العدد 2542 - الجمعة 21 أغسطس 2009م الموافق 29 شعبان 1430هـ

العيش في الاستثناء... إسكان القرى الأربع مثالا

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هناك لعبة يجريها الحقوقيون في ورشهم، واللعبة قائمة على فوز من يحصل على مزيد من البطاقات الملونة بألوان هي الأحمر والأخضر والأزرق والأبيض، تبدأ اللعبة بتوزيع الأوراق الملونة على المشاركين عشوائيا، بعدها يطلب من كل مشارك أن يأخذ بطاقات الآخرين بأية وسيلة كانت، على قانون مفاده بأن صاحب البطاقة الحمراء يستطيع أن يأخذ أي بطاقة في حين لا يستطيع أحد أن يأخذ بطاقته، أما صاحب البطاقة البيضاء فإنه بإمكانه أن يهب بطاقته لمن يشاء إلا أنه في المقابل لا يستطيع أن يأخذ أية بطاقة، أما أصحاب البطاقات الزرقاء والخضراء فباستطاعتهم أخذ أي من البطاقات باستثناء البطاقة الحمراء، وعند بدء اللعب يتحرك الجميع ما عدا أصحاب البطاقات البيضاء فإنهم غالبا ما يجلسون في أماكنهم وهم يقدمون بطاقتهم لمن يريدها والشعور بالدونية لا يفارقهم، أما أصحاب البطاقات الخضراء والزرقاء فتجدهم يتحركون وهم يصارعون بعضهم بعضا، وفي الوقت ذاته يخفون بطاقاتهم خشية من أن تؤخذ منهم، في حين يتحرك أصحاب البطاقات الحمراء بكل زهو فهم مطمئنون على بطاقاتهم، كما لا توجد بطاقات محرمة عليهم، عندها يشعرون أنهم مختلفون عن الآخرين وأنهم يعيشون في حالة استثناء حالهم حال أصحاب البطاقات البيضاء ولكن استثناء عن استثناء يفرق.

يُعرّف المستثنى في اللغة بأنه «الاسم المُخرَج من جنس المُخرَج منه، أي: المطروح أو المتروك» وللاستثناء أنواع أهمها: ما يعرف بالاستثناء المتصل وهو ما كان فيه المستثنى من نفس نوع المستثنى منه مثل: ظهرت النجوم إلا نجمة، وآخر يعرف بالاستثناء المفرغ أو الناقص المنفي ويعني القصر والحصر ولا يوجد فيه مستثنى منه مثل: ما انتصر إلا الحقُ.

هناك أوضاع تعيش فضاء الاستثناء في عالمنا العربي، فالمخيمات الفلسطينية تعيش حالة من الفوضى في المناطق العربية، فهم يعيشون في مناطق بؤس تحيط بالمدن، فالبناء تم فيها بشكل فردي وعشوائي وبحسب رغبة كل شخص، وكانت النتيجة انتشار المباني كعشوائيات في جميع الاتجاهات، يقول أحد المهتمين بشأن اللاجئين الفلسطينيين، إن الفوضى «ليست مبنية على غياب القانون، لكن على استثناء مجموعة سكانية من الحيّز الذي يسود فيه القانون، فالمخيمات الفلسطينية في لبنان ليست تحت مسئولية الدولة اللبنانية، هذا يعني أن الفلسطينيين مستثنون من مجال العمل والحقوق المدنية، لكن في الوقت نفسه، يشملهم القانون من حيث الواجبات، فهم يدفعون الضرائب».

العيش في المقابر في مصر حالة استثناء؛ فعندما لا تتوافر للإنسان العادي أسباب العيش والسكن الكريم في المدينة، بسبب سوء إدارة السلطة للشئون العامة، فإنه سيضطر إلى أن يكون من سكان المقابر في حياته قبل مماته، بل آثر بعضهم أن يعيش في أماكن ليس لها عنوان وما تعرف بالعشوائيات مكونين بذلك مجتمعا جديدا ينتشر فيه العنف والجريمة، مجتمعا دون هوية ودون تسمية ودون نظام، بل خارج عن القانون؛ لأنه ببساطة يعيش حالة استثناء فرضته عليه الدولة.

عندما يجد الإنسان نفسه معرضا أن يعيش حالة استثناء عن الآخرين، فإنه حتما سيلجأ لأن يكون خارج النظام، ويتصرف خارج القانون لأنه في الواقع ومن دون إرادة منه أصبح خارج دائرة الاهتمام والمواطنة بل الإنسانية، وهو يرى في الجانب الآخر منه أن هناك أناسا في وطنه كتب عليهم أن يعيشوا في حالة استثناء ولكن استثناء إيجابي، فهم في عيش كريم، لا تتصفح في وجوههم الغبرة، مقامهم محفوظ وهامتهم مرفوعة ومطالبهم مجابة، فكيف يكون تصرفه وشعوره، وإلى أين يلجأ وأي سلوك يتخذ؟

يتساءل أهالي البحرين هذه الأيام عن البربورة، بأي ذنب استبعدت؟ وعلى أي حال يعيش المستثنون من أهالي القرى الأربع من إسكانها؟

ولِمَ كتب عليهم دون غيرهم أن يفاجأوا على حين غرة أن ما انتظروه ذهب لغيرهم؟

بل لمَ كتب عليهم أن يكونوا حالة استثناء؟

سؤال نوجّهه إلى مسئولي وزارة الإسكان: ما فتئ الإمام السجاد عليه السلام من الدعاء لربه أن يهبه «القول بالحق وإن عزّ»، قولوا لنا بالحق وإن عزّ عليكم، هل سياسة الإسكان المقبلة ستكون حتما بالأقدمية؟ أم أهالي القرى الأربع سيكونون مستثنى بـ «إلا»؟

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 2542 - الجمعة 21 أغسطس 2009م الموافق 29 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:41 ص

      كشف المستور

      حتى الآن لم يفهم الكثير أصول اللعب فى البحرين ، يكفى أن تعرف ان هناك معلمين من الخارج لا يدرسون فى المدارس وليست لهم حصص ، ويكفى أن تعرف ان هناك مجنسين حصلوا على منازل من الإسكان واساتذة بحرينيين بلغوا الخمسين عام وأكثر وهم فى شقق .....وزيارة للبسيتين تكشف المستور

    • زائر 1 | 2:23 ص

      الاسكان والقرى

      القانون يعدل حسب الطلب ويطبق عليكم فقط فقط....فلا استغراب من مايجري في وزارة الاسكان تعودنا على الاستضعاف والاستهجان والاقصاء والتمييز في جميع امور حياتنا من دراسة وبعثات وعمل وسكن الخ...فالمشتكى والامر لله...

اقرأ ايضاً