هل المنطقة تعيش مرحلة «الشرق الأوسط الجديد» وهي على أعتاب تشكله من دون أن تدري أم أن ما يحصل من تطورات مجرد «حوادث مرور» تقع عفويا بين البشر وتسقط بسببها عشرات الضحايا يوميا؟ قراءة المشهد تثير فعلا هذا السؤال الافتراضي. فالمنطقة تشهد حتى بعد رحيل تيار «المحافظين الجدد» وغياب رموزه عن القرار الأميركي سلسلة تصادمات قبلية أو طائفية أو مذهبية أو أقوامية أو سياسية (أقليات وأكثريات) أو مناطقية تؤشر إلى وجود تصدعات بنيوية في خريطة «الشرق الأوسط الكبير».
في باكستان هناك مواجهة مستمرة بين جيش إسلام آباد وتنظيم «القاعدة» المنتشر جغرافيا في وزيرستان ووادي سوات والممتد قبليا في مناطق مجاورة للعاصمة والحدود الأفغانية والهندية.
في الهند هناك مخاوف من «هجمات إرهابية» تجدد سيناريو مومبي الذي كاد أن يسبب مواجهة بين الدولتين النوويتين ويطلق موجة عنف على الحدود الفاصلة في كشمير.
في أفغانستان التي تستعد للانتخابات الرئاسية في 20 أغسطس/ آب الجاري لم يتوقف العنف لحظة. فهو يدور ويتنقل من إقليم إلى آخر كاشفا عن مأزق يتجاوز إطار الحل الأمني الذي تتبناه قوات الحلف الأطلسي وتورطت به إدارة الرئيس باراك أوباما.
في اليمن هناك معارك شرسة تستخدم فيها أثقل الأسلحة وأحدثها لتطويق حركة تمرد قبلية - مناطقية ترفع مطالب غير واضحة في أبعادها وغاياتها ولكنها تتقاطع مع خطوط سياسية ترفع شعارات تقسيمية في الجنوب.
في الصومال هناك منبسط جغرافي يمتد على ساحل بحري طويل تشرذمه معارك قبلية تتنافس على النفوذ تحت برامج تتراوح بين دعوات لتطبيق الشريعة وأخرى تطالب بالغنيمة حتى لو كانت من طريق السلب والقرصنة.
في السودان يتكرر مشهد التضارب في صلاحيات المركز والأطراف ما أدى إلى فتح الانقسام على قنوات قبلية ومناطقية تهدد الوحدة وتعزل «الدولة» وربما تحاصرها مستقبلا في دائرة العاصمة وضواحيها بعيدا عن المتغيرات التي أخذت تطرأ على الأقاليم في الجنوب (جوبا) والغرب (دارفور) والشرق (كردفان).
في غزة تبدو الصورة أكثر قتامة من السابق بعد أن شهد أهالي القطاع سلسلة تطورات لم تحسب في برامج القوى والفصائل الفلسطينية.
في لبنان يبدو الحراك الطائفي- المذهبي هو المتغير الثابت في لعبة التوازن السياسي من دون أن يلغي الأمر احتمال حصول تطورات دراماتيكية في الجنوب بعد تصاعد لغة التهديد الإسرائيلية ضد «الدولة» اللبنانية عقابا لها على المقاومة.
في العراق لا مجال للتفاؤل في بلد حطمه الغزو الأميركي وأفسد علاقاته الأهلية حلفاء الاحتلال فبات الآن ساحة مفتوحة لاضطرابات دموية لا تنتهي تأسست جذورها في عهد الاستبداد وحان قطافها في عصر «ديمقراطية» مستوردة من مختبرات علماء الاجتماع في فترة حكم تيار «المحافظين الجدد» في الولايات المتحدة.
حتى الدول الإقليمية الثابتة في جغرافيتها وتاريخها بدأت تتعرض لعواصف سياسية ناعمة ومخملية. مصر مثلا أخذت تواجه أسئلة تتصل بنسيجها الوطني (مسألة الأقباط) وتلك التشنجات التي تزعزع أمنها في بعض المحافظات بسبب الاحتكاكات الطائفية أو الملاحقات السياسية. وتركيا أيضا ليست بعيدة عن خط الزلازل، واحتمال نمو تصدعات في الهرم الاجتماعي والتوازن السكاني (الأكراد) والمناطقي (الأناضول) ستنتج عنه حالات من العنف في بؤر تقع على مقربة من الحدود السورية - العراقية. إيران بدورها دخلت بسرعة فائقة وغير متوقعة في دائرة الاهتزاز السياسي بعد أن أقفلت السلطة أبواب التفاوض والمصالحة تحت سقف القانون. والحراك الإيراني الذي بدأت مظاهره تتجلى على خريطة التوازنات وانقلاب الجيل الثاني على الأول يمكن أن يمتد إقليميا إذا تداعى داخليا.
«الشرق الأوسط» كله تقريبا يشهد حالات من التوتر أو العنف من باكستان وأفغانستان إلى اليمن والصومال والسودان والعراق وغزة ولبنان. وكل هذه الصور المتتالية تكشف فعلا عن وجود تحولات تؤشر إلى وجود معالم مرحلة لم تستقر هويتها على هيئة سياسية، فهي أشبه ببؤر استيطان قديمة فشلت في التكيف مع التحولات الزمنية. فهل «الشرق الأوسط» القديم يدخل الآن في عالم جديد أم يتدهور إلى عالم منغلق على القبيلة أو المذهب أو الطائفة أو القوم (العرق القومي) أو الجغرافيا المناطقية؟
رصد المشاهد العنيفة تظهر عينيا وجود آليات تدفع نحو التقهقر والتراجع وليس نحو «التقدم» و «الحداثة». فالجديد في «الشرق الأوسط» موغل في قدمه وهو يتقاطع مع زمن كان علماء الاجتماع والتاريخ يشيرون إلى انقراضه أو على الأقل إلى تخلفه وعدم تناسبه مع نظام «العولمة» و«القرية الكونية» وأسواق المال والبورصات والتكتلات الاقتصادية الكبرى. فهل ما تشهده المنطقة هو بالضبط ما كان يريد «تيار المحافظين الجدد» أن يراه في «الشرق الأوسط» أم أن آليات الواقع المتخلف نجح في النمو والتطور ليتغلب ميدانيا على آلات الكومبيوتر وأرقى الصناعات التقنية وأحدث الطائرات والصواريخ والرادارات؟
الإجابة تحتمل أكثر من تفسير. فهناك نظرية المؤامرة التي تؤكد أن مخطط «المحافظين الجدد» رسم إطار التدهور حين قرر كسر التوازنات الموروثة تاركا المنطقة تتصدع آليا ومن دون تدخل مباشر من القوى الكبرى. وهناك نظرية المفاضلة التي تعتمد موضوعة الفشل لتبرير عجز السياسة الأميركية عن تحقيق أغراضها وأهدافها ما اضطرها أخيرا إلى الاعتراف بالخطأ والإقرار بالواقع وتفضيل الانسحاب وإعادة الانتشار والتموضع تاركة الساحات مفتوحة لأهلها حتى لا تستمر في الانخراط بمهمات تصنيع مستحيلة.
بغض النظر عن مدى صحة الجواب الأول ودقة الجواب الثاني هناك حقيقة تبدو واضحة للعيان، وهي أن «الشرق الأوسط» القديم بدأ فعلا يدخل في طور تاريخي «جديد». والجديد ليس بالضرورة أن يكون دائما أحسن من القديم.
هناك جديد في «الشرق الأوسط» وهو خطير في تجاذباته الأهلية لأنه يدفع الدول من الداخل إلى خط التصدع باتجاه احتمال إعادة رسم خريطته السياسية وجرجرته إلى دائرة أزمات عنقودية تنفجر تباعا من دون أن تعرف أحيانا أسبابها ومسبباتها وأهدافها وغاياتها. والغريب في هذا الجديد أن البعض يضعه في خانة الانتصارات المتلاحقة على الامبريالية والصهيونية والمشروع الأميركي.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2539 - الثلثاء 18 أغسطس 2009م الموافق 26 شعبان 1430هـ
أسباب العنف في العالم الاسلامي
اسباب العنف في المناطق الاسلاميه اسبابها اما ان يكون بسبب تعجرف طائفي . او بسبب مصالح دوليه مبطنه بمحاربه الارهاب او مبطنه بالديمقاراطيه. او عداء طائفي بغيض او مصالح رؤساء القبائل المبطن تحت غطاء ائمه الاسلام او امراء الاسلام .والي احب ان اقوله لك يا عزيزي الكاتب : لا تكرهو الفتن فان فيها زوال الظلم .