العدد 2542 - الجمعة 21 أغسطس 2009م الموافق 29 شعبان 1430هـ

الأزمة الإيرانية في أسبوعها الحادي عشر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت تداعيات أزمة انتخابات الرئاسة الإيرانية أسبوعها الحادي عشر وبدأت تتكشف عن عناصر جديدة تتجاوز حدود تدوير نتائج صناديق الاقتراع وذاك الفائض من الأصوات في «المناطق الريفية» و«القرى النائية». فالأزمة الآن انتقلت من مقر الرئاسة إلى تشكيل الحكومة ونوعية التركيبة الوزارية وحركة المناقلات في المواقع والمناصب ومصادر الثروة والقرار.

الثنائي أحمدي نجاد- مشائي يخطط لمواصلة الزحف على السلطة والتحكم بمفاصلها من خلال توسيع شبكة الولاءات الشخصية والمحسوبيات بذريعة ضمان التجانس في التوجهات الايديولوجية تؤدي إلى حال من التطابق في إدارة الدولة خلال السنوات الأربع المقبلة.

سياسة الزحف على السلطة التي يعتمدها الثنائي (الرئيس وصهره) تقوم على فكرة الدفع نحو المزيد من العسكرة والابتعاد قدر الإمكان عن روحية الثورة و«خط الإمام» الذي سار عليه الجيل الأول (المؤسس). والعسكرة في بلد غني في تنوع مصادر ثروته تتطلب الكثير من عمليات الكسر والتموضع حتى تستقر السلطة في قبضة حديد.

ما يحصل في إيران في عهد الثنائي أحمدي نجاد- مشائي ليس مجرد خطوة عادية في سياق تطور الدولة من محطة إلى أخرى. فالمناقلات التي أخذت تظهر صورها تكشف عن سياسة تطمح إلى إعادة إنتاج السلطة وتدوير الصلاحيات تمهيدا لتشكيل هيئة تمتلك القوة وتتميز بقدرات تعطيها أفضلية لا تستطيع المراجع التقليدية العليا منافستها أو التخفيف من توغلها.

ما يحصل ليس حركة تصحيحية وإنما خطوة انقلابية تبدأ أولا في الداخل (كسر شوكة الشارع) لتنتقل ثانيا إلى الخارج (توسيع شبكة العلاقات مع الغرب). وحركة الانتقال من موقع إلى آخر لا يمكن أن تتم بسهولة إلا إذا نجح الثنائي (الرئيس والصهر) اعتمادا على «تيار المحافظين الجدد» في ضبط إيقاع التوازن بين أجنحة العسكرة من جانب وإضعاف مراجع التقليد في مدينة قم من جانب.

حتى الآن لم يتوصل الثنائي إلى هذا الطور الانقلابي. ولكن حيثيات الحراك السياسي تكشف عن سلسلة نجاحات ميدانية في هذا السياق. فالعسكرة التي تعتمد على موارد الاقتصاد الحديث (النفط والغاز والصناعات الحربية) بدأت تزحف على السلطة اعتمادا على مؤسسات «الحرس الثوري» وقوات الاحتياط (الباسيج) وما تتفرع عنه من هيئات البناء (شركة المقاولات). وهذا النمو لدور العسكرة (المحافظون الجدد) لا يمكن فهم خصوصيته السياسية من دون ملاحظة احتمال تراجع موارد الاقتصاد التقليدي (البازار، الحرف، المهن، الصناعات المنزلية) في التأثير على إدارة السلطة وأنشطتها الاجتماعية والإنمائية والتربوية والصحية وغيرها من تفرعات في القطاعات الخدمية الموازية.

المسألة في نهاية المطاف اقتصادية. والجهة التي تتحكم بمصادر الثروة تستطيع من خلالها السيطرة على مواقع السلطة وإدارتها بالاتجاه الذي يخدم نزعة العسكرة. وبناء على هذه القاعدة الاقتصادية يمكن فهم الكثير من التوجهات السياسية ومعنى إصرار أحمدي نجاد على التمسك بصهره مشائي وتصعيد وجوه شابة ونساء اعتمادا على المحسوبيات والعلاقات الشخصية والولاءات لا الكفاءات.


عسكرة الاقتصاد

هذا النوع من الحراك السياسي في إطار المناقلات وتوزيع الحصص في المناصب والمسئوليات يعطي فكرة عن طبيعة التوازن في القطاعات المنتجة ومصادر الثروة. فالقوى التقليدية التي تعتمد على موارد الحرف والمهن والزراعة وسوق البازار أخذت تتراجع مداخيلها مقابل نمو موارد القوى السياسية التي تعتمد على ريع الغاز والنفط والمقاولات والتصنيع الحربي. وانقلاب التوازن في معادلة الاقتصاد سيكون له تأثيره الايديولوجي المباشر في تعديل السياسة الإيرانية على مستوى الداخل (العسكرة والانغلاق والتحكم) والتعامل مع الخارج (الانفتاح وترتيب علاقات تضمن حماية للنظام).

التعديل في السياسة الخارجية يتطلب داخليا مجموعة شروط لابد من إنجازها حتى تستطيع السلطة (المحافظون الجدد) استخدام «العسكرة» من دون ممانعة أو مخالفة. وهذه الشروط تحتاج إلى استكمال محاصرة الشارع من خلال تطوير خطوة إضعاف موارد الاقتصاد الحرفي الذي تعتمد عليه مراجع التقليد في مدينة قم ما يؤدي لاحقا إلى تهميش نفوذها وتأثيرها على السلطة السياسية. مقابل هذه الخطوة تحتاج «العسكرة» إلى تنمية موارد الاقتصاد الريعي باعتبارها تشكل المصادر الرئيسية لمداخيل الدولة ما يعطي قوة مضافة لسياسة التحكم بمفاتيح السلطة وقنواتها وشبكة علاقاتها الاجتماعية (إعادة توزيع الثروة).

في حال نجح الثنائي (أحمدي نجاد- مشائي) السير بإيران بهذا الاتجاه (العسكرة) تكون الدولة فعلا دخلت في صورة سياسية مخالفة لتاريخها المعهود في العقود الثلاثة الأخيرة. ويكون الثنائي سجل نقطة مفصلية في طبيعة العلاقة الثنائية بين الدولة ومراجع التقليد إذ ستنتقل السلطة طوعا من طور التعدد والتنوع والتوازن كما هو الحال الآن، إلى طور التفرد والتحكم وتسلط الأجهزة على الشارع وتهميش دور المرجعيات الوسطى والعليا وتحديدا تلك التي تعتمد على موارد الاقتصاد التقليدي في صوغ السياسات الداخلية والخارجية.

المعركة الدائرة في إيران ليست بسيطة وهي فعلا تحتاج إلى قراءة نقدية وإعادة تفكيك لعناصرها الخفية للتعرف على طبيعة المواجهة غير المعلنة بين نمو دور الدولة (المركزية) على حساب احتمال تراجع دور مراجع التقليد (المتنوعة) في التأثير على إدارة السياسة.

المراجع التي تعتمد على موارد الاقتصاد التقليدي لتحريك مؤسساتها الخدماتية تحترم إرادة الشارع وخصوصيات القطاعات الحرفية والمهنية (سوق البازار) لأن هناك علاقة مصلحية وتاريخية تنظم التوازن بين مدن قم ومشهد واصفهان وتبريز وغيرها وصلاتها اليومية بتلك الشبكة الواسعة من العلاقات التي تربط الفقيه (المرجع) بالناس.

أما أجهزة الدولة (تيار المحافظين الجدد) فهي لا تحترم بالضرورة إرادة الشارع وهي غير مضطرة لمراعاة خصوصيات القطاعات المنتجة القديمة لأنها لا تعتمد في مواردها على «البازار» وإنما على اقتصاد الريع وغيرها من مصادر حديثة (النفط والغاز والتصنيع الحربي)غير مرتبطة بالقنوات التقليدية. فهذه القطاعات تخضع مباشرة لإشراف مؤسسات الدولة ما يعطيها قوة مستقلة تستطيع استخدامها من خلال تطوير شبكة العسكرة لإضعاف بعض مراجع التقليد التي تعتمد على الناس (الشارع) في مواردها.

هناك تحولات مهمة ستشهدها جمهورية إيران الإسلامية في الفترة الثانية من عهد رئيس الأمر الواقع. والمتغيرات لن تقتصر على تجويف الداخل (انقلاب الجيل الثاني على الأول وكسر التوازن المتوارث لمصلحة مركزية الدولة على حساب مراجع التقليد) وإنما أيضا ستظهر ملامحها العجيبة والغريبة قريبا في إطار كسر العلاقات مع المحيط والجوار والخارج.

الكلام الذي قاله أحمدي نجاد خلال استقباله للرئيس السوري في طهران للتهنئة بمناسبة إعادة انتخابه «التاريخي» يعطي إشارة سريعة عن مضمون توجهات إيران الدولية في الفترة المقبلة. فالرئيس «المسكين» شدد في كلمة الاستقبال على مسألة حاجة الغرب لدعم سورية وإيران وتعاونه معهما «خدمة لمصالح الشعبين وشعوب المنطقة». وحين يكون «الغرب» بحاجة إلى سورية وإيران في إطار إبداء الاستعداد للدعم والتعاون تكون سورية وإيران بحاجة أيضا إلى دعم الغرب وتعاونه (السماح الأسبوع الماضي بتفتيش مواقع نووية). فالحاجة عادة ثنائية ومتبادلة وهي لا تظهر بسرعة على المسرح إلا بعد أن تكون معركة الداخل الإيراني انتهت لمصلحة مركزية الدولة على حساب تعددية مراجع التقليد.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2542 - الجمعة 21 أغسطس 2009م الموافق 29 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:48 ص

      مراجع التقليد ضمان الأستقرار

      أعتقد على الكاتب أن يعيد قراءته بسبب أن مراجع التقليد هي التي تتحكم في حركة الحكم السياسية والأقتصادية والأجتماية بناءا على الحكم الشرعي الذي هو من أسس العقيدة لدينا. ودليل ذلك أن الأستقرار في البحرين لا يتم ضبطه إلا من خلال ألتزام الناس بمراجع الدين وهذا ما لم يدركه الكاتب الذي أقترح عليه أن يعمل في قناة العربية إذا أراد أن يفصل الحكومة في ايران عن مراجع التقليد خصوصا أن لدينا فقهاء سياسيون من أمثال السيد عل خامنئي التي تغنينا عن خرافات الكاتب العربي.

اقرأ ايضاً