عديدة هي الأعمال التلفزيونية التي حاولت أن تعيش بين مشاهديها لسنوات طويلة، فتتابعت أجزاؤها عاما بعد عام، إلى أن ملها المشاهد وبدأ يرفضها بعد أن سأم أفكارها المكررة والمستهلكة. وقليلة هي الأعمال التلفزيونية العربية التي استطاعت بعد ما يزيد على 10 سنوات من الحضور على شاشات الفضائيات، أن تحصد لها في كل عام عددا كبيرا من المتابعين الذين ينتظرون بث حلقاتها بشغف.
هكذا هو الحال مع «طاش ما طاش»... كوميديا سعودية، من بطولة ناصر القصبي، وعبدالله السدحان، تسجل في كل عام نسبة عالية جدا من المشاهدة ضمن قائمة برامج شهر رمضان، على رغم بث 15 جزءا من هذه السلسة، والسادس عشر هو ما سنتابعه هذا العام على شاشة قناة «MBC1»، حتى أن وجهي بطلي المسلسل القصبي والسدحان اللذين لم يتغيرا منذ الانطلاقة الأولى للمسلسل، باتا لازمة رمضانية، لا تكتمل متعة متابعة برامج ومسلسلات التلفاز بعد الإفطار إلا بتخصيص محطة خفيفة تحمل توقيعهما الخاص.
وعلى رغم أن الكثير من النقاد مازالوا يعتبرون الدراما والكوميديا الخليجية ناشئة في طور التبلور، فإن النقاد أنفسهم يعترفون ببدء نضج وتطور تجربة هذا المسلسل، سواء على صعيد الأداء أو الإخراج، وعلى صعيد المضامين الجريئة التي يحاول أن يطرحها، وخصوصا في جو اجتماعي قد لا يجاهر بالكثير من هذه الأخطاء أو القضايا الاجتماعية، فلا يأتي «طاش ما طاش» في كل عام بوجبات ترفيهية فقط، بل باعترافات وإشارات إلى قضايا تنتظر أن تعرض للجدل والحوار عبر وسائل الإعلام العربية، ضمن قوالب قريبة إلى مختلف فئات الناس، لعل من أهمها قالب الدراما والكوميديا الذي يقرب الكثير من الأفكار المعقدة والفجة للناس بطريقة تحاكي حياتهم ومعيشتهم.
أعوام «طاش ما طاش» الفائتة لم تخل من المنتقدين والمعارضين للعمل، فهو الذي حاول أن يضع يده في كثير من الأحيان على قضايا قد تكون شائكة، أو حتى أكثر من هذا في بلد المنشأ السعودية، هذه المحاولات وضعته تحت كم هائل من الضغوط والانتقادات، والتهديدات، حتى أن فتوى بتحريم بثه أو بيعه أو إنتاجه أو الإعلان عنه بشتى الطرق والسبل، صدرت بحق العمل قبل عدة سنوات في السعودية على خلفية بعض الحلقات المثيرة للجدل، مما جعله يحتل مرتبة متقدمة ما بين الأعمال التي تستثير في كل عام أقلام الكتّاب والصحافيين، ليرصد من خلال حلقاته ومساحات الحرية التي أعطيت لمنتجيه ومخرجيه، مؤشرات عن الجو السياسي والاجتماعي في بلده.
وفي مقابل محاولات وضع مسلسل «طاش ما طاش» يده على الجرح - كما يقول بعض النقاد - فإنه في كثير من الأحيان همش الكثير من التفاصيل الإيجابية الموجودة أساسا لحل هذه القضايا في المجتمع السعودي، كما أنه بسط وسطح بعد القيم المهمة لحساب الحبكة الكوميدية للمسلسل، وحوّل بعض القيم التي يعتز بها نسبة من أهل هذا المجتمع إلى مدعاة للسخرية والتندر، من دون أن يراعي خصوصية هذه الصفات لديهم. فبقدر ما حاول العمل أن يصحح ويعدل من أخطاء، وضع نفسه في مواجهة قيم ليست قابلة للجدل والنقاش، والأخذ والرد، وخصوصا ضمن هذا القالب الساخر الكوميدي.
ومع أن «طاش ما طاش» من الأعمال التي باتت معروفة على مستوى العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، فإن تزايد صعوبة اللهجة في بعض الحلقات جعلت من متتبعيه في بلدان غير خليجية يستصعبون فهم مجريات أحداثه وحواراته، مما جعله يخسر فئة كبيرة من المشاهدين، من دون أن نغفل هنا أن هذه اللهجة والتمسك بواقعية المكان والزمان هي من السمات المميزة للعمل، فهو مرتبط ببيئته بقدر محاولته الخوض في قضايا قيمية وأخلاقية قد توجد في أي مكان آخر من العالم.
وتبقى الأنظار اليوم موجهة صوب هذا العمل الذي يتوقع منه الكثير في هذا العام، وخصوصا بعد غياب في العام الماضي. فهل سيتمكن «طاش ما طاش» من عرض كامل حلقاته؟ أم أن مقص الرقيب سيكون بالمرصاد له؟ أم أنه سيكتفي بأن يقدم وجبات تسلية خفيفة للمشاهد بعد صيام يوم حار؟
العدد 2542 - الجمعة 21 أغسطس 2009م الموافق 29 شعبان 1430هـ