للشرق سحره الخاص الذي لا يقاومه الغربيون، وبالذات التواقين إلى تجريب كل ما هو غريب عن ثقافتهم، سواء كان قفطانا أو إكسسوارات فضية أو عمامة، أو كوفية عربية. فهذه الأخيرة، على سبيل المثال، اجتاحت كل طبقات الولايات المتحدة الأميركية، حتى أننا رأينا لورين بوش، ابنة أخ الرئيس الأميركي، تلبسها في عدة مناسبات.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لباقي الدول الأوروبية، بما فيها إسبانيا. فقد وجد الشباب الإسباني في الكوفية العربية موضة جديرة بأعناقهم، جعلت شوارع مدريد و بلنسية وبرشلونة لا تختلف كثيرا في اللباس عن شوارع غزة ورام الله ونابلس، وخصوصا أن ملامح الإسبان فيها شيء من العروبة الدفينة.
بعضهم يسميها «الكوفي»، وهو تحريف لعبارة الكوفية بينما يفضل آخرون أن يسمونها المنديل الفلسطيني، لأنها ارتبطت في ذاكرتهم بنضال الشعب الفلسطيني والمظاهرات المؤيدة له في مختلف أقطار المعمورة التي كان الجميع يلوح فيها بالكوفيات عاليا. لذلك فإن هذه الموضة الجديدة تخفي وراءها قصة مثيرة، فبعدما كان يرتديها خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي الناشطون اليساريون الإسبان الذين كانوا موزعين على كبريات الجامعات الإسبانية، التي يرتفع فيها مؤشر الوعي السياسي، وتلعلع فيها الحناجر بين الفينة والأخرى بالصراخ رافضة للظلم الذي تتعرض له الشعوب العربية، تحولت مع مرور الوقت إلى عنوان لمسايرة الموضة الشبابية.
فغالبية الشباب الإسباني يطوقون بها أعناقهم خلال فصلي الشتاء والربيع على حد سواء، ويجدونها أفضل من الإيشاربات التقليدية، وخصوصا أن ثمنها زهيد مقارنة مع باقي المنتجات، بل صارت الكوفية أفضل هدية يمكن أن يأخذها أحد إلى صديق يقطن في الفردوس العربي المفقود.
وما حصل مع الكوفية العربية في شبه الجزيرة الايبيرية تماماَ مثلما حدث لصور الثائر الكوبي تشي غيفارا، التي تحولت إلى موضة تملأ القمصان وصدور شبان، من دون أن يعني ذلك حملهم لأفكار يسارية. فالشبان يرتدونها لأنها ببساطة دافئة وتبث الحرارة في أعناقهم الثلجية، كما أن شكلها جذاب وصارت تباع مثل الخبز الساخن في جميع المحلات التجارية وبألوان لا وجود لها في البلدان العربية مثل اللونين الأصفر والأخضر.
ويقول فرانسيسكو رويث، طالب في جامعة بلنسية: «إن ارتداء الكوفيات العربية لا يعدو كونه موضة جديدة ظهرت في المدن الكبرى الإسبانية، فالمرء لا يمكن أن يجدها في المدن الصغيرة أو القرى النائية». ويضيف: «إن الذين يرتدونها هم في غالبيتهم من الشباب الذين التحقوا بالجامعات أو تخرجوا فيها وينتمون إلى الطبقات المتوسطة»، ثم يشير بإصبعه إلى فتاة تمرق بجانبه ترتدي كوفية خضراء، مسترسلا «لقد صار بيع الكوفية العربية تجارة مربحة في بعض المدن الإسبانية، لذلك تفننت الشركات في إنتاجها بألوان جديد».
أما ساندرا لوبيث، فتقول: إنها وجدت في الكوفية ايشاربا جميلا يستحق أن يوضع على العنق في فصل الشتاء، وهو بالنسبة إليها عنوان لثورة الشباب. فهذه الشريحة تكون دائما تواقة إلى تجريب كل جديد على ثقافتها، مقرة أن بعض مستعملي الكوفية لا يعرفون أصلها العربي، وهؤلاء يجنحون إلى التقليد فقط لأن ذلك سيجعل لهم حظوة عند رفاقهم الذين سيعتبرونهم مسايرين للموضة
العدد 2304 - الجمعة 26 ديسمبر 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1429هـ