العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ

إيران وقلقها من الخطوة الأخيرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من ينظر إلى إيران من الداخل يلاحظ ذاك القلق السياسي الذي تمر به مراكز القوى التي تتجاذب السلطة وتدفعها باتجاهات متخالفة. فإيران قلقة حتى لو ظهرت إقليميا في موقع القوة القادرة على تعديل الموازين. ومصدر القلق يتأتى من عدم قدرة القيادة السياسية على تشكيل رؤية استراتيجية مشتركة توحد القرارات في سياق يضبط التوجهات ضمن الحد الأدنى الذي يتكفل حماية المصالح والحدود.

التنوع في توجهات القيادة السياسية يدل على وجود حيوية في مجتمع يمر في طور الانتقال من محطة الثورة إلى الدولة، إلا أن التنوع في القراءات السياسية إذا تطور إلى حد التنافر فإنه يعطي فكرة عن تعارضات أخذت تتموج في الداخل لتظهر في صورة متناقضة في تعاملها مع المحيط الجغرافي ومصالحه وعلاقاته الدولية وتوازناته الإقليمية.

الكلام عن وجود تناغم سياسي في القيادة يعتمد لعبة توزيع الأدوار بين متشدد يطلق «صواريخ أيديولوجية» عشوائية بقصد التخويف وعاقل يضبط إيقاع السياسة في قنوات واعية تدرك المخاطر المحتملة على المصالح ومصير الدولة ومنجزاتها، ليس دقيقا أو على الأقل يحتاج إلى أدلة دامغة لتأكيده. والأدلة الدامغة تشير إلى وجود قلق سياسي في القيادة يتخوف من انفتاح الأزمة على صراع لا تقوى على إدارته وتحمل نتائجه التدميرية.

سياسة توزيع الأدوار ليست حكيمة دائما، لأن التزاحم على إدارة اللعبة يتطلب قواعد انطلاق يمكن اعتمادها في حال انزلقت المنطقة من جديد إلى حرب مفتوحة ستدفع إيران الكثير من عواقبها. وقواعد الانطلاق مسألة ذاتية مهمة، لأنها تشكل نقطة مفصلية في سياسة تعديل موازين القوى، وهذا الأمر كما يبدو لم تتوصل طهران إلى تحقيقه حتى الآن. والقيادة الحكيمة تدرك سلفا أن الخطأ في الحسابات قد يتطور في لحظة زمنية ويتحول إلى كارثة تعيد ساعات الزمن سنوات طويلة إلى الوراء.

موضوعة «توزيع الأدوار» يرجح ألا تكون موجودة فعلا حتى لو ظهرت القيادة في حالات معينة في موقع متماسك سياسيا وقادرة على الإمساك بخيوط اللعبة. فاللعبة كبيرة وهي تتطلب رؤية استراتيجية شاملة تتجاوز أحيانا بعض الحقوق المتعارف عليها دوليا (تخصيب اليورانيوم لأهداف مدنية مثلا) لترى الصورة من مختلف زواياها في منطقة حيوية وغنية بالطاقة وترتكز عليها الكثير من الصناعات الدولية.

حين تكون النقاط الساخنة خطيرة جدا تصبح موضوعة «توزيع الأدوار» بين متشدد وعاقل خارج اللعبة، حتى لو احترفت مراكز القوى الإيرانية سياسة برمجة العلاقات الدولية والإقليمية في سياق تصعيدي مشترك. فالتصعيد اللفظي من جهة والتعامل الواقعي مع المتغيرات من جهة أخرى ربما يساعد على تقطيع الوقت، لكنه لا يدفع العلاقات مع دول الجوار والمحيط الجغرافي إلى التقدم والتفاهم على ضمان توازن المصالح.

التصعيد الكلامي يستعدي القوى المجاورة ويستفزها وربما يدفعها إلى موقع لا تريده، ولكنها لا تستطيع إلا القبول به دفاعا عن النفس أو حرصا على المصالح وأمن الدول.

وهذا النوع من الكلام غير مفيد، لأنه يريد التذكير بردود فعل معروفة ولا تحتاج إلى ذكاء لتوقع حصولها. فالكل في منطقة الخليج يدرك أهمية مضيق هرمز وموقعه الاستراتيجي ودوره الجغرافي في تأمين مرور ناقلات النفط. والكلام عن إغلاقه لا معنى له، لأنه من جانب ليس جديدا ولأنه من جانب آخر مسألة معروفة وهي لاشك داخلة في حسابات القوى المتربصة. فالولايات المتحدة التي تسيطر الآن على مفاتيح الأمن في منطقة الخليج ليست بحاجة إلى من يذكرها بخطورة مضيق هرمز وأهميته الاستراتيجية وتأثير إغلاقه على إمدادات النفط.

معنى الكلام

إذا، ما معنى تكرار الكلام عن إقفال معابر هرمز في حال هوجمت إيران أو إذا وجهت «إسرائيل» ضربة عسكرية في وقت يتوافق الكل على أن رد طهران سيكون في هذا الموقع وغيره من الأمكنة الحساسة؟

تكرار الكلام عن هرمز بمناسبة ومن دون مناسبة لا قيمة استراتيجية ولا تكتيكية له وخصوصا أنه يأتي مرفقا بـ «إذا» الشرطية. إذا هاجمت أميركا سنرد. وإذا وجهت تل أبيب سنفعل بالمضيق هذا وذاك. إذا كانت «إذا» هي اللازمة فمعنى ذلك أنه لا لزوم للكلام حتى لو أراد توجيه رسالة أو التذكير بالمخاطر المحتملة في حال تحولت «إذا» من النظرية إلى التطبيق.

إلا أن «إذا» التي تقال في سياق التذكير بالاحتمالات والانعكاسات تفقد وظيفتها الاستراتيجية وتتقلص تأثيراتها العسكرية وتتحول تباعا إلى نوع من السياسة التعبوية التي تجند الشارع في الداخل الإيراني مقابل تشكيل قوة مضادة تحيط بإيران بسبب تنمية مشاعر الخوف في الأقاليم المجاورة واستفزاز الدول المعنية بضمان مصالحها في منطقة تشهد حيوية تنموية وتجارية واستثمارية. ومثل هذا الكلام العام الذي يطلق عشوائيا صواريخه الأيديولوجية على كل الأصعدة ويهدد الدول المجاورة بالعقاب يساهم في عزل إيران عن محيطها ويحبط كل المحاولات التي تبذل إقليميا لمنع انزلاق المنطقة نحو حرب تدميرية جديدة.

قوة إيران ليست ذاتية فقط، وإنما أيضا في علاقاتها مع المحيط الجغرافي (دول الجوار) الذي يشكل في النهاية مظلة أمنية مشتركة تضبط إيقاع المصالح تحت سقف التوازن والاحترام المتبادل. والمحيط الجواري حين يكون في علاقات توتر مع إيران تصبح القوة الذاتية مجرد ورقة في لعبة دولية يمكن أن تتحكم بها عواصم القرار وتعيد استخدامها في سياسة تستهدف زرع الانقسام بين الأقاليم لضمان استمرار الوجود العسكري (القواعد والأساطيل) إلى فترة طويلة بذريعة المحافظة على مصادر الطاقة وخطوطها البحرية والبرية. وهذا الأمر يتطلب فعلا قراءة سياسية تتجاوز لعبة «توزيع الأدوار» بعد أن دخلت مراكز القوى في إيران طور الاختلاف في إدارة الملف النووي. والاختلاف يؤشر إلى بدايات سلبية يرجح في حال استمراره أن يساهم في انزلاق القيادة ودفعها إلى موقع تصبح فيه غير قادرة على التحكم بآليات الصراع الداخلي، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على التحكم بالمبادرات والعروض التي تقدمت بها الدول الأوروبية بالتفاهم مع أميركا وروسيا.

هذا الاحتمال يمكن استنتاجه من الاتجاهات المختلفة التي ظهرت حديثا في طهران وكشفت عن وجود توجهات قلقة تتجاوز لعبة «توزيع الأدوار»؛ فهناك من يوافق علنا على المقترحات الدولية الأوروبية ويريد فتح قنوات دبلوماسية بشأنها. وهناك من يوافق ضمنا على الحوافز، ولكنه يرفض شرط توقيف التخصيب في فترة التفاوض. وهناك من يعتبر أن تقديم العروض والحوافز يشكل خطوة تراجعية لمصلحة إيران والرد عليها يكون باتخاذ خطوة هجومية.

إلى هذه المروحة من التصريحات الغاضبة والاتصالات الدبلوماسية الموازية يمكن رصد الكثير من التوجهات التي تعكس درجة من القلق وعدم التوافق الداخلي على تقدير موقف مشترك وتحديد خط نهاية لمسألة التفاوض بشأن البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم. وحين تصبح مروحة السياسة ملونة إلى هذه الدرجة من القلق تتعطل إمكانات التفاهم بين مراكز القرار على نوعية الخطوة القادمة.

الخطوة القادمة خطيرة وليست عادية وهي تتطلب قراءة دقيقة لكونها قد تساعد إيران على إعادة صوغ علاقاتها مع المحيط والعالم... وربما إذا أخطأت التقدير تكون خطوة ناقصة قد تدفع بالمنطقة إلى الدخول في مشهد غير سعيد.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً