وسط أجواء يسودها التشاؤم، بدأ قادة الثمانية (G8) قمتهم في اليابان. ولم تخرج تصريحات أي منهم عما كان متوقعا: الوقوف أمام الإرتفاع الحاد في أسعار النفط، أزمة الغذاء ... مشكلة الوقود الحيوي. نظرة متفحصة لتلك التصريحات تكفي كي يكتشف المراقب أن أولئك القادة، عن قصد وإصرار، يتناولون الأعراض ويتحاشون الغوص لسبر أغوار الأسباب. وهم لايمارسون ذلك لعدم قدرتهم على إيجاد الأسباب التي ولدت تلك الأعراض، بقدر ما هو إصرار على استمرار الأسباب، لأن في استمرارها خدمة مباشرة لمصالحهم.

ولنبدأ بمشكلة الغذاء التي كانت على جدول أعمال موتمر منظمة الأغذية العالمية الذي عقد في الشهر الماضي في روما. في ذلك المؤتمر تلاشى الحديث عن دور إنتاج الوقود الحيوي في مصاعفة أزمة الغذاء وتوليد حالات الجوع الجماعي في الدول الفقيرة، أمام ضجيج المساعدات التي بلغ بعضها مئات الملايين من الدولارات. وكان من بين من التزم بتقديم تلك المساعدات دول مثل الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر دولة مستهلكة للغذاء وأكبر دولة منتجة للوقود الحيوي الذي يعتبر اليوم أكثر الأسباب تأثيرا في خلق أزمات الغذاء وتأجيجها. بل خاضت الولايات المتحدة حربا ضارية ضد حلفائها من أجل الحيلولة دون خروج المؤتمر بقرار واضح وصريح يوقف من اندفاع واشنطن نحو إنتاج هذه النوع من الوقود. وقد تواصلت الخلافات بين المشاركين في القمة، حول «الأسباب الحقيقية» التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إذ اعتبر البعض أن «الوقود الحيوي» يُعد أحد العوامل الأساسية لارتفاع أسعار الغذاء. حينها وقف مندوب الولايات المتحدة في ذلك المؤتمر، كما وقف قبلها، وبعدها، في مؤتمرات دولية أخرى، كي يبرر المشروعات الضخمة التي تمولها الشركات الأميركية، وفي بعض الأحيان الإدارة الأميركية من أجل التوسع في إنتاج ذلك النوع من الوقود، ضاربة عرض الحائط انعكاساته السلبية على الزراعة، ومن ثم إنتاج الأغذية.

في السياق ذاته، نصل إلى أزمة النفط، التي لاتنفك الإدارة الأميركية تلقي بأسبابها على الدول المصدرة للنفط (أوبك)، والتي غالبا ما تكون (الأسعار) على رأس قائمة جدول أعمال الزيارات التي قام بها مسئولون أميركان إلى الدول النفطية، وآخرها تلك التي قام بها الرئيس الأميركي جورج بوش إلى السعودية، إذ طلب منها زيادة الإنتاج للمساهمة في الحد من «ارتفاع الأسعار». حقيقة الأمر، إن العوامل الحقيقية الكامنة وراء إرتفاع أسعار النفط، هو ذلك التلاعب بالأسعار من خلال المضاربات التي تقوم بها الاحتكارات الأميركية، والتي إعترف بدورها، حتى الكونغرس الأميركي ذاته، الذي لم يوفق في استصدار قرارات للقيام بإجراءات جدية للحد منها، تتفاعل مع ذلك، تلك الأزمات التي لايكف بعض الأعضاء في القمة، ومن بينهم الولايات المتحدة، عن إثارتها وتغذية عناصرها، كي تصل إلى مستوى الحروب في المناطق الغنية بالنفط مثل الشرق الأوسط. وما تقوم به واشنطن في العراق أسطع دليل على ذلك. ولايقف الأمر عند هذا الحد، بل تتوافق مصالح الاحتكارات النفطية الأميركية مع مصالح كارتيلات الصناعة الحربية التي تجد في مناطق الصراعات الأراضي الخصبة لترويج بضاعتها التي تكلف تلك البلدان مليارات الدولارات لإقتناء أسلحة تحتاج صيانتها مليارات أخرى من الدولارات. ولا تجد هذه الدول وسيلة أفضل لتغطية كلفة تلك الفواتير سوى الموافقة إما على رفع أسعار النفط الذي تتضرر منه الدول الفقيرة، فتزداد فقرا وتتضور جوعا، أو تخسره الدول المنتجه، إذ تتبخر عوائده في شراء المزيد من الأسلحة والصرف على صيانتها.

وفي نطاق الأزمة النفطية، تتناسى قمة الثمانية الدور السلبي المباشر الذي يمارسه التراجع في أسعار صرف الدولار أمام العملات العالمية الأساسية مثل الين واليورو، والذي أدى إلى خسائر فادحة تحملتها الدول المنتجة للنفط لارتباط نفوطها وعملاتها المحلية بأسعار صرف الدولار. لقد خفضت واشنطن أسعار دولارها، فتهاوت من جراء ذلك ودائع الدول النفطية المحفوظة بالدولار كعملة في المصارف العالمية، ناهيك عن تدني قيمة مداخيلها النفطية المسعرة بالدولار أيضا.