العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ

أسباب ارتفاع أسعار النفط

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

توجد خلافات جوهرية بين الأطراف ذات العلاقة فيما يخص أسباب ارتفاع أسعار النفط. نقول ذلك في ضوء اقتراب سعر النفط من 150 دولارا للبرميل الأمر الذي يمثل منعطفا في عملية صعود قيمة الذهب الأسود.

من جهة ترى الدول المنتجة بقيادة (أوبك) أن معضلة ارتفاع أسعار النفط تعود للمضاربات التجارية في أسواق المال. من جهة أخرى، ترى الشركات المنتجة للنفط أن الأزمة مرتبطة في عدم قدرة المعروض النفطي استيفاء الطلب في السنوات القليلة المقبلة وذلك على خلفية نمو الاقتصاد العالمي وخصوصا في الصين.

في المقابل، تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن الأسباب الحقيقية لمشكلة ارتفاع أسعار النفط تكمن في نمو الطلب مقابل نقص المعروض من النفط الخام وبعض المنتجات النفطية. وأشارت الوكالة في تقرير حديث إلى شح إمدادات نواتج التقطير والتي بدورها تشمل الديزل ووقود التدفئة. كما تؤكد الوكالة أهمية تكثيف حملات كفاءة استخدام الطاقة على مستوى العالم.

جدة غير

وقد عقد على مدى الأسبوعين الماضيين مؤتمران ناقشا موضوع ارتفاع أسعار النفط، الأول في مدينة جدة الواقعة في غرب المملكة العربية السعودية والثاني في العاصمة الإسبانية (مدريد).

وقد نجح مؤتمر جدة في استقطاب كبار المسئولين من 36 دولة منتجة ومستهلكة للنفط فضلا عن ممثلين عن 22 شركة نفطية. وقد نجحت دول (أوبك) في الاستفادة من مؤتمر جدة لتركيز الأنظار على بعض الأسباب الحقيقية وراء استمرار ارتفاع أسعار النفط. وهذه العوامل عبارة عن تراجع قيمة الدولار والتوترات السياسية والمضاربات في أسواق المال والضرائب العالية في بعض الدول المستهلكة وخصوصا أوروبا إضافة إلى نمو الطلب مقابل صعوبة زيادة القدرة الإنتاجية على المدى القصير.

تراجع الدولار

يتسبب تراجع الدولار في ارتفاع أسعار النفط للتعويض عن تراجع قيمة العملة الأميركية. المعروف أن النفط مسعر بالدولار منذ أمد بعيد. ويعود تراجع الدولار إلى رغبة بنك الاحتياطي الفيدرالي تحقيق عدة أهداف اقتصادية من قبيل تعزيز الصادرات الأميركية وبالتالي الحد من العجز التجاري فضلا عن توفير فرص العمل للمواطنين مقابل. وقد فقد الدولار نحو 40 في المئة من قيمته أمام اليورو في آخر خمس سنوات. في الوقت الحاضر بمقدور 0,73 يورو شراء دولار أميركي. في المقابل، كان يتطلب دفع 1,20 يورو لشراء دولار في العام 2003.

بمعنى آخر، يشكل ارتفاع سعر برميل النفط بمثابة تعويض عن تراجع قيمة الدولار. على كل حال، لا يبدوا في الأفق أمل لتسجيل ارتفاع في قيمة الدولار في الفترة المتبقية من إدارة الرئيس جورج بوش. بيد أنه من الممكن أن تتغير الأمور بعد معرفة التوجهات الاقتصادية للرئيس الجديد.

التوترات السياسية

بدورها تساهم التوترات السياسية في بعض الدول المنتجة للنفط في رفع أسعار النفط لكونها أخبارا سلبية. والإشارة هنا إلى تحديات مثل العنف في العراق وخصوصا الهجمات التي تتعرض لها البنية التحتية للصناعة النفطية العراقية. والأهم من ذلك، هناك معضلة التصعيد المرتبط بالملف النووي الإيراني في ضوء التهديدات المتكررة باللجوء للعمل العسكري للتعامل مع هذا القضية. وقد ارتفعت أسعار النفط في الأسبوع الماضي بعد تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز الحيوي أمام الصادرات النفطية في حال تعرض منشآتها النووية لاعتداء عسكري.

إضافة إلى ذلك، هناك مسألة الاعتداءات المتكررة على خطوط النفط في نيجيريا وتهديدات فنزويلا بقطع الإمدادات النفطية عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. بل إن التوترات السياسية مرشحة للتصاعد في أي لحظة في العالم في ضوء تأزم مشكلة التضخم والتي تعود في جانبها إلى ارتفاع أسعار النفط.

قضية المضاربات

كما أن هناك قضية المضاربات في أسواق النفط من قبل المستثمرين والذين يتاجرون بالنفط في أسواق المال العالمية. يحظى النفط كسلعة إستراتيجية على اهتمام المستثمرين لأسباب معروفة. يعتمد الاقتصاد العالمي بشكل نوعي على المنتجات النفطية لتسيير المسائل الاعتيادية مثل الطيران وقيادة السيارات وتشغيل المعدات. ترى دول (أوبك) أن المضاربين يتعمدون التأثير على الأسعار لأغراض تجارية بحتة. بدورها تعترف وكالة الطاقة الدولية بوجود مشكلة المضاربات لكنها تربط الأمر بنقص البيانات فيما يخص المخزون.

بيد أن هناك اتفاقا بين مختلف الأطراف بأن النمو الاقتصادي العالمي وخصوصا الصيني يعد أحد الأسباب الرئيسية وراء أزمة ارتفاع أسعار النفط. ينمو الاقتصاد الصيني بأكثر من 10 في المئة سنويا الأمر الذي يشكل ضغطا على الطلب العالمي للنفط. وقد زاد الطلب الصيني من نحو 5 ملايين برميل يوميا في العام 2001 إلى أكثر من 7,5 ملايين برميل يوميا في العام الجاري. وقد تسببت انقطاع الكهرباء في الصين في الآونة الأخيرة لأسباب مناخية إلى زيادة الطلب على نواتج التقطير للتوليد الاحتياطي.

إحصاءات حيوية

وفي كل الأحوال يوجد شبه اتفاق بين مختلف الأطراف (أوبك وشركات النفط العالمية ومنظمة الطاقة الدولية) بأن النمو في العرض غير قادر على مواكبة الطلب. حسب إحصاءات شركة (بريتيش بتروليوم) تساهم دول (أوبك) بنحو 36 مليون برميل من النفط الخام يوميا من أصل 81 مليون برميل حجم الإنتاج العالمي. وعليه يشكل إنتاج (أوبك) نحو 44 في المئة من حجم الإنتاج العالمي. في المقابل، يبلغ حجم الطلب العالمي نحو 84 مليون برميل يوميا. بيد أن دول (أوبك) تمتلك - وخصوصا الدول الواقعة في منطقة الشرق الأوسط - فرصة زيادة الإنتاج النفطي. تستحوذ دول منطقة الشرق الأوسط على 60 في المئة من الاحتياطيات النفطية المكتشفة.

ختاما تتخوف شركات النفط العالمية من مسألة توافر كميات كافية من المعروض النفطي لمواجهة الطلب بعد العام 2012 على فرضية عدم إحراز تقدم على صعيد زيادة القدرة الإنتاجية. لكن يخشى أن تتسبب التوترات السياسية وربما المواجهات العسكرية بالتسبب في أحدث مشكلة نفطية قبل هذا التاريخ.

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 2132 - الإثنين 07 يوليو 2008م الموافق 03 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً