العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ

«الجندر»... محطة مهمة في المسيرة المطلبية للنساء (1 - 2)

زينب الدرازي comments [at] alwasatnews.com

قضية المرأة مرت بمراحل مخاض عسيرة، مازالت مستمرة، تمثلت وتداخلت وترجمت في العديد من الاتفاقيات والصكوك والمعاهدات على جميع مستويات التنمية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، أي وفق مخاض المجتمع الدولي الذي ارتبط بعملية التنمية والكفاءة الاقتصادية.

ومع إيمان المجتمع الدولي وباسم الناطق الرسمي له (الأمم المتحدة) تم الاعتراف بعد مسيرة طويلة، بأن أي نوع من أنواع التنمية لا يمكن أن ينجح من دون مشاركة المرأة كعنصر فاعل وإيجابي، وتم الاعتراف بحقيقة أن عزل المرأة وإقصاءها هو إقصاء لنصف المجتمع من قواه العاملة، وأن تحقيق التنمية الشاملة غير ممكن، ولا تتحقق بمجاراة النظم والأنماط الاجتماعية السائدة في نظرتها التقليدية للمرأة بل بمواجهتها والعمل على تغييرها .

وقد شغلت قضية المرأة وحقوقها المجتمع الدولي في حقبة الأربعينيات من القرن الماضي، وذلك بالتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، الذي يقوم على مبادئ كرامة جميع البشر وتساويهم، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا من دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، وتبع الميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعلن: أن البشر يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن من حق كل إنسان أن يتمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة في الإعلان، من دون أي تمييز، ولاسيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي.

وبهذا أعلن العالم الحر حق المرأة في أن تكون حرة ومتساوية مع الرجل مهما كان جنسها أو لونها أو عرقها، فهي إنسان، كائن له الحق في الحياة كما للرجل.

إلا أن صوغ العبارات والتصفيق لها والتوقيع عليها أسهل بكثير من تطبيقها، فبين ميثاق الأمم المتحدة الذي وقع في يونيو/ حزيران 1945، واتفاقية (السيداو 18 ديسمبر/ كانون الأول 1979) 34 سنة. وما يعنينا هنا بالاتفاقية أنها شكلت البداية الحقيقية لسعي الأمم المتحدة في العمل تجاه نيل المرأة لحقوقها الطبيعية المستلبة تاريخيا، المتمثل في النظم السياسية الذكورية والأنساق الاجتماعية المتزمتة التي تعلي من الفلسفة الذكورية وترفعها لدائرة المقدس.

في هذا المقال والذي يليه سنستعرض مراحل وطبيعة تكون كل محطة رئيسة في مجال البحث والتشكيل لأدوار واستحقاقات المرأة، نحو تأطير دورها واستحقاقاتها كمواطن إنسان.

دولة الرفاه 1950 - 1989

عكس الصراع السياسي بين المحور الرأسمالي والمحور الاشتراكي نفسه وبشكل كبير على قضية المرأة، وارتباطها بمسألة الحرية والعدالة الاجتماعية، فتميزت هذه المرحلة بالتنمية القائمة على اشتراكية الدولة. ففي الفترة من 1950 إلى 1970 أو ما يسمى مرحلة الرفاهية الاجتماعية، كانت الدول تنظر إلى قضية المرأة باهتمام ضمن أهداف وسياسات التنمية الوطنية، فانصب اهتمام الغرب الرأسمالي على دورها الإنتاجي وتوفير آلية لحفظ النظام الأسري ودعمه مع الاهتمام بدورها السياسي، والوصول إلى فرص للعمل وليس تملّك عناصر الإنتاج.

بينما اتخذ النظام الاشتراكي (1950 - 1989) نهجا مختلفا اعتمد على نظرية تحرر المرأة والذي ارتبط أيضا بنمط التنمية في الدول الاشتراكية، نمط ينظر إلى المرأة كجزء من القوى العاملة، ويهدف إلى الدفع باتجاه مشاركتها السياسية وتحسين وضعها الاجتماعي والقانوني.وأدت كلا السياستين إلى نتيجة واحدة، وهي بقاء ادوار المرأة في حدود خدمة التنمية الوطنية عوضا عن تحدي علاقات النوع الاجتماعي أو العمل على تغييرها. فدعم هذا النهج وضع المرأة كمستفيد سلبي من التنمية وغير فاعل أو مؤثر فيها.

1970 - 1985 مرحلة نهج المرأة في التنمية WID

جاءت سبعينيات القرن الماضي لتتبعها تحولات اقتصادية وسياسية على مستوى العالم، وتضخمت فجوة التنمية المتمثلة في دول الشمال الغني والجنوب الفقير، وانعكس ذلك على وضع المرأة، ولعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا هذه المرحلة التاريخية هي المرحلة الفعلية التي أقرت فيها الأمم المتحدة منهجا عمليا ومباشرا للتعامل مع وضعية المرأة.

ففي العام 1975 أعلنت الأمم المتحدة خطة تضمن المزيد من مشاركة المرأة وتمكينها فيما يطلق عليه «عقد الأمم المتحدة للمرأة» ليتوج باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو 18/12/1979). وتميزت هذه المرحلة بمفهوم «المرأة في التنمية» الذي يهدف إلى إنصاف المرأة ومشاركتها الرجل عنصرا فاعلا في عملية التنمية، مع التأكيد على أهمية أدوارها المرتبطة بالنوع الاجتماعي القائم على استقلال المرأة السياسي والاقتصادي وتساوي فرصها بالرجل.

وارتبط هذا المفهوم بسياستين، الأولى سياسة مواجهة الفقر والعوز النسائي عن طريق زيادة العمل الإنتاجي للنساء الفقيرات أو ما يطلق عليه (الميكروستارت) على أساس أن الفقر مشكلة من مشكلات التخلف ولا يتعلق بالمرأة كامرأة، والسياسة الثانية مبدأ الكفاءة بمعنى التأكيد على كفاءة التنمية من خلال مساهمة المرأة في الاقتصاد.

وجاء هذا النهج ليزج بالمرأة في عملية التنمية، مستغلا حاجتها الاقتصادية وعوزها وفقرها بعد أن تراكمت الديون على دول العالم الثالث الفقيرة، وعجزت حكوماتها عن توفير العديد من الخدمات الاجتماعية، فقامت المرأة بتوفير هذه الخدمات، وجاءت هذه السياسة تحت غطاء إنصاف المرأة وتلبية احتياجاتها العملية المرتبطة بالنوع الاجتماعي. إلا أن هذا النهج ارتكز على دعم الدولة وتدخلها المباشر لنيل المرأة حقوقها، فجاء ضعيفا ولا يعبر عن قناعة ووعي مجتمعي بأدوار المرأة، كما واجه رفضا مجتمعيا لتحديه الأنساق والعلاقات السائدة في المجتمع تجاه المرأة وخاصة في المجتمعات المحافظة.

1985 - 1990 سياسة التمكين/ المرأة والتنمية WAD

أدت سلبيات السياسات السابقة بالمرأة في العالم الثالث إلى حمل راية الرفض لكل مناهج سياسة «المرأة في التنمية WID» وانتهجت نهجا جديدا (المرأة والتنميةWAD) والذي يرتكز على سياسة التمكين. ويهدف إلى تقوية وتمكين المرأة من خلال اعتمادها على نفسها والتأكيد على أدوارها ضمن النوع الاجتماعي.

وانعكست جميع الاستراتيجيات السابقة، بدورها على الوضع السياسي وعلى صناع القرار، فكانت النتيجة تأسيس القطاع النسائي على المستوى العالمي والوطني والمحلي، والذي كان يهدف إلى مساهمة المرأة بفاعلية في الحياة السياسية والاقتصادية، مع التركيز على أهمية إعطاء المرأة فرصتها المساوية للرجل والتأكيد على شرعية مطالبتها بحقوقها ضمن مفهوم الإنصاف والعدالة الاجتماعية.

إلا أن تأسيس القطاع النسائي عوضا عن أن يسهم في تمكين المرأة، ساهم بشكل غير مباشر في عزلها كجزء لا يتجزأ من عملية التنمية الكلية. فأصبح قطاع المرأة ديكورا تتباهى به الحكومات دوليا كإثبات عن قناعاتها بأهمية دور المرأة في عملية التنمية.

إقرأ أيضا لـ "زينب الدرازي"

العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً