلتزم بثوابت الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ومطالبة أميركا بالتحرك والضغط على «إسرائيل». وقصارى التحرك العربي بناء على اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة هو الذهاب لروما للالتقاء مع وفد الرباعية الدولية على هامش قمة دول الثمانية.

هذا الطرح العربي والفلسطيني يفتقر إلى ركائز هامة في العمل السياسي والدبلوماسي وفي مقدمتها:

الأولى: إن صاحب الشأن لابد أن يأخذ زمام المبادرة، ومن ثم فإن المسئولية الأولى على الفلسطينيين والعرب، ولا ينبغي أن يكون سلوكهم وتحركهم مبنيا على سياسة رد الفعل، وإنما يجب أن يقوم على المبادرة والفعل. ولا يمكن القول بأن المبادرة العربية هي الفعل مع صحة ذلك نسبيا وإنما المطلوب هو إعادة طرحها بمبادرة جديدة، لا تخرج عن الثوابت، وإنما كما يقال هي نبيذ قديم في قارورة جديدة. ذلك لأن الجديد الأميركي والجديد الإسرائيلي ليس بجديد وإنما إعادة طرح أفكار سبق طرحها عدة مرات دون أن تنفذ وينبغي أن يكون التحرك العربي مماثلا.

الثانية: إن ثمة خطأ جوهريا في التحرك العربي والفلسطيني، وهو القول بأن الكرة الآن في الملعب الأميركي. إن هذه كلمة حق يراد بها باطل. هي كلمة حق لأن أميركا هي القوة العظمى، وهي حامية «إسرائيل»، ولكن الباطل هو أنها ستار يخفي العجز العربي والفلسطيني. إنه نفس منطق دول الرفض أو دول الممانعة العربية التي عاشت عليه منذ مبادرة الرئيس السادات. رفض دون تحرك، ودون تقديم بدائل، إنه تقاعس مثل تقاعس بني إسرائيل في تعاملهم مع سيدنا موسى عندما قالوا له «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون» سورة المائدة الآية 24.

الثالثة: إن تصحيح مسيرة العمل الفلسطيني هو الخطوة الأولى بإعادة اللحمة للفصائل الفلسطينية من منظور صحيح، لا يحابي فتح ولا يجامل حماس. وأتصور مبادرة عربية على مستوى القمة تتعلق برأب الصداع الفلسطيني بأن تجتمع الدول العربية، أو قمة مصغرة تضم الرئيس السابق والحالي ودول الجوار الفلسطيني بما في ذلك السعودية ودول مغاربية على الأقل لم تكن قمة عربية شاملة للاتفاق بالأغلبية على تلك المبادرة التي أتصور عناصرها كالآتي: دعوة الفصائل للاجتماع والاتفاق فيما بينها على قبول تسوية مشكلة فلسطين وفقا لقرارات الشرعية الدولية أي قراري مجلس الأمن 242 و388 وقرار 141 الخاص باللاجئين الفلسطينيين في إطار زمني محدد، إجراء انتخابات حرة فلسطينية برلمانية ورئاسية، وفقا للنقطة السابقة، تحت إشراف عربي ودولي. أي فصيل فلسطيني يرفض هاتين النقطتين يتم اعتباره خارجا عن الشرعية العربية والتعامل معه على هذا الأساس. في هذه الحالة تكون هناك مبادرة عربية جديدة قديمة، تؤكد الثوابت ولكنها تقدم حراكا فلسطينيا عربيا واضحا وديناميكيا.

الرابعة: أن تقوم لجنة الاتصال العربية بالتباحث مع الولايات المتحدة بوجه خاص، والرباعية والقوى الدولية الأخرى مثل الصين والهند واليابان وغيرها، على أساس الاعتراف بما تسفر عنه الانتخابات الفلسطينية من قيادات مسئولة وفقا لهذه المبادرات العربية، والتي تقبل من حيث المبدأ حل الدولتين بوضوح، حتى لا تتيح الفرصة لـ «إسرائيل» للتلاعب، وادعاء عدم وجود شريك فلسطيني، وأن يكون ثمة تفاهم عربي ودولي، بما في ذلك أميركا والفصائل الفلسطينية بتوقيع عقوبات على من يرفض مبادئ الشرعية الدولية سواء «إسرائيل» أو فصائل فلسطينية. إن الحالة العبثية التي تعيشها الساحة الفلسطينية ما بين فتح وحماس وانقسامات في فتح وتبادل للاتهامات بتزوير الانتخابات وكذلك ظهور حركة جند أنصار الله التي ضربتها حماس بقوة وحزم وحسم نقول إن مثل هذه الحالة كفيلة بفتح أبواب الصراع بين الفلسطينيين وهي أكبر هدية تقدم لـ «إسرائيل» وخاصة في ظل قيادتها اليمينية المتطرفة التي تبحث عن مخرج من المأزق والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ضدها لأنها لا تريد السلام الذي ليس في صالحها وتريد كسب الوقت الذي هو في صالحها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة. وتعمل «إسرائيل» على هدم بيت المقدس والاستمرار في سياسة الاستيطان وبناء المستعمرات في الأراضي العربية حتى يتم تآكل الضفة الغربية بأكملها.

الهدف الأساس من هذا الطرح هو تحريك عملي لعملية السلام حتى لا تضيع في دهاليز المماطلات الإسرائيلية من ناحية، والمماطلات الفلسطينية فيما بينهم من ناحية أخرى، كلاهما يلعب على الوقت لإضعاف الطرف الآخر وفرض حقائق جديدة على الأرض وإذا كان الإسرائيليون يلعبون لإضعاف الفلسطينيين والوصول بالعالم وخاصة أميركا للتخلي عن حماسها للعمل من أجل حل القضية، فإن بعض الفصائل الفلسطينية تلعب على الوقت لإضعاف الطرف الفلسطيني المناوئ أو المتنافس معها، بهدف الانفراد بالسلطة، وللأسف لا الفلسطينيين يستطيع أي منهم الانفراد والقضاء تماما على المنافسين، وأيضا لا يستطيع الإسرائيليون السيطرة الكاملة على فلسطين دون إقامة الدولة الفلسطينية على أسس صحيحة لأن الصراع سيستمر مهما كان الطرف الفلسطيني ضعيفا.

إن التحرك العربي لابد أن يعيد بعض الأدوات القديمة في الدبلوماسية، وهي بوجه خاص، مفهوم المقاطعة للشركات العالمية التي تتعامل مع «إسرائيل» حتى يمكنها الضغط على الأخيرة، وتحريكها المجتمع الإسرائيلي من أجل السلام. وكذلك التعامل الإيجابي مع القوى اليهودية العالمية وخاصة في الولايات المتحدة، لأنها ركيزة «إسرائيل» ومخزونها الاستراتيجي، ولابد من إضعاف هذا التلاحم بين الاثنين، بناء على الطرح والشرح العربي الإيجابي، لتوضيح مخاطر ثلاثة أمور: أولها طرح مفهوم يهودية «إسرائيل» لأن ذلك معناه عملية تطهير عرقي ضد فلسطينيي 1948 بل وفلسطينيي الضفة وغزة لأن حدود «إسرائيل» غير معروفة حتى الآن. وثانيها إن هذا المفهوم يعني العنصرية الدينية، وهو ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولي ومع الفكر العلماني أو المدني لقيام الدول ومع مبادئ حقوق الإنسان. وثالثها إن هذا المفهوم لا يمكن تحققه إلا عبر حروب ودماء من الطرفين ومخاطر لا يمكن تصورها. ثم تقديم المفهوم العربي الإيجابي بالاعتراف بـ «إسرائيل» في حدود 1967 كدولة مثل غيرها من الدول وبحق الفلسطينيين في العودة أو التعويض مع إبداء المرونة في تفسير العودة بأنه لأراضي الدولة الفلسطينية وبحق السيادة على القدس العربية مع التعامل على قدم المساواة بالنسبة لأنصار الديانات الثلاث، وأخيرا الاعتراف العربي بـ «إسرائيل»، وتطبيع العلاقات معها، ويكون ذلك في إطار خطة زمنية، وعلى أساس مبدأ التبادل في الالتزامات، أي كل خطوة إسرائيلية تقابلها خطوة عربية وليس فقط أن يقدم العرب تنازلات، و «إسرائيل» لا تقدم تنازلات مماثلة. وهذه التصورات ليست نهائية وإنما هي أفكار نطرحها على الدبلوماسية العربية والفلسطينية.

أعتقد أنه كفانا تقديم هدايا وتشجيع مجاني لـ «إسرائيل» وكفانا ضياع الوقت ولا تستطيع مصر أن تحل القضية بمفردها مهما كانت جهودها ما لم تتضافر الجهود العربية وبخاصة يظهر الفلسطينيون رغبتهم الصادقة بسلوك عملي وليس شعارات وأطروحات متضادة ما بين فتح وحماس.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2544 - الأحد 23 أغسطس 2009م الموافق 02 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً