لا يستطيع أي جهد إسرائيلي فلسطيني له معنى لتحقيق السلام أن يتجاهل «حماس». إذا كانت للعملية فرصة لتحقيق نتيجة لها معنى، يجب إدخال «حماس» في المعادلة، بغض النظر عن العوائق المحتملة لإدخالها.
بعد سنوات كثيرة من خيبة الأمل، من المفضّل المخاطرة بالفشل بدلا من الاستمرار بعملية سلام غير كاملة وخاطئة من البداية بسبب مشاركة فلسطينية جزئية فقط. هذا التوجه الذي يستثني حماس يضمن بشكل شبه مؤكد معارضة نشطة وعنيفة من حماس المستثناة، الأمر الذي ينتج عنه انهيار مؤكد تقريبا.
تلوثت المناداة الغربية بإدخال الديمقراطية إلى العالم العربي برفض الغرب لفوز حماس الانتخابي العام 2006، بغض النظر عن درجة عدم رغبة تلك النتيجة. ولكن فوز حماس كان متوقعا. فقد أظهرت الاستطلاعات خلال السنوات العشر الماضية أن الجمهور العربي ينزع لأن يكون أكثر معاداة لـ «إسرائيل» ولأميركا وأكثر إسلامية من معظم الزعماء العرب، على رغم ردة الفعل الإيجابية الأخيرة نحو ما يسمى «عامل أوباما». نتيجة لذلك، ما كان يجب أن يدهش أحدا أن عزل حماس من قبل «إسرائيل» والغرب أثبت كونه عديم الفائدة، وأنه لن يجعل حماس ترضخ لرغبات الغرب.
يتواجد الرئيس باراك أوباما في موقع جيد يسمح له أن يحيد عن السياسات السابقة تجاه حماس. وبوجود واشنطن في المقدمة، يستطيع المجتمع الدولي، بما فيه «إسرائيل»، أن يدخل في هدنة محدودة مع حماس، دون إعطائها شرعية دائمة، وإنما فقط دورا في عملية السلام طالما كانت المشاركة مفيدة. وسوف يشمل ذلك نهاية مؤقتة لعزلة غزة عن المعونة والتجارة الخارجيين، باستثناء المعونة العسكرية، كحافز إضافي للتعاون إلى أقصى حد ممكن.
سوف يكون الأمن مرة أخرى أمرا حاسما لنجاح أي بحث عن تسوية. لسوء الحظ أن بعض العناصر في كل من الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو وحماس سترحب من دون شك بالفشل على الجبهة الأمنية كأسلوب مناسب لقتل العملية أو إبطائها. لذا يجب أن يكون هناك جهد أميركي نشط لتقييم دوافع الجانبين وسلوكهما.
ويُتوقع حدوث بعض الانتهاكات من الجانب الفلسطيني كما أثبت لنا التاريخ في كل محاولة تقريبا للتفاوض على السلام في هذا النزاع.
بغض النظر، إذا أظهرت المعلومات الاستخبارية أن أحداثا كهذه معزولة نسبيا، وأنها من عمل مجموعات مارقة، فإن موقف حماس الحقيقي سيؤثر بشكل إيجابي في أي رد طالما أن الغالبية داخل حماس تتصرف عن حسن نية.
لا يمكن النظر للإذعان من بعد واحد. يتوجب على المعلومات الاستخبارية أن تصنّف مصدر العنف، إضافة إلى الموقف تجاه العنف داخل قيادة حماس وقيادتها. يأمل المرء في نهاية المطاف أنه بوجود الجزء الأكبر من حماس داخل الخيمة، متعاونة كما هو مفترض في مجال الأمن فإن العنف المرتبط بالجهود الأكثر تصميما والموجهة نحو السلام ستكون أكثر محدودية هذه المرة.
وبالمثل، يتوجب مراقبة رد «إسرائيل» على أي عنف. يجب الحكم على الردود القاسية أو المحرّضة على أحداث معزولة، أو الردود التي تستهدف المدنيين أو عناصر حماس غير المرتبطة بالعنف، على أنها ضارة بالعملية كذلك.
لن يكون هذا التوجه سهلا، وخصوصا فيما يتعلق بمراقبة حماس. لا يمكن للعمليات الاستخبارية الأميركية أن تكون شاملة ومفصّلة بشكل كافٍ لاستنباط استنتاجات ثابتة في كل حادث يقع. نتيجة لذلك يجب أن تلعب التوجهات والنوايا على المدى البعيد دورا لصالح هذه العملية الحسابية، وليس فقط تحليلا عما حصل في كل حادث على حدة. سيكون تعاون كلا الطرفين في إعداد وتوضيح الصورة الاستخبارية مهمّا، وأن تكون نوعية ذلك التعاون موزونة جيدا عند تقييم صدق حماس وإخلاصها.
بغضّ النظر، ستشكل عملية سلام تقبل بحماس كشريك في الجهد الفلسطيني تحديا حقيقيا للولايات المتحدة والغرب و «إسرائيل». كذلك هناك شك فيما إذا كان الإسرائيليون وهذه الحكومة الإسرائيلية خصوصا، قادرين على قبول توجه أكثر مرونة حيال الأمن.
يجب علينا أن نتذكر أنه بغضّ النظر عما تصرح به حماس أو تقوله لأطراف النقاش، فلن يكون المجتمع الدولي قادرا على تقرير الحد الأدنى الذي تقبل به حماس والفلسطينيون إلا من خلال ضغوطات المحادثات الفعلية. وهو أمر حيوي حاسم لأية عملية سلام لها معنى.
*عالم مشارك بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة ونائب رئيس سابق لمكتب الاستخبارات بوزارة الخارجية للشرق الأوسط وجنوب آسيا، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»*
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ