العدد 2538 - الإثنين 17 أغسطس 2009م الموافق 25 شعبان 1430هـ

الأمن المائي - والأمن الغذائي... ما بين الموازنة أو الخيار؟ (1)

من شأن الأزمات التي يختل فيها التوازن، وقد تصيبنا الحيرة في الموازنة أم الخيار ولكنها تطلق آليات تعويضية وأفكارا جديدة وغير متوقعة، فالأزمات إذا عامل تطور ومن الممكن أن تكون أكثر أبداعا ليولد المستقبل الذي يبحث عن هويته بالمنهج العلمي الذي هو الدعامة الأساسية لحل كل الأزمات التي نستشفها، ومن أهم الأزمات التي تفرض نفسها علينا وعلى العالم هي إشكالية الأمن المائي والأمن الغذائي.

ما مفهوم الارتباط بين الأمن الغذائي والأمن المائي؟

الأمن الغذائي والأمن المائي من أولويات الأمن القومي للبلاد باختلاف مكانتها أو مواقعها، ولكن لا يمكن الفصل بينهما حيث أنهما حتى الآن يعتبران وجهين لعملة واحدة Lang. وعند الحديث عن الأمن الغذائي أو الأمن المائي فإننا نتحدث عن منظومة بيئية كاملة تحتاج الى الدراسة والتحليل لتحديد أفضل الأساليب لإدارة ما هو متاح بأفضل السبل.

مصطلح الأمن المائي فرض نفسه بقوة الآن، فما هو مفهوم الأمن المائي؟

الأمن المائي هو مفهوم جوهري ولكن أساسه هو توفير المياه للمواطنين بمفهوم الكفاءة والضمان بما يكفي لهم ولمستلزمات الانتاج عبر الزمان والمكان، وقضية الأمن المائي هي من عناصر الحياة على سطح الارض ويزداد الطلب على المياه على المستوى العالمي ويقابله ندرة حقيقية في كثير من البلدان، وهذا راجع لطبيعة المناخ والتضاريس وموقع الدول من خطوط العرض والطول ولا ننسى أثر تغير المناخ الناتج عن التلوث المحموم للنظم البيئية، وبالمقارنة بين الوضع المائي بقارات العالم حتى نقف على المشكلة من بدايتها:

قارة آسيا يمثل سكانها 60 في المئة من سكان العالم ولا يملكون سوى 36 في المئة من المياه.

قارة إفريقيا يمثل سكانها 13 في المئة من سكان العالم ويحوزون على على 11 في المئة من المياه.

بينما قارة استراليا يشكل سكانها 21 في المئة من سكان العالم بينما يملكون 51 في المئة من المياه.

أميركا الشمالية يشكل سكانها 8 في المئة من سكان العالم ويملكون 15 في المئة من المياه وأميركا الجنوبية يشكلون 6 في المئة فقط من سكان العالم ويملكون 26 في المئة من المياه.

ومن خلال تلك المعطيات نجد أن قارة آسيا هي أشد قارات العالم فقرا للمياه.

ما مدى المشكلة المائية التي يتعرض لها الوطن العربي؟

تعاني كثير من بلاد الوطن العربي من ندرة حقيقية في المياه سواء من الجانب الكمي أو النوعي ولا يملك الوطن العربي سوى 1 في المئة من المياه بالعالم رغم أنه يبلغ عدد سكانه 5 في المئة من سكان العالم، وتقدر مساحته 10 في المئة من مساحة العالم.

وتعتبر بعض الدول العربية هي الأشد فقرا للمياه مثل السعودية والبحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والأردن وليبيا واليمن، ولذا نؤكد أن الوقت أصبح أمامنا قصيرا وقدرتنا على جني ثمار الابداع تعتمد على مهارتنا في أداء متسارع وحكيم، ونحتاج الى تحديد المشاكل المائية بالوطن العربي، حيث أن أزمة المياه بالوطن العربي متعددة الجوانب فمنها ما هو فني مثل بلاد المغرب العربي، التي لا تستخدم سوى أقل من 50 في المئة من مياهها نظرا إلى أن أغلبها من مصدر الامطار ومياه جوفية، ولذا فبلاد المغرب العربي بحاجة الى الدعم الفني والمادي للاستفادة من المياه التي تملكها.

أما في بلاد مجرى نهر النيل وتشكل مصر والسودان، فالسودان تملك جميع عناصر الانتاج من مياه متوافرة وأراضي صالحة للزراعة تتعدى مساحتها ما يكفي لتوفير الغذاء للوطن العربي من جميع الاحتياجات الغذائية سواء حبوب الطاقة أو محاصيل الزيوت.

أما مصر فلديها المياه ولكن لا تكفي للاحتياجات المستقبلية من المياه ولكن للأسف مازال الوعي المائي على مستوى التطبيق غائبا تماما وذلك لأن الزراعة تستنفد ما يقارب من 85 في المئة من المياه وذلك راجع لعدم اتباع الأساليب الحديثة في ري الاراضي إلا القليل وطرق الزراعة منذ آلاف السنين كما هي واتباع أسلوب الري بالغمر ولكن كل ما تطور هو أساليب نقل المياه.

أما بالنسبة الى الوضع في دول الخليج العربي فإنها تقع في المنطقة الجافة، حيث يتراوح المعدل المطري أقل من 100 مللي (مئة ملليلتر) في حين جهد التبخر قد يصل الى ألف ملليلتر وهذا الفارق يوضح مدى ما تعانيه دول مجلس التعاون لندرة المياه ما يشكل سببا رئيسيا للتصحر الذي يزداد بصفة مستمرة.

وحيث تعتمد الزراعة في دول الخليج على المياه الجوفية والتي تدهورت بصورة كبيرة من حيث الكمية والنوعية، حيث كمياتها قليلة لحد الندرة وزادت ملوحتها وما أصابها من تلوث نتيجة الاستخدام غير المقنن للأسمدة والمبيدات وأساليب الري الخاطئة التي أدت الى تلوث مخزون المياه الجوفية وأصبح من المستحيل الاستمرار بهذا الهدر المائي لاتباع أساليب خاطئة في إدارة منظومة المياه وهذا ما دفع الباحثين لعرض القضايا المائية ووضع تصورات للحلول، وليس لي هنا إلا أن أذكر عالمنا الجليل وليد زباري ومجهوداته في وضع أبحاثه ورؤيته لقضية المياه في الخليج العربي.

ولابد للنظر للأمن المائي الخليجي من خلال منظومة واحدة لوضع خطة لتأمين المياه من خلال اساليب تزيد من كفاءة استخدام المياه لأن من الخطورة هو الاعتماد على نقل المياه من دولة أخرى كمصدر رئيسي لما له من خطورة على الأمن القومي للبلاد، ولذا نحن في الوطن العربي نعاني من أزمة حقيقية في السياسة المائية وكل ما نخشاه هو تسييس المياه.

ماذا نعني بتسييس المياه؟

هو اصطلاح فرض نفسه مؤخرا على الساحة الدولية، وهو يعني استخدام المياه كعنصر أساسي ومحدد في رسم الاستراتيجية السياسية لبعض الدول، ونطرح هنا أمثلة:


الموقف المائي الإسرائيلي:

لقد أدرك خبراء المياه بـ «إسرائيل» أن مصادر المياه الواقعة في الاراضي المحتلة سنة 1967 استغلت بالكامل حتى حدود سنة 1980، ووصل العجز المائي لـ «إسرائيل» الى 350 مليون متر مكعب مياه حتى 1990 ورغم اعترافنا بأنهم يطبقون ويملكون التكنولوجيا التي تتيح استخداما أكفأ للمياه ولذلك وضعت استراتيجياتها السياسية محاولة التمسك بالاراضي التي بها مصادر مائية، ولا نغفل أنها لاعب رئيسي في النهج الذي تحاول فرضة إثيوبيا بأنشاء السدود التي تؤثر بدورها على حصص دول مجرى النيل وذلك كوسيلة تلويح للضغط على مصر لرفضها مد «إسرائيل» بالمياه عن طريق سيناء.

وهذا على سبيل المثال وليس الحصر، ولا نغفل محاولات طرح أفكار افتراضية لبعض الاطراف الدولية والاقليمية لترويج فكرة تسعيرة المياه، وأجريت دراسات افتراضية لتسعيرة المياه وتعددت المليارات على بعض الدول العربية، ونحن بدورنا نقول لماذا لم تحدد تسعيرة للتلوث الذي تحدثه الدول الصناعية الكبرى المسئولة عن ما يقارب من 90 في المئة من التلوث؟ ولذا هي محاولات لفرض سياسات مائية تحمل في طياتها تسييسا للمياه من خلال مصادر الموارد المائية.

في ظل هذا الوضع كيف تدار الموارد المائية في البحرين؟

للحديث عن إدارة الموارد المائية لابد من التعرض لمصادر المياه المتاحة وكيفية انتاجها وتحديد قطاعات الاستهلاك ونسب استهلاكها حيث تحدد مصادرنا المائية في تحلية مياه الخليج وهي توجه للاستخدام المنزلي للمواطنين أو للاستخدام التصنيعي، ومصدر المياه الجوفية وهي قليلة للغاية لاستمرار الهدر غير المبرر لمياه الآبار، ومصادر الامطار وهي قليله للغاية أيضا، ومصدر مهم وهو مياه الصرف المعالج، ذلك المشروع الوطني البناء الذي سوف نتعرض لأهميته.

بالنسبة إلى قطاعات الاستهلاك فهي المنزلي والصناعي والزراعي، وما يهمنا الآن هو استهلاك القطاع الزراعي الذي وجد انه يشكل استهلاكا للمياه بنسبة تعدت 85 في المئة، رغم أن القطاع الزراعي يشكل نسبة قليلة جدا من الدخل القومي.

والمنتج الزراعي بالبحرين لا يشكل أكثر من 20 في المئة من انتاج الخضراوات غالبيتها تزرع بطرق تقليدية وكفاءة انتاجية للمزارع لا تزيد على 20 في المئة من كفاءة انتاج المزارع، وهذا ما يدفعنا للقول بضرورة وضع الاستراتيجية الزراعية والاستراتيجية المائية في منظومة متناغمة بصورة متوازنة حتى لا يأتي يوم وتكون لنا فيه مفاضلة ما بين توافر غذاء مؤقت تعقبه أزمة مائية حقيقية تفرض علينا سيناريو الخيار ما بين الأمن المائي أو الأمن الغذائي.

ماذا تعني الاستراتيجيات الزراعية للدول؟

بصفة عامة الاستراتيجية الزراعية تختلف من بلد لآخر طبقا لمدى توافر عناصر الانتاج وما تملكها من موارد طبيعية مناسبة من تربة ومياه ومناخ وموارد بشرية مدربة لاستخدام التكنولوجيا تهيئ لها الانتاجية المناسبة التي تفي باحتياجات الكثافة السكانية التي تتمتع بها الدولة ولذا تقوم الاستراتيجية على صياغة مدروسة لسلسة منظمة من الاجراءات لتحقيق الاهداف من خلال رؤية مستقبلية ترتكز على تحديد الى أين الاتجاه الذي يناسب ما لدينا من موارد والاجراءات اللازم اتخاذها وذلك من خلال قاعدة معلومات لكل عنصر من عناصر الانتاج والعمل على استدامة الموارد التي تحقق الهدف المرسوم خلال مراحل زمنية محددة قد تكون خططا زمنية قصيرة المدى أو متوسطة المدى أو خططا طويلة المدى، ولابد أن تدرس الاستراتيجيات جديدا على انها إحدى حلقات المنظومة البيئية وأن نستفيد من خلل استراتيجيات بعض الدول الأخرى الذي أدى الى نتائج لم تكن في الحسابات المبدئية؛ فعلى سبيل المثال تعديل المسار الذي اتبعته المملكة العربية السعودية.

فبعد عدة دراسات للباحثين بأن السياسة الزراعية بالسعودية أدت الى استنزاف ما يقارب من 1500 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، لدرجة أنه أدى إلى انخفاض منسوب الماء الجوفي ما يزيد على مئة متر عمقا في بعض مناطق المملكة العربية السعودية وعدلت السعودية من سياستها الزراعية وأخذت بعض التدابير لسن قوانين بوقف تصدير «الجراس» والاعلاف الخضراء للحفاظ على المياه الجوفية، بالاضافة الى عدم التشجيع بزراعة القمح بوقف دعم القمح، حيث قدرت الدراسات ان كيلوغراما واحدا من القمح في بعض مناطق المملكة يستهلك إنتاجه 2000 لتر مياه، وهذا لا يمكن ان يصدق في ظل الندرة المائية ولا يحقق أي جدوى اقتصادية لأن سعر المياه اللازمة لإنتاج الكيلو تساوي أضعاف ثمن الكيلو هذا بخلاف الامتيازات الأخرى الممنوحة للمزارعين.

ووجد أن هكتارا واحدا من الجت (الفا الفا) يستهلك 30 مليون لتر مياه، حيث أجريت دراسات عن زراعة النخيل بالمملكة العربية السعودية للدرجة التي دفعت الكثير لوقف زراعة النخيل بالاساليب التقليدية وما يقال عن السعودية لا يختلف عن دول الخليج العربي، حيث تعاني الامارات العربية المتحدة أيضا من أزمة مياه نظرا إلى ندرة مواردها المائية حيث تعتمد الامارات على مصادرها الطبيعية، بالاضافة الى المصادر التقليدية لتلبية احتياجاتها، وطبقا لمركز الامارات للدراسات الذي حدد ان اجمالي السحب السنوي من مياه الآبار الجوفية يبلغ معدل 880 مليون متر مكعب سنويا، وبلغ السحب المائي لعامي 2006 و2007 ما قدرت كميته 2615 مليون متر مكعب مياه وحيث ان المخزون الجوفي يقدر بعشرين ألف مليون متر مكعب مياه أي انه خلال عشرين سنة لو لم تتخذ التدابير وتتعدد مصادر المياه فإنها سوف تكون في أزمة حقيقية، ولكننا كل ما نشعر به أننا أمام أزمة مياه وعلى حافة خط الفقر المائي، وهذا بحد ذاته يعتبر تجميلا غير مقبول للحقيقة، فإننا بالفعل في منتصف أزمة حقيقية للمياه لا تحتمل إلا أن تكون أزمة المياه كمرآة في بيت كل منها ننظرها كل صباح وكل مساء حتى تنمو فينا ثقافة التغير في السلوك الذي يستهان بقليل القليل من المياه، وهذا لا يعتبر قصرا على دول الخليج ولكنه حال الوطن العربي بكامله.

العدد 2538 - الإثنين 17 أغسطس 2009م الموافق 25 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:34 م

      شكرا

      بسم الله الرحمن الرحيم شكر جزيرا على هذا الموضوع الشائق شكرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررا

اقرأ ايضاً