شن خطيب جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبته أمس (الجمعة) هجوما لاذعا ضد مشروع قانون أحكام الأسرة الذي قررت الحكومة إحالته إلى السلطة التشريعية، مؤكداَ انه لا تراجع عن وجود الضمانات لتمرير هذا القانون.
وأكد قاسم أن «خيار العلماء في هذا البلد هو وضع آمن مستقر مستقل عادل، ومسيرة تعاونية صاعدة، وحرية نظيفة في الدين والدنيا». وأضاف «هناك تعامل محير من الحكومة، والمطلوب هو الوضع الهادئ الآمن، ولهذا طريق ولغيره طريق، والمطلوب من الحكومة أولا ومن الشعب ثانيا، بحسب منزلة المسئولية، وبحسب تولي الأمر، وملك الإمكانات، وليس من أن الحكومة أو أي واحد أولى من الآخر في العمل على تصحيح الأمور، المطلوب من الحكومة أن تعمل جاهدة في التثبيت والاستقرار لوضع آمن، وأن تعم الحرية النظيفة مجال الدين والدنيا».
وقال قاسم: «من المؤسف الذي يشهد به الواقع، أن خطوة واحدة في هذا الاتجاه مفقودة، وأن خطوات متلاحقة من النوع الاستفزازي يتلو بعضها بعضا. والكلام الآن في المجال الديني؛ تضييق على المساجد والحسينيات، في مجال الوظيفة بالنسبة إلى المساجد، ووصل التضييق إلى موضوع التشييد والتعمير، وملاحقة ما ارتبط بشعائر دينية، منذ زمن طويل ولم يحدث هزة اجتماعية، ولا أثار سلبية على الحكم، مطاردة الأعلام واللافتات الدينية عامة، والحسينية خصوصا».
وتابع «هذا الإصرار المتواصل الذي يتجدد اشتداده بين الحين والحين بالنسبة إلى تغريب قانون أحكام الأسرة، وهذه قضايا لا نجد لها ضرورة سياسية، ولا خطرا على الدولة، وملاحقتها لا تمثل ضرورة سياسية، وفي هذه الملاحقة استفزاز وإثارة ولأنها تطال الضمير الديني وتعذبه، فهي مثار فتنة كبيرة. ومن الغريب أن يكون هذا».
وذكر قاسم أن «المطلوب هو مرجعٌ قضائيٌ منضبط، يرجع إليه القضاة والخصماء والمحامون، وأن يكون هذا المرجع التشريعي أو القانوني متقدما وعادلا غير متهم. صحيح أن هذا مطلوب. ونتساءل هنا: ماذا تقولون في شرع الله؟ مرة نواجه شرع الله بعقلية وضعية، والعقلية الوضعية لها أن تتهم ذاك وأن تتهم دين الله، وأن تتخلى عن دين الله حسب عقليتها، لكن التعامل في هذا البلد مع شرع الله هو بعقلية دينية، أم أنها تشك في عدل الله، وتقدم تشريع الغرب على شرع الله، في ظل عقلية دينية قام دينها بالعلم على عظمة الله، فلا يصح أبدا أن يواجه التشريع الذي نجهل حكمته بالاستنكار».
ونوه قاسم إلى أن «هذا الشعب يتعامل مع شرع الله، على أنه أعظم شرع، وأدق شرع، فإذا كان لأية جهة من الجهات رؤية أخرى، فهي في اتجاه غير الاتجاه الشعبي. قالوا أن هناك ظلما مرعبا في القضاء، وإذا كان كذلك فهو من مسئوليتهم، ولم يأتِ تشريع الأرض بحل للظلم في أي مساحة من مساحات الحياة بما هو أصح من دين الله».
وقال: «الظلم في القضاء إذا قررتموه، فهو مسئولية وضع قضاة أنتم أعلم بهم، إما لجهل، أو لفقد عدالة أو لخبرة، وهي مسئوليتكم، وليست مسئولية شرع الله الأحق بالعدل. تلكما حجتان، لكن ما هي الدوافع، الحجة الظاهرية شيء والدافع أمر آخر، فقد يكون الدافع من خارج البلاد الإسلامية، ولسنا مستعدين للتنازل عن هويتنا وديننا ترضية للآخرين الذين يختلفون عنا دينا ورؤية، مجاملاتكم على حساب الإسلام لا يقبلها الشعب. ولماذا هذا الموقف الضعيف والاستسلام أمام طلب الآخر في مسألة الدين، بينما يواجه ذلك موقف شديد حينما يتعلق الأمر بالسياسية، فحين تطالبون بالديمقراطية وتحسين الحقوق تقفون وتحاربون، بينما تستلمون حينما يتعلق الأمر بالدين».
وأضاف قاسم أن «طرح الموضوع من جديد، هل هو تجربة لفاعلية الحملات الإعلامية وتوظيف المال وتوظيف السياسة، وتوظيف كل شيء في هز القناعات الإسلامية، في مواجهة الارتباط الأكيد من الشعب للدين، هل تأتي هذه المحاولة الجديدة لامتحان صلابة الشعب، وهل أثرت الحملات المضادة للشعور والوعي الديني بالدرجة المطلوبة، هل تريدون من جديد أن تعرفوا صلابة الشعب في دينه. كان لنا دورٌ إعلاميٌ دافع، وكلمة صارخة تستحث الجماهير للوقوف ضد هذه الحملة، لأن وعي الشعب وحرصه على دينه كافٍ، ونحن لسنا بحاجة إلى هذه الكلمة الصارخة».
وأوضح قاسم أن «الموقف العلمائي ثابت، وليس فيه أي تراجع، ليس على مستوى الرأي وليس على مستوى الموقف (...) هما خياران لا ثالث لهما، كانا ومازالا، ضمان الشرعية الفقهية على مستوى المذهب الجعفري، باعتماد المرجع الأعلى لمشروع القانون، يضاف إلى ذلك مسألة إسباغ الصفة القانونية على المشروع وهو عمل المجلس النيابي. للمرجع وظيفة لا تمس الدولة ولا تعني تدخلا في سياستها. أما الخيار الثاني، اعتماد القضاء الجعفري على رأي المرجع الأعلى للشيعة مباشرة بقرار صادر من مجلس القضاء الأعلى ابتداء لمرة واحدة، ويكون القرار ثابتا لا يغير من المجلس نفسه ولا من غيره»
العدد 2304 - الجمعة 26 ديسمبر 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1429هـ