العدد 2304 - الجمعة 26 ديسمبر 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1429هـ

«ملاك الرحمة»... شكرا

فرح العوض farah.alawad [at] alwasatnews.com

رافقتنا طوال فترة سفرنا إلى بيت الله الحرام، لأداء مناسك الحج، شخصية أجدها من الشخصيات المهمة التي تعرفت عليها في حياتي، والتي لا يمكن نسيانها بسرعة، لأنها حقيقة إنموذج رائع يستحق التقدير كما يستحقه غيرها من الأشخاص الذين عرفتهم خلال تلك الرحلة.

أم حسين، هي الممرضة التي لازمتنا طوال رحلتنا، والتي أولت الجميع بلا استثناء -مرضى أو أصحاء - الاهتمام الذي كانوا يبحثون عنه أثناء سفرهم في رحلة هي بالنسبة إلى الكثيرين تحتوي على التعب والمشقة، وهو الأمر الذي أُشير إليه من قبل آخرين غيري... فكانت تولي الجميع الاهتمام المطلوب من دون تعب أو ملل، ولكن الأهم من ذلك هو إخلاصها لعملها ودقتها أثناء أداء ما هو واجب عليها، فاستحقت بكل جدارة اسم «ملاك الرحمة» الذي لم يُطلق على الممرضين والممرضات إلا لصعوبة العمل الذي يؤدونه ضمن مهنة التمريض.

وعلى الرغم من أن مهنة التمريض تقوم على قواعد عدة من بينها: الصبر، والإخلاص، وحب العمل قبل انتظار الحصول على الأجر في نهاية كل شهر، فإن ذلك لم يجعلني أصدق بوجود شخصية كأم حسين وفي هذه الأوقات تحديدا فتقدم عملا بإخلاص مثلما كانت تقدمه لنا وخصوصا مع المرضى، فكنت أتساءل: ما الذي يجعل الممرضة أم حسين تتعامل معنا بهذا الأسلوب الرائع؟ هل وجودنا في مكان بعيد عن وطننا هو ما يدعوها إلى أن تكون متعاونة معنا إلى هذا الحد؟ أم بسبب حبها لعملها؟ ولماذا لا أجد مثل هذه الشخصية موجودة في مستشفياتنا؟ والأهم من بين كل تلك الأسئلة: من يولي هذه الشخصية العظيمة الاهتمام الذي تستحقه وإن لم تكن تنتظره؟

ما جعلني أكتب هذه السطور عن أم حسين هو أنني وجدت فيها شخصية مختلفة عن عدد كبير من الممرضات اللائي عرفتهن في حياتي، حديثات التخرج والعمل، ومن اللائي بدأن يشعرن بالملل والرتابة من العمل، وكأنهن أجبرن على اختيار هذه المهنة التي هي في الواقع تُعَدُّ من المهن الصعبة، ومن المهن التي تبحث عن عاشق حقيقي لها، لا عن موظف يتصنّع الابتسامة للمرضى، فلم تجسد أم حسين الصورة السيئة للممرضات كما البعض، ولكن قدمت لنا صورة رائعة للنموذج الذي يجب أن تكون عليه جميع الممرضات، على رغم أنها ليست ممرضة حديثة العمل، حتى أقول إنها تحب عملها لأنها مبتدئة أو أنها لم تصل إلى مرحلة الرتابة، بل أمضت أعواما طويلة لا تقل عن 15 عاما في العمل.

وجدتُ في الممرضة أم حسين صورة رائعة لم أجدها منذ أعوام طويلة في الكثير من الناس، ممرضين كانوا أو مدرسين أو موظفين في أي مكان آخر؛ فكان المميز فيها حبها لعملها، الذي بدا واضحا عليها ومن خلال تصرفاتها وسلوكها مع الجميع، مرضى أو أصحاء، مبينة بذلك أهمية عشق العمل قبل أن يكون صعبا أو سهلا، كما هو الحال مع مهنة التعليم وغيرها من المهن الصعبة التي تحتاج إلى حب يربطها بالعامل قبل العمل من أجل انتظار الراتب في نهاية الشهر.

«ملاك الرحمة» ما هو إلا لقب يطلق على الممرضين والممرضات تقديرا، ونظير جهودهم الشاقة التي يبذلونها أثناء ممارسة أعمالهم الشاقة، التي بحاجة بحق وحقيقة إلى صبر وجهد أثناء أداء العمل، فهل سأجد «ملاك رحمة» أخرى أو سأسمع عن واحدة كأم حسين؟ هذا ما أتمنى أن أجده الآن وغدا وكل يوم، مثلما أتمنى أن تتعرف الكثير من الممرضات على شخصية أم حسين حتى يتعرفن على حقيقة وثقل المهنة التي يعملن فيها

إقرأ أيضا لـ "فرح العوض"

العدد 2304 - الجمعة 26 ديسمبر 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً