ماذا تتوقع أن تسمع من أحاديث إذا ذهبت إلى حفلة عقد قران أو زواج؟
تهانٍ وتبريكات، وأدعية وتمنيات بالسعادة والهناء. لكن هذه الأيام لن تسمع إلا الحديث عن الأراضي وشح الاسمنت وغلاء مواد البناء.
قبل شهر، ومع دخولي صالة الأفراح، كان أغلب ما سمعته عن أسعار الاسمنت والحديد والـ «ريدي ميكس» ومشاكل العمال والبناء.
كان صاحب الدعوة طبيبا حديث التخرج، وكثيرٌ من أفراد عائلته أطباء. وكان طبيعيا أن يكون أكثر المدعوين من الأطباء، غالبيتهم من الشباب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و45 عاما.
وعندما نتكلّم عن الأطباء، فنحن نتكلّم عن إحدى أهم شرائح الطبقة الوسطى. فهذه الطبقة متعلمة تعليما أكاديميا عاليا، وهي تتمتّع بمستوى متقدم من الذكاء الدراسي، أهّلها للالتحاق بتعليم الطب وهي شريحةٌ متميزةٌ بالجدية وحبّ العلم، بصورة عامة وليست مطلقة بطبيعة الحال.
هذه الشريحة، كانت فيما مضى تعيش وضعا معيشيا مريحا، بفضل ارتفاع الدخول مقارنةّ بكثيرٍ من الوظائف الأخرى. من هنا عندما تجد نفسك وسط عشرات الأطباء الشباب، يتكلّمون كلّهم جميعا عن أسعار الاسمنت والحديد، فإن ذلك دليلٌ على تغيّر الأحوال وتبدّل الزمان.
كنت أسمع وأرى طوال ساعة ونصف، حتى نكاتهم وتعليقاتهم كانت عن الحديد والاسمنت. أحدهم قال انك إذا كنت طبيبا في الولايات المتحدة، يمكنك أن ترتب لتشتري أرضا وتبني بيتا براتبك الشهري خلال سنتين أو ثلاث سنوات، أما نحن فلم نعد نتمكن من شراء أرض، وإذا كنت تمتلك الأرض فمن المستحيل أن تفكّر حاليا في البناء. أسعار الاسمنت والحديد هي «أيقونة» لفهم أزمة البناء التي تواجه جيلا كاملا، وإذا كان طبقة الأطباء وصلت إلى الحائط المسدود، فما بالك بالشرائح الأخرى في الطبقة الوسطى، فضلا عن الطبقات الفقيرة والمعوزين.
إنها أزمة مجتمع، وأزمة اقتصاد سياسي غير عادل، وقضية توزيع عادل للثروة لم يكترث لها أحد منذ عقود، ولذلك لا يبدو في الأفق ما يبشّر بالأمل أمام هذه الوقائع الدامغة والمستجدات.
العام الماضي، كان سعر طن الحديد 200 دينار، ومع بداية هذا العام ارتفع إلى 300 دينار، وقبل شهر كان الأطباء يتندّرون ببلوغه 550 دينارا، أمّا عصر أمس، حين سألت القسم الاقتصادي عن سعره فقالوا انه وصل إلى 720 دينارا!
الاسمنت كان سعره دينارا واحدا قبل أعوام، ومع بداية العام الجاري تضاعف سعره إلى دينارين و200 فلس، أما اليوم فصعد إلى دينارين و700 فلس، مع شحّ بالأسواق، حتى الرمل الذي كان البحرينيون يأخذون ما يشاءون منه من منطقة اللوزي، المعروفة برمالها الناعمة كالحرير، أصبح أندر من الكبريت الأحمر، فأصبحنا نستورده من وراء الحدود.
أحد تجار التجزئة في السوق، ذهب إلى القول ان الاسمنت يمثل العمود الفقري لحركة البناء والازدهار العمراني، بالإضافة إلى الحديد والرمل، فكيف نتخيّل حركة عمرانية دون هذه الأعمدة الرئيسية؟
طبعا نحن نتكلّم عن عامة الشعب، بطبقتيه الوسطى والدنيا، من الأطباء والمدرسين والموظفين إلى الفقراء والعمال والكادحين... ولا نتكلّم عن الطبقة العليا. نتكلّم عن أزمة إسكان تعانيها الغالبية، ولا نتكلّم عن أقليةٍ تعيش وتنتعش على بيع العقارات والرهان على جلب رؤوس الأموال الأجنبية، فإذا أنّ الطبيب فاعلموا أن المرض تغلغل للعظام.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2131 - الأحد 06 يوليو 2008م الموافق 02 رجب 1429هـ