العدد 2539 - الثلثاء 18 أغسطس 2009م الموافق 26 شعبان 1430هـ

توقيت زيارة مبارك إلى واشنطن

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رشح الكثير من المعلومات والتوقعات عبر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، بشأن الموضوعات التي ستتناولها محادثات زيارة الرئيس المصري حسني مبارك إلى الولايات المتحدة التي بدأها يوم السبت الماضي الموافق 15 أغسطس/ آب 2009، وامتدت من بحث قضايا السلام في منطقة الشرق الأوسط، مرورا بانضمام مصر إلى مظلة نووية أميركية، انتهاء بالتدخل لحل مشكلات الملف النووي الإيراني.

لكن، ولكي نستطيع استقراء ما الذي ستتمخض عنه الزيارة والمحادثات المرافقة لها، لابد من الإشارة إلى بعض المستجدات التي سبقت ورافقت تلك الزيارة، والتي نتوقع أن تترك آثارها السلبية عليها.

أول تلك المستجدات، هي تلك المناورات العسكرية المشتركة التي بدأت يوم الاثنين جنوب تركيا، والتي شاركت فيها، بالإضافة إلى تركيا والولايات المتحدة، «إسرائيل»، والتي حددت مصادر إعلامية أهدافها «في تعزيز التعاون والتنسيق بين المشاركين فيها في مجالات البحث والإنقاذ وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنسيق بين القيادات العسكرية في الدول الثلاث». هذا الأمر يعني، أنه وبغض النظر عن جدول الأعمال بين مبارك وأوباما، لكن ذلك لن يكون على حساب ثوابت العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب.

هذه الثوابت التي، مهما حاولت إدارة أوباما المساس بها، ستجد نفسها تصطدم بالجهات ذات المصلحة المشتركة في استمرار توثيق وتعزيز العلاقت الأميركية - الإسرائيلية من جهة، وعدم تطوير العلاقات الأميركية مع أي من الدول العربية من جهة ثانية.

ثاني تلك المستجدات، هو ذلك الاتهام التي وجهته قيادات يهودية أميركية وبشكل صريح، والذي أخذ حيزا لا يستهان به في القنوات الإعلامية الأميركية الداخلية، إلى مصر بما وصفته تلك القيادات بأنه «إيواء مجرمين نازيين شاركوا فيما يسمّى المحرقة النازية ضدّ اليهود المعروفة بـ «الهولوكوست».

وفي هذا الصدد قال رئيس معهد دراسات الهولوكوست، ومقرّه واشنطن رافاييل ميدوف «لقد كانت السياسة المصرية بعد الحرب العالمية الثانية فيما يتعلق بالترحيب بمجرمي الحرب النازيين وصمة عار لم تسقط حتى الآن».

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد أشارت في فبراير/ شباط 2009 إلى «وفاة طبيب نازي ألماني يُدعَى أريبرت فرديناند هايم في القاهرة»، معتبرة ذلك دليلا على ذلك الإيواء.

هذا الربط المفتعل بين الحكومة المصرية والنازية من شأنه إحداث بلبلة في الأجواء المحيطة بتلك الزيارة.

ثالث تلك المستجدات، هو رفض أربعة وزراء كبار في الحكومة الإسرائيلية، إبان الزيارة، وقبيل لقاء أوباما - مبارك، الضغوط الأميركية والدولية لوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ورغم أن الوزراء حاولوا تمويه هدفهم في التشويش على المحادثات المصرية الأميركية، مشيرين إلى أن الهدف الرئيسي من وراء ذلك، إنما «ينحصر في دعم المستوطنين، والإعداد لبحث في الحكومة يهدف الى منح الشرعية لعدة بؤر استيطانية، وتغيير سياسة الحكومة في المحاكم الإسرائيلية، التي يعتبرها المستوطنون معادية لهم، لكن خبراء في الشئون السياسية الإسرائيلية، أكدوا أن ذلك تم بالتنسيق، وبمعرفة وموافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مؤكدين بأن «الموعد الذي اختاروه لهذه الزيارة الاستفزازية مرتبط بشكل وثيق بالزيارة التي بدأها الرئيس المصري حسني مبارك إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس باراك أوباما».

إذا أضفنا إلى كل تلك المستجدات بعض الثوابت المتعلقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية القائمة في منطقة الشرق الأوسط مثل التشرذم الذي تعاني منه القوى الفلسطينية، والذي بات عميقا لدرجة أنه بات يمس مفاصل القوى الدينية ذاتها، وعلى وجه التحديد حركة حماس، بعد أن كان منحصرا بينها وبين القوى الفلسطينية التقليدية من أمثال فتح والسلطة الفلسطينية، وتوتر العلاقات المصرية - الإيرانية، إلى درجة وصولها إلى ما يشبه القطيعة منذ ما يزيد على خمس سنوات، من جراء الخلاف على ما يجري على الساحة اللبنانية من جهة والموقف الإيراني من مبادرات السلام العربية التي تتزعمها مصر من جهة ثانية، دون أن نغفل هشاشة العلاقات العربية - العربية منذ قمة الدوحة الأخيرة التي هاجمتها مصر، واعترفت بأنها بذلت كل الجهود من أجل إفشالها.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك أزمة العلاقات المصرية - الأميركية إبان الحقبة البوشية (نسبة إلى بوش الإبن)، التي لا تزال ذيولها مستمرة حتى الآن، حيث لم يجر الحديث عن التقليص الذي أقره الكونغرس الأميركي للمساعدات الأميركية لمصر، سنكتشف أن مبارك يذهب إلى واشنطن، وهو في أضعف حالاته، والورقة القوية الوحيدة التي يحملها، وهي محدودة التأثير في وجه كل أوراق الضعف الأخرى، تلك الورقة هي الزيارة الأميركية اليتيمة التي قام بها أوباما، والتي يراهن عليها مبارك في أن تشكل نقلة نوعية إيجابية في تطوير العلاقات المصرية - الأميركية.

محصلة ذلك تقول وبكل صراحة، أنه ليس من الخطأ أن تحاول القاهرة تعزيز علاقاتها مع واشنطن، بل العكس هو الصحيح، فالمطلوب أن تسعى القاهرة وتبذل أقصى ما تستطيعه، لكنها ولكي تحقق ذلك، عليها أن تختار الوقت الصحيح... الوقت الذي تتضافر فيه العناصر المحلية المصرية، مع تلك الإقليمية والعالمية كي تعطي مثل هذا الزيارة أو كلها وتحقق أهدافها الآنية والمستقبلية.

كل الدلائل تشير إلى استحالة نجاح مصر، وفي هذه الظروف، تحقيق أي من تلك الأهداف، اللهم إلا إذا اعتبرنا الزيارة هي هدف استراتيجي في حد ذاتها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2539 - الثلثاء 18 أغسطس 2009م الموافق 26 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً