العدد 2304 - الجمعة 26 ديسمبر 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1429هـ

«المنامة»... مدينة تأبى أن تخلع ثوبها الأصيل

لونا العريض في حديث مع «الوسط» عن تاريخ العاصمة:

الوسط - محرر الشئون المحلية 

26 ديسمبر 2008

مساء يوم الإثنين 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 كان مساء مميزا بكل ما فيه من أحاسيس مرهفة، كلها التقت في «المنامة»... تلك المدينة العاصمة من كل خطب، إلا العطاء والمحبة.

إذا عدنا إلى ذلك المساء، فسنقرأ عبارة تناقلتها بعض وكالات الأنباء من «المنامة»... إلى كل العالم: «المنامة... صدور وثيقة حوار الأديان»، فقد أعاد اللقاء الذي احتضنته «المنامة» لعلماء دين من المسلمين والمسيحيين إلى الأذهان، ذلك الاحتضان الدافئ الذي لم تحرم هذه المدينة الناس والأجناس والأديان منه بين فرجانها.

من الجميل أن تبقى «المنامة» كما عرفها الناس، وليس هذا فحسب، بل هناك عمل مضن يحمله على عاتقه بأمانة من عرف هذه المدينة حق معرفتها، فمن المتوقع صدور الطبعة الإنجليزية لكتاب «مدينة المنامة خلال خمسة قرون» للفنان البحريني عبدالكريم العريّض قريبا بعد ترجمته من قبل كريمته لونا عبدالكريم العريّض في حلّة منقحة و(مزيدة)، ستحكي الكثير عن «المنامة».

ولكن، من أين نبدأ حين نريد الحديث عن المنامة في خمسة قرون؟ لعل الإجابة لدى محدثتنا لونا العريض التي تقول إننا سنجد في الفصل الأول من الكتاب العربي الأصل، إضافة كاملة إلى جانب مهم لابد أن يوثق في الحديث عن «المنامة»، وهو موضوع الأديان، فقد جاء الفصل ليتناول أديان العرب قبل الإسلام - الأديان في المنامة - دخول البحرين في الإسلام - مقدمة في الإسلام، وتشمل تلك المقدمة: (الشيعة: الاثني عشرية، الإسماعيلية والزيدية، والسنة: الحنفية، المالكية، الشافعية والحنبلية، والخوارج)، ثم الأديان الأخرى (اليهودية، المسيحية، الهندوسية، البراهمة والبهائية). إذا، كانت اللفتة مستدركة ومدرجة في الحسبان، وخصوصا أن هذا الفصل حساس نوعا ما. هنا، تعتقد لونا أنّ هذا «أمر مهم، ذلك لأنّه يعطي الآخر فكرة عن تصوّرنا الديني وكيف نفهم الأديان، وعن حساسية الأمر فيما يختص بموضوع اليهود والبهائية والمسيحية والهندوسية... توجهت «الوسط» بالأسئلة الى لونا عبدالكريم العريض:

*كيف تعاملت مع موضوع حساس كالتنوع المجتمعي في المنامة؟

- عرضتُّ ما كتبته فيما يتعلّق بكلّ طائفة على عدد من معارفي المقربين... فقد عرضتُّ ما يخصّ اليهود على صديقتي نانسي خضوري، وما يتعلّق بالبهائية على الرسّامة نغمة محسني، وبشأن المسيحية فعلى أليس سمعان العراقية، وعلى قسٍّ مصري، أمّا الهنود فعلى شريحة لا بأس بها، وكلّهم قرأوا الفصول المتعلّقة بهم وأعجبوا بها. ولعل في هذا ما يبعث على الاطمئنان إلى أن المحتوى لن يثير استنكارا أو ضجة، وقد أضفت الى كتاب والدي موضوعات أخرى تتعلق بالنذور، مسجد الصبور، مسجد أم البنين، السحر والشعوذة، الموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد بصورة أكبر، نهضة النفط، قصة الطيران في البحرين، القضاء وكيفية تأسيسه، بعض العوائل التي تم تداركها فيما بعد، بيت القرآن، المآتم وخصوصا مآتم النساء، مراسم عاشوراء.

بين المؤلف والمترجمة

*هل كانت هذه الإضافة بمثابة الانتباه إلى منفذ لحوار حضاري؟

- إن هناك استدراكا أو تداركا ربما من الفنان نفسه، فيما يتعلق بالجزء المتبقي مما شمله الطابع الديني، وأهمية التعرّف على المعتقدات الدينية للآخر، وكان هذا منفذا لحوار جانبي بشأن المعتقدات التي ربما شريحة كبيرة من الناس ليست على اطلاع كافٍ بها أو تجهل حقيقة هذه المعتقدات، أو تلقتها بالتلقين المقنن الموجَّه من قبل رجال الدين بشأن معتقدات (الآخر).

*هل يعتبر المحتوى المترجم المضاف الى الكتاب نوعا من النقد الثقافي أم تعريف مختزل للعاصمة؟

- لابد من الإشارة إلى كتاب «البحرين الثقافية» الصادر قبل نحو عامين من الآن عن قطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام، المنشور لدى «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، السّارد لتاريخ «المنامة» ولـ «البلاد القديم» (بصورة أقلّ) وفق ذاكرة وبحث الفنان عبدالكريم العريض، سيكون متاحا عمَّا قريب للآخر (القريب) و(البعيد) في اللغة الرسمية عالميّا. حدث هذا بعد تصدّي ترجمته خلال 6 أشهر من العمل الدؤوب. إن ما أراه ضروريّا، تاريخيّا ودينيّا، دخل في النسخة الإنجليزية التي تشتمل على مسح تاريخي لتاريخ البحرين والإتيان على ذكر بعض من حكّامها وزوّارها، مثل: «الفينيقيين، البابليين، قصة إسلام أهل البحرين، الخوارج، القرامطة،...إلخ». وذلك في التمهيد.

*إذا كان الأمر على هذه الشاكلة من التوجيه الفكري للمترجمة لدى ترجمتها الكتاب، فإنّ الأمر هنا يستدعي سؤالا بعيدا عن كونكِ ابنة الفنان عبدالكريم العريّض، ما رأيكِ في الكتاب؟ بصيغة أخرى: كيف ترينَ الكتابَ الذي تتصدّينَ لترجمته من حيث موقعكِ مترجمة الآن؟

- الكتاب جيّد، وهو نقطة بداية لما لم يكتبْ عنه أو ما كتبَ ببساطة، وهو مكتوب برؤية فنان يُعلي من الشأن الإنساني والتاريخي لمدينته، وحسّ الفنان حاضر مثل بلغريف الذي كان رسّاما أيضا.

أمّا عن كوني مترجمة فأنا أجدُ الكتاب مؤهلا لترجمته؛ لأنه مهم من جهة حكاية تاريخ لا نراه اليوم ولاسيما بعد تغير شبه جذري في البحرين، وهو أيضا مصدر من المصادر الغنية التي تفيد الباحث والقارئ، لكنني عند ترجمته وددتُ إضافة فصل كامل عن الأديان وعن بعض المساجد والفعاليات الدينية، لأقول للناس، للقريبين والبعيدين، إنّ هذه هي «المنامة» وهذه هي البحرين كونها حضنا للتعايش بين الأديان على أساس الاحترام والإنسانية، ولتعريف الجميع بالمعتقدات الدينية، وإني أجد أهمية متزايدة بهذا الموضوع. امتلاك اللغة الإنجليزية فرصة لتعريف الآخر بنا، وكذلك فرصة لأنْ نقول للآخرين مَنْ نكون ومَنْ نحن.

«المنامة»... التمثيل الأبرز

*الكتاب من دون الفصل المضاف؛ أي في نسخته العربية الأصلية ربما كان «خارج» نصه، وحتى بمجرد تصفح صوره ولوحاته، يقول إنّ البحرين منذ البدء كانت مثالا للتعايش واحترام الأديان، وما «المنامة»، وهي عاصمتها، إلاّ التمثيل الأبرز لخصوصية بلد صغير المساحة واسع الصدر. أما إذا قرَّبنا المجهر من حديثها بشأن امتلاك اللغة الإنجليزية من طرفها، أو بالأحرى تمكنها منها، فإنّ ذلك قادنا إلى سؤالها الذي أعددناه سلفا وأصبحَ الآن ضروريّا: «الترجمة شرفة نفتحها للآخر؛ ليطلَّ منها علينا، أليس كذلك؟» ولكنها في الوقت ذاته رهان على صيرورة المحلي إلى الخارجي أو العالمي، إنْ صح التعبير، فما رهانكِ ورأيكِ في هذا الصدد؟

- نحن، للأسف، لا نعرف قيمة ما لدينا، ولذلك فنحن نعيش في قوقعة. لابدّ من أن ننقل إلى الآخر تاريخنا وتراثنا، ولأننا اليوم في عصر القرية الإلكترونية الواحدة فالترجمة ضرورية بقصد التواصل، وبقصد التعريف والتوثيق لما كنا ولانزال عليه... رأيي يستند إلى هذه الرؤية، فالترجمة نشأت عندي على محبة في البدء، لكنها أصبحت مشروعا مهمّا إنْ نظرنا بعمق في المسألة.

*وهل يمكن اعتبار هذه التجربة منطلقا لمشروعات أخرى مقبلة لنقل المحلي (البحريني) إلى العالمي؟

- نعم، ولكن الأمر صعب لأنّ لغتي العربية لاتزال بحاجة إلى التطوير، ولكن النية موجودة. قرأتُ كتاب نادر كاظم «استعمالات الذاكرة» واجتهدتُ في قراءته وفهم لغته والمصطلحات وفهمه، وربما يكون الوجهة المقبلة لترجمته.

نقول إنّ الكتاب مادة خام لمشروعات وأبحاث منتظرة، وهذا ما يؤكّده المؤلف والمترجمة، وصواب أكثر القول إنّ الصورة البانورامية التي يعرضها الكتاب بلغة بصرية، فضلا عن أن اللغة المكتوبة تختزل الكثير من عصارات البحوث الأكاديمية لا من جهة منهجيتها، وإنما من جهة ما تمنحه هذه البانورامية من دلالة عميقة على ذاكرة مكان وشعب.

نتأكد من هذا لأن صور الأماكن وصور اللوحات تؤرّخ وتنطق بما يدفع بنا دوما نحو هذا الاتجاه. اللغة في الطبعتين (العربية والإنجليزية) بسيطة، إلاّ أنّ الأولى ظفرت بأبيات من شعر أبي البحر الخطي، فيما الأخرى لم تفلح في ذلك، لأنّ المترجمة أخبرتنا بأنها واجهت صعوبة كبيرة في ترجمة الشعر... وهنا توقفنا عند مسألة كبيرة مطروحة منذ القدم، وهي مسألة ترجمة الشعر، إلاّ أن لونا آثرت إغفال الأبيات الشعرية على أهميتها ودلالتها، لعدم تمكنها بعد من ترجمتها.

المنامة تجربة تستحق القراءة

ومادام الحديث هنا قد تطرّق إلى الصعوبة، فلا مناص من القول إنّ الكتاب لايزال يبحث عن دار نشر (جيّدة) تؤمِّن النشر الجيّد للكتاب وفق أهميته ووفق المادة التي يحويها، ولاسيما في الكمّ الهائل من الصور التي تستلزم، طبعا، كلفة عالية. غير أن هذا لا يبدو مهمّا عند المترجمة وعند الفنان المؤلّف ذاته من قبلها - كما تؤكّد - ولكن المهم حقّا هو أن يظهر الكتاب بمظهره اللائق، وبالتصميم الأنيق الذي صممته شقيقة المترجمة التي توجّه إليها والدها بالشكر في النسخة العربية، نعني: نهارين.

على هذا، فإن الكتاب المنتظر صدوره بعد الانتهاء من عملية ترجمته سيظل يرقب الفرصة الملائمة لحضوره، وسيكون فاتحة جيدة لمترجمة طموحة، وربما لمشروع مقبل عبر الترجمة.

وحتى صدور الكتاب وددنا في ختام حوارنا مع لونا أن تؤثث النهاية بكلمة أخيرة، فقالت: «إنها فرصة جيدة، والأمل في ترجمة أعمال مقبلة قائم. إحساس العالم واحد، أنا مؤمنة بهذا، ولذلك فبالإمكان الإفادة من بعضنا بعضا. أتمنى أنْ يقرأه البحرينيون والعرب أيضا لأنه مفيد وباق ويحكي موروثاتنا وتاريخنا».

وبعد، يمكن القول إنه لا مناصَ من عملَيْن متوازيَيْن ينحو الأوّل إلى الحوار، فيما الآخر يستنطق النسخة المخطوطة ويقارنها بالنسخة الأصل. وإذا كنّا وصفنا الترجمة بأنها إبداعية، فذلك لأنَّ المترجمة التي تحمل شهادة «ماجستير في الاقتصاد من جامعة لندن 2003 وشهادة بكالوريوس مُحاسبة من جامعة البحرين»... لم تكتفِ بالترجمة الحرفية للكتاب، وإنما راحتْ تضيفُ إليه وفق توجهها ومنظورها الرؤيوي. فالكتاب في نسخته العربية يصطبغُ بحسِّ وذاكرة فنان أحبَّ مدينته فكتبَ عنها ودرسها، ورغب في أنْ يكون عمله بداية لأولئك الذين يستشرفون المستقبل وللباحثين في هذا المجال التاريخي.


مدينة المنامة خلال خمسة قرون

مدينة المنامة، عاصمة البحرين وأكبر مدنها، تقع في الجزء الشمالي المنخفض من جزيرة البحرين، وقد برزت إلى حيّز الجود بذلك الاسم في القرن الخامس عشر الميلادي، غير أنه لا توجد في المنامة مبانٍ قديمة، وإن وجدت فقد تم تجديدها عدة مرات، وذلك لرداءة المؤونة المستخدمة في البناء، ومن أقدم تلك الأماكن المعروفة مسجد الخواجة وسط المدينة، ومسجد الخميس، اللذين ذكرهما الشاعر الخطّي سنة 1008هـ، وقلعة الديوان التي جدد بناؤها في القرن السابع عشر في حدود سنة 1730م، وقد جاء ذكر المنامة في وثيقة عثمانية مختومة بختم أمير الإحساء العثماني، مرسلة إلى دار السلطنة، ومؤرخة في سنة 981هـ الموافقة لسنة 1573م، ورد فيها:

«في البحرين أكثر من ثلاثمئة قرية، وإن ريعها السنوي أربعون ألف (فلوري، وهي عملة ذهبية خاصة ضرب البندقية سنة 1284م، عرفت في الشرق باسم «بندقي») خاصة من صيد اللؤلؤ، ثم أمر السلطان ببناء برج قلعة في ميناء المنامة».

خطط لبناء مدينة تجارية في نهاية القرن الخامس عشر الميلاي، وذلك للتوسع التجاري الذي جلبته تجارة اللؤلؤ المتصاعدة، والانفتاح الذي جاء من خلال ارتباط البحرين بهرمز، والتي كانت بدورها ميناء مفتوحا على العالم في ذلك الوقت.

من كتاب «مدينة المنامة خلال خمسة قرون» لعبدالكريم علي محمد العريض

العدد 2304 - الجمعة 26 ديسمبر 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً