تناقلت وكالات الأنباء وقف المملكة العربية السعودية «العمل بآلية تنفيذ التنقل بالبطاقة الشخصية (الهوية الوطنية) بينها وبين دولة الإمارات العربية المتحدة». ووفقا لتصريحات مدير عام الجوازات السعودي اللواء سالم البليهيد «فإن المملكة العربية السعودية أوقفت ذلك بموجب المادة الرابعة من البيان المشترك الصادر عن وزارتى الداخلية فى البلدين المتعلق بآلية تنفيذ التنقل ببطاقة الهوية الوطنية لمواطني البلدين عبر المنافذ الرسمية لهما، والذي أعطى الحق لأي منهما إنهاء العمل بهذه الآلية بإشعار الطرف الآخر ويسري الانتهاء بعد انقضاء تسعين يوما من تاريخ الإشعار». ويوضح البليهيد الأسباب التي دفعت الرياض إلى الإقدام على هذا الإجراء قائلا بأنه «يعود إلى أن الخريطة التي تظهر على بطاقة الهوية الوطنية لمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة لا تتفق مع اتفاقية تعيين الحدود بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة المبرمة بتاريخ 21 أغسطس/ آب من العام 1974. من الطبيعي أن من سيدفع ثمن هذا الوضع المتأزم بين الدولتين الجارتين هم المواطنون كثيرو التنقل بين البلدين، الذين سيضطرون إلى اللجوء إلى إجراءات إضافية تغير من نمط الطرق التي تعودوا عليها منذ السماح لهم باستخدام الهوية عوضا عن جواز السفر. من الطبيعي أن تكون هناك الكثير من الانعكاسات والسلبيات الناجمة عن هذه الخطوة، من الضرورة فهم، أو تخمين الدوافع التي تقف وراءها، والتي يمكن تلخيصها في الاحتمالات التالية:
1. خلافات عالمية ذات طابع اقتصادي لها علاقة مباشرة بالأزمة الاقتصادية العالمية، وانعكاساتها على أسواق مصادر الطاقة، وعلى الخصوص النفطية منها. فالدولتان عضوتان في منظمتي الأقطار العربية (أوابك)، والعالمية (أوبك) المصدرة للنفط، وتوفران نسبة عالية من حصة الأوبك في سوق النفط العالمية. ومن هنا فمن الطبيعي أن يؤثر موقف أي منهما في تلك الأسواق على العلاقات السياسية بينهما.
2. خلافات إقليمية ذات طابع مالي، والمتمثلة في الخلاف الذي دَبَّ بين الدولتين جراء التنافس على دولة المقر لصندوق النقد الخليجي، والذي فازت الرياض باختيارها العاصمة التي ستحتضن ذلك المقر، وأدى ذلك إلى انسحاب الإمارات من اتفاقية النقد الموحد، وتوترت الأجواء وانعكس ذلك حينها على تدفق حركة المرور البري عبر الحدود بين البلدين.
3. خلافات إقليمية سياسية، حول الموقف من القضايا الإقليمية، من نمط القضية الفلسطينية، والصراعات المحتدمة على ساحتها، أو الملف النووي الإيراني والاصطفافات الدولية والإقليمية التي أفرزها. وخاصة أن للإمارات خلافات تاريخية مع إيران بشأن الجزر الثلاث، وللرياض هي الأخرى صراعات تنافسية مع طهران طابعها ديني مذهبي من جهة، والخلاف على زعامة المنطقة من جهة ثانية. على انه، وبغضّ النظر عن مسببات تلك الخلافات أو خلفياتها، فما هو أشد خطورة هو انعكاساتها السلبية، ذلك أن طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة الخليجية، لم تعد تستحمل أي شكل أو مستوى لتصعيد الخلافات الداخلية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى أخذه باتجاه مناحي أخرى، نحن على ثقة من أن أيّا من الدولتين لا ترغبان فيها. وهنا لابد من الإشارة إلى مرونة الموقف السعودي، دون أن يفهم من الكلام توجيه اللوم لدولة الإمارات، لكون الأولى لم تصعد الخلاف واكتفت بمنع سفر المواطنين مستخدمين بطاقات الهوية الشخصية. الخوف من أن يفتح هذا الإجراء، دون أن تقصد الرياض، أو أبوظبي بالطبع، فرصة ذهبية أمام القوى الانتهازية المحلية والإقليمية والعالمية، كي تصب الزيت على النار وتزيد من اشتعال لهيب الخلافات بين الأشقاء، وتوسع من شقة الخلاف كي يصل إلى مرحلة يصعب التراجع عنها. فأي تصعيد لأي شكل من أشكال الخلاف، يمكن أن يتطور كي يمس نقاط خلافات أخرى هي الآن في مرحلة الخمود، ولا تحتاج إلى أكثر من عنصر خلاف يوقضها. هناك الصراعات الطائفية، ومعها النزاعات المذهبية، وأخيرا هناك التنافس على مناطق النفوذ، ومواقع الزعامة، وجميعها قنابل موقوتة، إن هي انفجرت بوسعها أن تطيح بصرح مجلس التعاون الخليجي، وهو نهاية لا تقبل بها الرياض، ولا تتمناها أبوظبي. المواطن الخليجي، تملؤه الثقة في سعة صدر الرياض بوصف كونها الدولة الأكبر، ومرونة الموقف الظبياني الذي اشتهرت به الإمارات منذ تأسيس مجلس التعاون، كي يقنع العاصمتين بتقديم شيء من التنازل لبعضهما البعض، كي يصل الطرفان - كل من باب حرصه على وحدة الكتلة الخليجية، وإصراره على إغلاق أي من النوافذ التي يمكن أن يتسلل منها كل من له مصلحة في إحداث شرخ هذا البنيان - إلى نقطة التقاء في منتصف الطريق بين موقفيهما. من الطبيعي أن تراعي العاصمتان أن هذا البناء الخليجي، الذي تجاوز عمره الربع قرن، وعلى الرغم مما كل ما يقال عنه، لكنه، يبقى في نهابة المطاف، وحتى يومنا هذا يمثل أكثر شكلا من أشكال العمل العربي المشترك تطورا، من حيث العلاقات فيما بين أعضائه، وأشدها صمودا في وجه الأعاصير الداخلية والعواصف الخارجية التي حاولت تهشيمه، ومن هنا فإن مسئولية الدوليتن التاريخية حمايته والدفاع عنه، حتى وإن تطلب ذلك التعالي فوق الخلافات الصغيرة مثل تلك التي فجرت الخلافات الأخيرة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2542 - الجمعة 21 أغسطس 2009م الموافق 29 شعبان 1430هـ